إصداراتمقالات

الله خلق آدم على صورته … كيف يكون الإنسان إلهي؟

الله خلق آدم على صورته … كيف يكون الإنسان إلهي؟

عزاء دون سابق معرفة

كنت مع أحد الأخوة فى نزهة فى الشوارع العتيقة وكنا نحكى عن سعى الإنسان وحال العالم، وفجأة تجمد وانتبه كأنه صحى من غفلة وقال لى تعالَ ذلك ما كنا نبحث عنه وإذا به يقتادنى إلى مجلس عزاء وإخترنا مقعدين وجلسنا وبعد فترة سألته من نعزى؟ ابتسم وقال نحن، بادلته البسمة وقلت له فى الظاهر وليس الباطن؟، قال لى أنه لا يعلم من صاحب المجلس، وكنت سأشرع إلى فك طلاسم المشهد فعمد إلى إسكاتى وقال يا مولانا انصت واستمع إلى عهد السماء إلى الأرض.

مجلس ذكر

بعد أن انتهى المجلس نهضنا ومشينا وسألته عن تفسير ما حدث، كيف تحضر إلى مجلس عزاء لا تعرف أحدًا فيه؟ قال لى ببساطة هو ليس مجلس عزاء بل فى الحقيقة هو مجلس ذكر، مجلس تتلى فيه آيات الرحمن، وأنا أبحث دائمًا عن تلك المجالس وأتردد عليها لأستمع إلى القرآن، فلا يوجد مكان آخر يمكن أن يقدم هذا المعروف بل كثير من الناس يقيم مجالس اللهو والأفراح والمحرمات فى كل مكان وبأشكال مستفزة لا يحنو إليها إلا ذو باطن فاسد وللأسف قد اعتدنا عليه فصار العكس الذى هو الصالح مذموما ومكروها وغريب.

وخلَق آدم على صورته

كنا نتكلم أنا وصديقى عن الرواية التى تقول أن الله خلق آدم على صورته ونتباحث فيها ونحاول تحليلها فلسفيًا، فالبعض من أهل المدارس المعرفية تناولوا الرواية بشكل ظاهرى فذهبوا إلى أن صورة آدم وصورة الله متماثلتين بمعنى أن الله له يد وقدم ورأس لكنها ليست كمثل يد وقدم ورأس آدم بل غيرها، وهذا ما لا يقوله العقل عن الذات الإلهية فلهذا يذهب البعض إلى رفض الرواية لكونها تخالف العقل، ولكن من واقع دراستنا نظرنا إلى الرواية بشكل آخر ففرضنا أن الرواية صحيحة ولها مدلول مخالف للمظهر وموافق لمعانى اللغة بمعنى أن يكون لها تأويل.
إن الرواية تتكلم عن صورتين، صورة الإنسان وصورة الله وأنهما متشابهتان.
فلنتكلم عن ما تحمله صورة الإنسان من معان.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

صورة آدم

الصورة هى الشكل الظاهرى لشئ ما، فأنت عندما تقع عينيك على إنسان فقد تصورته وانطبع لديك تصورًا عنه، وعندما تتخيله فإنك تسترجع صورته مرة أخرى فى ذهنك، فهذا المقصود بالصورة “الشكل الخارجى”.
فى الطبيعيات نتكلم عن الجواهر والأعراض عند الحديث عن الماهيات فنقول أن لكل موجود ماهية ما وتلك الماهية تنقسم إلى جوهر به ذاتيات الشئ وإلى أعراض تطرأ عليه فى ظروف مختلفة، وعندما نتناول الجواهر نقسمها إلى جسمانى ونفسانى وعقلانى، وعندما نتناول الجوهر الجسمانى نجده ينقسم إلى مادة وصورة، والمادة هنا هى حيثية الانفعال، والصورة هى حيثية الفعل بمعنى أنه عندما يتأثر الإنسان بمؤثر خارجى فإن المادة تنفعل والصورة تفعل، المهم أن الصورة عند الإنسان هى حيثية الفعل، فالفعل هنا هو الظاهر من الإنسان وما يبدو منه.
استنتجنا حتى الآن أن صورة الإنسان هي أفعاله، فلنتناول ما تحمله صورة الله من معان.

