قضايا شبابية - مقالاتمقالات

الحرمان والهدف

الناس يتفاوتون في درجاتهم وطبقاتهم، مثل الفقراء والأغنياء والضعفاء والأقوياء والبؤساء والأثرياء، مراتب مختلفة منها محرومة ممنوعة شقيّة، ومنها تعيش في بحبوحة من العيش غنيّة ثريّة مُسْتغنية راضية هنيئة.

في هذا الحرمان والبؤس أو النعيم والرفاهية قد ينسى الإنسان هدفه الذي خلقه الله له، أو يغفل ويتغافل عن الاهتمام بوضع أهداف ذاتية نافعة، مثل العمل ليكف نفسه، أو الزواج ليعفّها، أو حراسة نفسه ليحافظ عليها.

ضياع الهدف

الحرمان يشعر به الفقير والمحتاج، فقد لا يجد ما يشتري لوازم حياته الضرورية له ولأولاده، أو ما يتطبّب به أو يشتري به الدواء، وقد يشعر به الشيخ مع كِبَر سِنّه، فيحتاج إلى العطف كما يحتاج إلى أشعة الشمس الساطعة، وقد يشعر به الزوجان أو أحدهما لفجوة بينهما في الفِكر أو الثقافة، وفي كل هذه الحالات وغيرها، وفي غِمار هذه الحياة المتلاطمة الأمواج المُلبّدة بالغيوم لا يستطيع وضْع الهدف لحياته وتحديد الغاية منها من الناحية الدينية أو الدنيويّة، فيتوه ويسير بلا شعور كالذي أخذ جُرعة مُخدّر.

عندما نعتَ الله سبحانه بعض الناس أنهم كالأنعام فما ذاك إلا لأنهم ليس لهم هدف من حياتهم ومعيشتهم، فهم أسوأ حالًا من الأنعام السارحة، يأكلون ويشربون ويتزوجون، حياة روتينية عادية.

إنّ الأنعام تُسبّح ربها فكلٌ يُسبّح بحمده سبحانه، بلسانه الذي علّمه ربه وهداه إليه، وفي نفس ذات الوقت ينشغل البعض الذين تعضّهم الدنيا بِنابِها وتضغط عليهم بِثقلِها، فيعيشون في التِّيه والحِرمان والبُعد والخسران بحجّة ضِيق ذات اليد أو تكالب الزمان عليهم.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ما وراء النجاح

ضياع الهدف

اللبيب مَن أخذ الحرمان قنطرة للعبور، وحافزًا ودافعًا للأفضل، كما قال “فيكتور هوجو”: “والحرمان في الصّغر عظيم الجدوى متى آل إلى الفلاح، إنه طاقة توجّه إرادة الرجل نحو العمل المتواصل، وتلهم الروح، وتلهب الإحساس، وترهف النفس، تجرّد الإنسان من الحياة المادية وتجعله يتشوّف إلى الحياة المثالية”.

لم يكن النجاح مصادفة في حياة الناجحين، بل إن أكثرهم قد عانى الذل والفقر وبدأ من لا شيء، تعلموا من ماضيهم وعرفوا طريقهم وساروا عليه بكل عزم وثبات.

لقد كان “آرنولد شوارزنجر” النمساوي الأمريكي يمارس لعبة كمال الأجسام، ثم اتجه إلى التمثيل، ولم يكن جسمه يوحي بذلك ولا قوامه ممشوقًا مُتناسِقًا، حتى أنّ فيلمه “ابق جائعًا” لم يحقق إيرادات.

سأله صحفي ذات يوم: “أما وقد اعتزلت رياضة كمال الأجسام، ما الذي تنوي فعله بعد ذلك؟”، فأجاب بصوت هادىء: “إنني أنوي أن أكون النجم رقم واحد في هوليوود”، ثم سأله ثانية عن خطته لأن يكون النجم الأول في هوليوود، فأجاب: “بنفس الأسلوب الذي كنت أتبعه في كمال الأجسام، أن أتخيل الصورة التي أريد أن أكونها ثم أعيش هذه الصورة كما لو كانت واقعًا”، وهذا الهدف وإيمانه به هو الذي رفع حجم الإيرادات في فيلمه الثاني، وبذلك أصبح أشهر نجم سينمائي في العالم.

أهمية تحديد الهدف في حياة الإنسان

الحياة بلا هدف تكون بلا جدوى ولا معنى، كالإنسان الذي يمشي في الصحراء بغير دليل أو مُرشد وهادٍ، يدلُّه على الطريق ويأخذ بيده، ليُخرجه من هذه المفازة التي لا آخر لها ولا ضوء فيها يلوح في الأفق لينقذه، ولا نجم ساطع يأخذ بيده ليصل به إلى برّ الأمان.

على الإنسان العاقل أن يبدأ بنفسه ولا ينتظر، فينطلق نحو المعالي كالسهم الذي خرج من الرميِّة ولن يعود إليها، فلا يجرمنّكم الحرمان على غض الطرف عن الغاية والهدف الأسمى من الوجود، وكذلك عدم إغفال السيْر نحو هدف الحياة الكريمة الطيبة الرغيدة بالأخذ بالأسباب والجد والاجتهاد والصبر واجتياز العوائق وعدم الالتفات إلى المثبطات.

مقالات ذات صلة:

بين الغاية والهدف

علامات فقدان الشغف وأسبابه وطرق العلاج

سعيٌ ووعي

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر