طمع الإنسان مفيد أحيانًا.. لكن بشرط!
الطموح في الوصول إلى الأكمل
الرزق يحب الزيادة وطموح الإنسان بلا حدود، أمَلك لا نهاية له فأنت لا تستكفي أبدًا، حلمك واسع باتساع الكون اللا محدود، ربما ليس لديك ذنب في ذلك الأمر وأنك فُطرت عليه منذ مهدك على الأرض، هو مبدأ تكويني يحكم نفوس البشر باختلاف أجناسهم وألوانهم وصفاتهم وعلى امتداد تاريخهم، التطلع إلى المزيد من كل شيء إلى الأكمل دائما.
حتى اليائس الساعي للانتحار هو في الحقيقة يحركه هذا الطموح الإنساني الفطري، تحركه الراحة المطلقة التي لا عناء ولا شقاء فيها ويظن أن إنهاء حياته سيحقق له غرضه.
السعي إلى امتلاك المزيد والمزيد بهدف دفع الآلام وسد النواقص والوصول إلى ذلك الكمال المطلق، دائمًا يسعى الإنسان إلى تحسين وضعه، يسعى أن يكون جيد في كل شيء، أن يمتلك كل شيء، وحينما يصل لكمال يطمح إلى الأكمل منه، ثم الأكمل منه، ثم الأكمل والأكمل، ولكن هل يا ترى يصل إلى نهاية وإلى واجهة ترضي طمعه؟
هل من مزيد؟
قم بإهداء طفل صغير لعبة جميلة وراقب مدى فرحته وشغفه، ثم بعد دقائق ضع بعيدا عنه لعبة أكثر جاذبية وانظر كيف سيرمي الأولى من يديه ويسعى بكل السبل للوصول إلى الجديدة؟!
إن كان راتبك يلبي لك كل احتياجاتك خبرني ما هو شعورك إذا زاد راتبك؟ حدثني عن الاحتياجات الجديدة التي اختلقتها لنفسك لكي تنفق عليها تلك الزيادة؟ إلى أي شيء يسعى من يمتلك ألف جنيه؟ إلى الألفين أليس كذلك؟ ومن يمتلك الألفين يسعى إلى ماذا؟ ومن يمتلك عشرة آلاف؟
مهما كنت تحب زوجتك وتحترمها وتراها جميلة حدثني بصدق بماذا ستشعر تجاه امرأة شديدة الجمال شديدة الذكاء حسنة الأوصاف شاءت الظروف أن تتحدث معها؟..
أتحب السلطة؟ هل تظن أن سكرتير وزير مثلًا لا يطمح بأن يكون الوزير في يوم ما؟ كم مسئول يُمني النفس بالجلوس في قصر الرئاسة؟ والرئيس يسعى لبسط نفوذ دولته على الإقليم، ومن يبسط نفوذ دولته على الإقليم يريد أن يبسط نفوذه على جزء أكبر في الكوكب، والذي تحكم سياساته الكوكب يتطلع إلى السيطرة على الكواكب الأخرى، أليست الدول العظمى في أرضنا تسعى للسيطرة على المريخ الآن؟.. يسعى الإنسان لامتلاك الأكمل مهما كان الشيء الذي في يده كامل.
وليس بالضرورة أن تطمح إلى المزيد من كل شيء في نفس الوقت، لربما لا تطمع في مزيد من الأموال ولكنك مهووس بالسلطة أو عاشق لحسن السمعة مثلًا، المائز هنا هو سعيك الدائم للأكمل والأفضل، سعيك لأن تكون في أحسن حال، ويختلف الأمر حسب تشخيص الإنسان للأمور التي تحقق له ذلك ونحن نختلف في هذا الأمر، البعض مثلًا ترك الأموال والسمعة والسلطة وسعى للقراءة بنهمّ لأنه شخّص أن العلم من أجل العلم فقط هو الذي يحقق الكمال الإنساني.
ما الذي يلبي ذلك السعي؟
ولكن كل الأشياء هي محدودة الكمال، ولا تلبي العشق والسعي الإنساني الفطري للكمال المطلق.. إننا نعشق ونتوجه للكمال الذي لا كمال بعده، سواء انتبهنا لذلك أو لم ننتبه، العلم الذي لا جهل فيه، القدرة التي لا تعجز عن شيء، الحياة التي لا موت فيها.
لم يخلقنا الله بهذا الميل النفسي عبثا، ولم يخلقنا بهذا العشق الفطري للكمال المطلق بدون أن يكون هناك معشوق حقيقي يلبي عشقنا ويحقق مسعانا، ولكن أزمة المعظم تكون في تشخيص هذا المعشوق، الأزمة أننا نتمحور حول أشياء محدودة كالمال والسلطة والجنس الآخر ولا نتمحور حول المطلق الحقيقي، نحن البشر نحمل ميل نحو المطلق نستطيع به أن نندفع إلى أعلى مراتب الوجود ورغم ذلك قد نلهث وراء القليل، نحسب أننا أجرام صغيرة رغم انطواء العالم الأكبر فينا كما قال الإمام علي كرم الله وجهه،
الله هو المعشوق الحقيقي وهو الكمال المطلق وهو منبع العلم والقدرة والحياة، ومن يتمحور حول الله ويرمي ذاته على أعتاب الذات القدسية الإلٰهية حتمًا سينعم بالسكن والسكينة والعزة والاقتدار والاستغناء بالخالق عمن سواه، الله هو الذي يحقق الطموح الإنساني لا سواه، الله خلق بداخلنا هذا الميل الفطري تجاهه، هو المطلق، هو الكمال الذي لا كمال بعده.
كيف أن المحدود يشقي واللامحدود يغني؟
أهل الزهد والذكر والصلوات الساعون للعلم بالوجود وأسراره أصحاب الأخلاق الحميدة المحبون لغيرهم العازمون على الخيرات المضحون بالمال والولد والعرض في سبيل الحفاظ على نظام الله الأصلح وتطبيق عدله على أرضه، هم من أدركوا هذه الحقيقة وعرفوا كيف يلبون ميلهم، توجهوا ناحية الكمال الحقيقي فعاشوا حياتهم قربانا وقربا واقترابا من منبع الوجود والكمالات..
أما من يسعى للمحدود وينسى الله ربه فسيعيش في نار الأنانية والمنافسة والحقد، فالأشياء المحدودة أقل من عددنا كبشر وتستلزم المنافسة للحصول عليها والحقد على من معه والرغبة في التميز والأنانية والغرور عندما نمتلكها، فيسعى الفرد للامتلاك دون غيره.. وأما السائرون في طريق الله فهم سائرون في طريق الحب المنغمر على الوجود بأكمله، سائرون في طريق العلم المطلق والقدرة اللا متناهية والحياة الحقيقية، سائرون في اطمئنان وسكينة نحو وعد صادق بالعطاء والكرم بلا أدنى خوف من عدم الحصول، بلا منافسة مع أحد أو حقد على أحد.
اقرأ أيضا :
مركزية الإنسان و مركزية الإله … بين الغاية والهدف (الجزء الأول)
اليأس خدعة و الأمل حياة جديدة نعيشها.. ولكن كيف؟
من أين تستمد قيمتك؟ (الجزء الأول): هل قيمة الفرد تستمد من الآخرين؟