صورة الله

فى الإلهيات لا نعتبر أن للإله ماهية لأن كل من له ماهية هو فقير من ناحية الوجود أى يحتاج من يخرجه من العدم إلى الوجود أى هو ممكن الوجود، ولأن الممكنية لا تجوز على الله فنسلب عنه الماهية لأن الوجود له واجب وليس ممكن، فلن نتكلم عن المادة والصورة هنا، فما هى صورة الله؟، بالرجوع إلى معنى الصورة أى الشكل الظاهر نبدأ بالتأمل فى معنى صورة الله، هل هناك ما هو ظاهر من الله؟ هل هناك ما هو مرئى من الله؟ قد يقول القائل لا أبدًا لا يوجد، لكن فى الحقيقة عندما ننظر بعين البصيرة وليس البصر فنجد أن هناك ما هو ظاهر من الله وما هو مرئى، إن هذا العالم الذى نمرح فيه هو من صورة الله، كل ما يحيط بنا بداية من الرحم المقدس إلى القبر هو محضر الله سبحانه، كل العالم محضر الله وهو ما نستدل به على وجوده، فعندما ينظر الناظر إلى العالم بنظامه وكماله وإبداعه يدرك وجود ما وراء لهذا العالم ناظم وكامل ومبدع وكل ما حولنا هو صور تدل على وجوده، هذا الذى يحيط بنا من جمال وكمال هو صورة الله.

مقصد الرواية

نعود إلى روايتنا “إن الله خلق آدم على صورته” ونستدل على معناها من ما أوردناه من مقدمات أن الله عندما يخلق فهو يخلق الشئ على أحسن ما يكون وأنه خلق الإنسان على أحسن ما يكون بأن جعله فى فطرته محبًا للجمال والكمال الذى هو مظهر الله، وأن الإنسان الكامل الجميل يكون فعله مطابق بفعل الإله وإذا خرج عن هذا كانت أفعاله ناقصة قبيحة، أن الإنسان لابد وأن تكون أفعاله كلها فى طول الإرادة الإلهية وليس بالتعارض معها، فهذا هو العدل أن يعمل بعمل العادل وبهذا يكون التناغم فى الكون والطبيعة وليس كما حدث عندما حاد الإنسان عن الخطة الإلهية ففسدت الأرض وسالت فيها الدماء.
فأى إنسان يفعل بناء على ما ينفعل به، فلو كانت مادة الإنسان أو بمعنى آخر ما يستقبل لديه المؤثرات الخارجية شيطانى فأفعاله ستكون شيطانية وإذا كانت مستقبلاته أو مادته إلهيه فأفعاله ستكون إلهيه، لذا نجد علوم الأخلاق والتزكية تهدف لمعالجة “المستقبلات” لدى الإنسان الذى هو تزكية النفس، فالإنسان مهما استمع للكلام الإلهى فلن ينفعل به لأن الموجة مختلفة فتجد شخصًا كصاحبنا يستمع لكلام الله ويتجه إليه وشخصًا آخر يستمع إلى الموسيقى ويتأثر بها ولا يحدث فيه هذا الأثر من القرآن مثلاً.
فى النهاية نربط بين ما أدركناه من المعانى بالآيات فى مقدمة سورة البقرة التى تتكلم عن إرادة الله فى وضع خليفة له فى الأرض ونقول أن خليفة الله فى الأرض هو من كانت صورته هى صورة الإله، والله أعلم.

 

اقرأ أيضا … الله والعلم
اقرأ أيضا … الله عند العقاد
اقرأ أيضا … حق الله وحق المجتمع

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مقالات ذات صلة