مقالات

طريق السلام الصيني

منذ إعلان الصين جمهوريتها بدأت في وضع مسارات واستراتيجيات تسير وفقها، منها الجديدة، مثل التنمية الشاملة والعيش الرغيد، ومنها القديمة التي عملت وما زالت على إحيائها مثل طريق الحرير البري والبحري، وإرساء السلام الداخلي والعالمي والتعايش المشترك.

إن الشعب الذي عانى ويلات الحروب والانكسارات والمجاعات والعوز الحقيقي من الطبيعي أن يتعلم من الماضي، ويعمل باجتهاد ومثابرة للاستقرار والوصول إلى مرحلة الاكتفاء، ثم الخطوة التالية عدم إقحام نفسه في حروب ومهاترات سياسية قد تجلب عليه هدم ما بُنِي في سنوات طويلة، ومن ثم يُصاب بالانتكاسة والرجوع إلى نقطة الصفر.

الصين تضع أقدامها على طريق السلام

المتتبع لتاريخ الصين وأخبارها على مدار العصور يتأكد من أن قادتها وحكوماتها المتعاقبة تنأى بنفسها عن أي صراع أو صدام قد يُقوِّض تقدمها ويعرقل مسيرة صعودها وتنميتها.

إن طريق السلام الذي تتبنى منهاجه الجمهورية الصينية لكي ينعم أفرادها بالأمن والهدوء ومن ثم البناء والتقدم، وفض النزاعات التي تنشب في أي مكان في العالم– يتقاسم إلى حد كبير مع الحزام والطريق الذي يعود نفعه من ناحية التجارة والاقتصاد والرخاء على العالم بأسره، فقد كان آمنًا منذ أكثر من ألفي عام تأتي التجارة وتروح بسفن تضرب عباب الأمواج مارة بالبحار والمحيطات بكل أمن وسلام، مع حملها البضائع والصناعات ونتاج الثقافات المختلفة من الصين إلى الخارج والعكس.

كيف تصنع الصين السلام؟

لقد ذاق الشعب مرارة الاحتلال والعيش تحت وطأة الدول المتغطرسة المعتدية وإذلالها، ومن ثم نجد أن حاسة الشعور بالدول المغلوبة على أمرها والفقيرة عالية، لأنه عانى ظروفها نفسها وشرب من الكأس نفسه، ويساعد أي مكان يطمح إلى شمّ نسائم الحرية ويتوق إلى العيش بكرامة، وهذا واضح في وقوف الصين بجوار الشعب الفلسطيني والاعتراف بحقه في تقرير مصيره.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لهذا دعمت الصين منظمة التحرير الفلسطينية، ودافعت عن حقوق الشعب المكلوم، ولا تزال، ومن ذلك إقامة علاقات دبلوماسية، ومواقفها في مجلس الأمن، هذا لا يمنع العلاقة الجيدة بين الصين وإسرائيل كونها مصالح مشتركة، منها مثلًا: السياحة والمِنح الدراسية.

إن كلمة السلام من أسهل الكلمات التي يمكن أن تسمعها من المسؤول الصيني على أعلى مستوى، وعلى المستوى السياسي، وفي الإعلام، وعلى لسان رجل الشارع العادي، وقد ذهبتُ ذات مرة لإنهاء بعض الأوراق وكان معي طالب، وفي الشارع قبل العبور قال لي: انتظر يا أستاذ هذا ليس بسلام، فالصيني يؤمن بالحياة الآمنة المطمئنة الخالية من الكدر والمنغصات، الحياة الهادئة البنّاءة، إرادة الاستقرار والعيش الرغيد السعيد، هذه ثقافة موجودة أيضًا في الخطابات والكتابات، وتوجد بصفة مستفيضة في سلسلة “حول الحكم والإدارة” للرئيس الصيني شي جين بينج.

الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة

طريق السلام

من الطبيعي والمؤكد أن بعض الدول لن يعجبها تقدم الصين بسرعة الصاروخ وسيطرتها وغزوها العالم –تقريبًا– بمنتجاتها المرتفعة الثمن والرخيصة، والمُقلَّدة والمُبتَكَرة على السواء، فتحاول دول كثيرة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية الحد من التمدد الصيني، لهذا أعلنت الحرب التجارية منذ سنوات عدة، فالطرفان يخسران مليارات؛ أمريكا تريد كبح جماح الصين، والصين تريد أن تثبت نفسها وتتربع على الأسواق العالمية، وما زالت الحرب مستمرة.

إن العلاقات والشراكة مع الصين ليست كأي دولة أخرى، فالصين تقوم التبادلات بينها وبين غيرها من الدول على المنفعة والاحترام المتبادل، وليس الابتزاز والخطف الذي يشبه السطو، أو الاستفادة القصوى دون أن تفيد غيرها، فهي تسير على مبدأ أفيد وأستفيد، والصينيون مثل غيرهم من الشعوب يحبون المال حبًا جمًا لأن الإنسان مجبول عليه، لكن هذا لا يتعارض مع احترام العميل وتقديره على مستوى الفرد والدولة، والوقوف على القانون لتحديد المعاملة وضمان الحقوق للأطراف جميعها، ولن يكون هذا إلا بنشر ثقافة السلام.

مقالات ذات صلة:

هل تدمر أمريكا الصين كما دمرت أوروبا؟

تعريف السلام العالمي وأهميته

التجارة الإلكترونية

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر