ستنصرون.. ويهزمون والموعد الله
أروع ما في 7 أكتوبر تلك الزلزلة العظيمة التي أتت على أرضية كل شيء، فأظهرت فيه الحقيقة كلها على أبين ما يكون ظهورها ومظهرها، كأنها ولدت من جديد، وبكل ما تحمله كلمة الحقيقة من حمولات، هل نقول الإيمان والاعتقاد؟ هل نقول المفاهيم والأفكار؟ هل نقول الفرضيات والوقائع؟ هل نقول الفهم والتصور؟ هل نقول النظرية والمعادلة؟
هل نقول التاريخ وإرادة الإنسان فيه؟ والإنسان والتاريخ اللذان حيرا الفيلسوف الألماني هيجل (ت/1831م) هما بالفعل الحقيقة الناصعة، التي لا يختلف عليها اثنان.
بحال النظر إلى كوكب الأرض ودورانه حول نفسه، ودورانه حول الشمس، ودوران الإنسان فيه، فوق ظهره وتحت ظهره، يقولون أن كل مائة عام، لا يكون من شيء حي فوق ظهر الأرض، إلا وقد أصبح تحتها.
وسنتوقف هنا قليلًا، لنعرف أن أول أسباب رفض سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، لمعبوداته البريئة قبل الشك والإيمان واليقين كوكب وقمر وشمس، أنها كلها أفول في أفول، كله على كله من الآفلين، وهو لا يحب الآفلين، كما قال ببساطة ووضوح عظيمين، وسيصغي سمعًا لما بأعماقه وما يناديه ويصيح به: لا تربطني أبدًا بما يفنى ويأفل.
من عبقرية هذه اللحظة أنها علمتنا كيف نطلب المطلب، وكيف نطلب الوسيلة، فإذا طلبت مطلبًا فابحث عنه في أخص صفاته، وفورًا ستجده، وسيدنا إبراهيم طلب ربه، واهتدى إليه بما لا يكون لغيره، وهو أنه الحي القيوم الذي لا يموت، سيتوكل عليه سبحانه، وسيسبح بحمده، سيعيش حياته بجد.
جزى الله الحاج ضيف والحاج يحيى كل خير، أن ذكرونا بسيدنا إبراهيم الخليل، وإدراكات الإدراك، التي نفحنا بها في رحلة الطلب والوصول، فعرف الحقائق كلها من قلبها ولبها، وعلمنا ثم علمنا، إنه أبينا إبراهيم.
ألم أقل في البداية إن طوفان الأقصى كانت زلزلة عظيمة أبانت وأظهرت، بعد ما كدنا أن ننسى! نعم، كدنا أن ننسى وعد الله في سورة البقرة، آل عمران، النساء، المائدة، الأنفال، التوبة، الحج، العنكبوت، الفتح.
حين كنا شبابًا صغارًا، كنا نتعجب من قول الصحابي، الذي كان يقول لصاحبه اجلس بنا نؤمن ساعة، ونسأل أليسا مؤمنيْن؟ وحين كنا نسمع من يقول أن تَفَكُّر ساعة خير من قيام ليلة، كنا نتحير كيف يدخل الفكر والتفكر في العبادة؟ فى الاعتقاد واليقين ممكن، لكن العبادة؟!
لكننا فاتنا وتلهينا وانشغلنا، بأن علينا كل يوم تثبيت الإيمان في العقل وتثبيت حبه في القلب، حب الرحيم الودود سبحانه وتعالى.
لكن ما دخل محمد ضيف ويحيى السنوار وغزة بهذه المواعظ؟!
إنهم يجسدونها تجسيدًا أمام أعيننا من 16 يوم أيها الرفاق، 1100 انتصروا على 10000 إنه وعد الله الحق، يتحقق أمام أعيننا على الهواء مباشرة، المائة بألف! كما جاء في سورة الأنفال.
أحد العسكريين المخضرمين قال: ما حدث وجرى تنفيذه في 7 أكتوبر مع فرقة غزة لواءين، يتجاوز النوع البشري في مثل هذه الأحوال، الباشا كان يقصد قول الحق تبارك وتعالى: “إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا”، كما جاء في سورة الأنفال.
وسيحلله لنا الكاتب الإسرائيلي الشهير جدعون ليفى (71 سنة، وصاحب كتاب منطقة الشفق الحياة والموت في ظل الاحتلال الإسرائيلي/ معاقبة غزة)، سيقول لنا في مقال له بجريدة هآرتس يوم 9 أكتوبر: أين الجيش وجهاز الأمن الشاباك بكل وسائلهما، وطائراتهما المسيرة، وتنصتهما، وذكائهما البشري والاصطناعي، وابتزازهما للمصادر البشرية (يقصد العملاء)، وعباقرة وحدة النخبة 8200؟ ألم يكن لدى أي أحد منهم أدنى فكرة؟ إن نجاح حماس حدث استراتيجي رهيب!
لكن المهم هنا على ذكر هذا الرجل الخطير، أنه كان قد كتب مقالًا في 30 مايو الماضي في جريدة هآرتس وأنذر فيه بما يحدث الآن!
ويبدو أن المعلومات التي توفرت لديه وبنى عليها رأيه هذا، قد وصلت إلى حركة المقاومة الإسلامية حماس، وتفسر لنا بعقلانية شديدة وبحس إيماني ووطني بالغ القوة، في القرار والتنفيذ ما حدث في سبتهم الأسود، ماذا قال جدعون ليفي؟
قال إن من بين الإنجازات التي يمكن أن يضيفها نتنياهو إلى رصيده، قدرته على إلغاء حل الدولتين بشكل دائم وإزالة القضية الفلسطينية برمتها من جدول الأعمال العام.
وقال إن الاهتمام بحل الدولتين لم يعد موجودًا داخل إسرائيل وخارجها، عباس يا عباس.. أين أنا يا عباس؟ وأضاف: إن هذا تطور كارثي لأي طرف آخر، وأن التعامل معه باللا مبالاة كارثة أخرى، وحذر من حدوث نكبة ثانية، حرفيًا ذكر ذلك في مايو الماضي!
واختتم مقاله بالتأكيد على حتمية الوصول إلى تلك النقطة في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، حتى بعد فترة طويلة، وقال إن ذلك اليوم سيأتي، عندما يوجه السلاح إلى رؤوسنا!
لم تمض فترة طويلة، فقد تم توجيه السلاح إلى رؤوسهم بالفعل، كما توقع الرجل الخطير.
لكن الأخطر، كيف حصلت حماس على هذه المعلومات المرعبة؟ إذا بنينا تصورنا على أن 7 أكتوبر كان الغداء بهم قبل العشاء بنا، وهذا مما قد يفسر لنا حالة الهرولة الغربية الهلوعة إلى هذا التدخل المثير.
الحصول على المعلومات المؤكدة، بدقة مؤكدة، والإعداد والتنفيذ الفوري بثقة مؤكدة ونجاح كبير، كيف حدث كل هذا؟ وماذا وراءه؟ ومن وراءه؟
الذي سيجعل د/يوري يوسف أستاذ العلاقات الدولية في كلية العلوم السياسية في جامعة حيفا يقول تعليقًا على ما جرى: إن هناك انفجار سياسي جوهري سيلازمنا لوقت طويل، دولة إسرائيل ستكون في حاجة إلى قائد بحجم دافيد بن جوريون، يُعلن أن هدفه إقامة دولة إسرائيل مجددًا! أهلًا وسهلًا بالقائد والمجددة.
ماذا سيفعل هذا القائد في إسرائيل المجددة؟ يقول: يحدد أهدافًا واقعية، ستسود حالة من الشعور بانعدام الأمن لفترة طويلة، غير أن مثل هذا القائد سيكون ملزمًا بإدراك حقيقة أن الأمن لن يتحقق بطائرات إف 15، وإنما بتسوية تستجيب للاحتياجات والتطلعات الفلسطينية.
احتياجات وتطلعات؟! عدى وفات أيها البرفيسور الكبير، هذا كان قبل 7 أكتوبر.
لكن الرجل لم يقل لنا: من في الشعب الإسرائيلي سيبقى ويقبل العيش في حالة من الشعور بانعدام الأمن لفترة طويلة كما قال؟ وأمامه بدائل أخرى في العودة إلى وطنه الأم!
الأخطر، من في الشرق الأوسط سيقبل بأن تكون الكلمة الأخيرة في هذا الصراع هي كلمة حماس؟
مرة ثانية سيقول لنا جدعون ليفى في هآرتس 16 أكتوبر الحالي: إسرائيل ستدفع الثمن، وسيكون أثقل مما يبدو لها الآن، إسرائيل على وشك الدخول في حرب كارثية، أو هي دخلتها فعلًا، ألم أقل لكم إنه رجل خطير؟!
حين قال الرئيس الأمريكي بايدن للعالم إننا في لحظة فارقة في التاريخ، كان يعنى ما يقول حرفيًا وفعليًا.
الأغلب أن هذه الجملة أمليت عليه، من مراكز التفكير التي تدير المعركة الآن، على نطاقها التاريخي الأوسع، ويعرفون جيدًا حماس التي قد يكون توصيفها الميداني كحركة مسلحة، هو آخر توصيف لها.
حماس ابنة الفكرة والعقيدة، التي تقول لا أحب الآفلين، والموعد الله.
مقالات ذات صلة:
هل ستنتصر المقاومة الفلسطينية على إسرائيل؟
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا