مقالات

ألم يقل أن السجائر مضرة؟ إذا فلماذا يدخن؟ بين القول والفعل يتوسط البحر

منذ الصغر ونحن نسمع كلمة “لا إله إلا الله”  بين الشعب في دولة ذات أغلبية مسلمة وعلى الرغم من أن عقيدة أي إنسان مهما حدث الأختلاف في انشغاله سواء كان مدرسًا عالمًا أو عاملًا أو فلاحًا إلخ… تكون ذات طابع أساسي لا ينفك عن حياة المرء وعن تصوراته وعن مفهومه عن هذا العالم إلا أنى أشعر أننا لم نتعلم ولم تشتمل المنظومة التعليمية التي يحصل منها  كل فرد على معلوماته التي يكتسبها فتنطبع في ذهنه ثم تستقر في وجدانه وتظهر أفعاله مصداقًا لها فيما بعد وعلى القدر الكافي الملائم لهذه الأهمية! أهمية أن نعتقد ونؤمن بشيء أيًا كان هذا الشيء ثم نحاول أن نتعامل ونتصرف فيما بعد وفقًا لما آمنا به من قبل.

الحيرة التي يعانى منها الكثير -في تقديري- تؤدى للتخبط الشديد والارتجال العشوائي فيما يجب أن يكون معدًا من قبل نابعة من #الازدواجية الملموسة والتناقض الجم الذى يشعر به كل فرد في المنظومة المجتمعية في هذا العالم بين ما يقره البشر كعقيدة وما يتلو ذلك من تصرفات ينبغي أن تتوافق وعقيدتهم بشكل عام أيًا كانت هذه العقيدة.

فالإنسان يكتسب قدرًا كبيرًا من معلوماته وينفعل بها ويتفاعل ثانية مع مصادر اكتسابه لهذه المعلومات والتي تتعدد بين الأسرة المدرسة والجامعة والمسجد أو الكنيسة ودوائر الأصدقاء والمعارف ووسائل البحث عن العلوم والمعلومات المختلفة كالإنترنت وأمهات الكتب والصحف وكل وسائل الميديا كالراديو والتلفزيون.

(2)

وحينما يخبرنا أهلنا ومجتمعنا أنه “لا يصح إلا الصحيح” أو أن “هذا الشعب متدين بطبعه” بدون أن نتعلم  أو نفهم ما معنى “الصحيح” وبدون أن نعلم ما هو “التدين” الذى  هو منغرس في طابع هذا الشعب كما يقولون. ما هو الصواب وما هو الخطأ؟ .هل هناك صواب وخطأ من الأساس؟ أم أن الأمور نسبية. هل كل الأمور نسبية أم بعضها. هل هناك حقائق مطلقة؟ فإن ذلك يترك مجالاً واسعًا بعد ذلك يصيغه الإنسان بعقله وقلبه ووجدانه في رحلة حياته وباختلاف الحيوات والتجارب والأذهان والمعطيات في حياة كل فرد وبين التخبط والرفض البشرى الغريزي للازدواجية قد ينتج كل فرد فلسفته الخاصة به فيصبح لدينا المعتقد بشكله العام، وبعد ذلك الفلسفة -مصيبة كانت أو مخطئة- الخاصة بأفراد الشعب أو المدارس الفكرية المختلفة فيما يختص بما يؤمن به الإنسان و يعتقده تجاه تخيله وصورته وفهمه عن هذا العالم سواء كان ذلك مختصا بقضية ما ورائية أو أي قضية دنيوية أخرى أو مجتمعية، ثم ينبثق من ذلك كله أيديولوجيات مختلفة وعلى قدر اتساق كل فرد أو مجموعة مع ما يحملون من أفكار ويروجون لها يحدث ويتضح الاتساق مع الذات من التخبط والارتجال والوقوع في الازدواج.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فعندما تمر “لا إله إلا الله” أو غيرها من المسلمات العقائدية المتعلقة بأي ديانة أو أي فكرة جوهرية مركزية في حياة الناس مثالًا وليس حصرًا كعقيدة عند أي فرد متبع لأى مدرسة فكرية ومؤمن بأي أيديولوجية مرور الكرام فبالطبع سنلمس مشاكل مثل الاهتمام بالقشور والأمور السطحية أو ما يطلقون عليه “التدين الظاهري ” الشكلي الظاهر المرئي أمام الشعب الذى لا يعالج فكر الإنسان ذاته ولا ينعكس على أفعاله وأقواله. التدين الذى يهتم بإبراز الحجاب والسبحة والصليب أكثر من اهتمامه بالرحمة والصدق ونصرة الحق ودفع الباطل. #التدين الذى يهتم ببعض السلوكيات ولا يهتم بمقاصد الشرائع والذى مع الوقت يتحول لعادات وقد يخلو من أي مضمون ما ورائي. فقد يقف الإنسان يتلو بعض الألفاظ والعبارات لا تتجاوز فمه. لا تصل إلى وجدانه ولا تمر على ذهنه ليرى هل أفعاله تتفق معها بالفعل أم أنه مجرد كلام موروث كان أو مكتسب بأي طريقة يُقال لأننا تربينا على أنه ينبغي أن يقال وفقط.

فهل الذى يصلى مخاطبًا الإله خالق الكون قائلًا” أشهد أن لا إله إلا الله” يعلم معناها وكأنه يقول أشهد أن لا مستحق للعبادة إلا أنت.

هل يعرف من يخاطب أم أنه سمع فقط عنه ولا يعرفه. هل يعلمه هل يفهم لماذا هو مستحق للعبادة وكل ما دونه باطل غير حق.

(3)

إذا كنت لا تعرف أحدًا فكيف ستخاطبه. أو لم يكن أولى بمن اهتموا بحفظنا وترديدنا للأقوال والنصوص أن يهتموا بأن نفهم. أو لم يكن أولى أن يتم توجيه الملايين التي تنفق على مسابقات حفظ القرآن الكريم ككتاب إلهي إلى تشجيع فهم القرآن وشرحه وتفسيره أو حتى إلى جانب الحفظ والترديد.

المعنى الظاهري للجملة “لا إله إلا الله” والحصري  عند الكثير ممن أعرفهم يعنى فقط ” إله هذا الكون هو الإله المذكور في القرآن ولا يوجد إله غيره”

لكن لماذا؟ لماذا هو دون غيره؟ ما الدليل على ألوهيته؟ أو أنه هو المستحق للعبادة دون غيره.. ما هي صفاته؟ ما هي الآلهة الأخرى التي يزعم البعض وجودها؟ لماذا ليست مستحقة للعبادة كهذا الذى مذكور في القرآن.

كل هذه الأسئلة أزعم تمامًا أن الكثير من الناس في العالم يؤمنون أنهم على قدر كبير من التدين أو الالتزام  في عالم السلوك قد لا يمتلكون لها جوابًا واضحًا. و تتعدد الأسباب حول ذلك وتختلف بين الخوف مما لا نعلم والخوف من المجهول وكذلك الانشغال في الأمور الحياتية والمعيشية ذاتها فيفقد الإنسان زمام نفسه والسيطرة عليه بشكل كبير ويصبح أشبه بحالة من رد الفعل نسبة إلى الواقع المؤثر فيه. و تقل مساحة الفعل المبنى على علم، فإرادة ورغبة في التنفيذ مع توفر قدرة على الفعل، ففعل.

(4)

وليس عيبًا أن يكون علم المرء في العالم عند حد معين أو أن يجهل الإنسان أمرًا ما. ذلك ليس عيبًا على الإطلاق ولكن الخلل يكمن في ادعاء المعرفة وادعاء الفهم وعدم وجود تصور واضح. والتعامل على أساس وجود ذلك التصور.

ودعنا نقول أنه سيستحيل وجود تصور عن ذات وكنه الإله إلا مايعرفه الإله عن ذاته فعلمه بنفسه بمقتضى أنه أحكم الحاكمين وأنه خالق كل شيء وأعلم العالمين سيكون هو التصور الأمثل. ولا بشر سيصل لذلك التصور حيث لا يمكن أن يحيط المخلوق علما بخالقه، فالعكس هو الصحيح، ولكن بقدر وجود كون وهذا الشعب وحاجة بشرية للاجتماع وحاجة بشرية غريزية لتنظيم ذلك الاجتماع وفقًا لأسس هي الأحكم والأعلم صادرة عن ذلك الإله الخالق المصمم الحكيم العالم بذاته والعالم بصنيعه فإن هناك فرصة سانحة للحصول على جزء من هذا التصور الأمثل، جزء قد يكفى الإنسان حتى لا يكون متناقضًا ولا يقع في الازدواج.

فلا يدخن وهو يعلم أن التدخين مضر ولا يظلم وهو يقول أن الظلم كريه ولا يكذب وهو يقول أن الصدق محمود وحسن، ويراعى حقوق الغير قبل حقوق الذات ويجعله يهتم بأن يتبع الحق لا لشيء غير أن الحق حق لذاته وليس حق الأ كثرية أو الأغلبية، ولا حق القوة مثلًا.

(5)

وإذا تحصل المرء على معنى واضح وأجوبة واضحة تتعلق بتساؤلاته عن اعتناق العقيدة أو اللا عقيدة حتى، فقد يصل لدرجة كبيرة من الاتساق في الأفكار والأقوال والأفعال. حينها تهدأ الحيرة المتأججة في الأذهان والقلوب.

فالأفضل من أن تطرق باب أحد أنت لا تعلمه ولا تعرف عنه شيئًا هو أن تعلم من هو ولماذا أنت ذاهب إليه ولماذا أنت مقبل عليه وليس أحد غيره. و خلاصة القول أن وجود الإنسان و حبه للاجتماع وتكوين المجتمعات كلها أمور بديهية واحتمالية وجود نظام أمثل أو أحكم سواء في حياة الفرد ذاته أو كل ما يخص الشئون المجتمعية أمر حتمي.

وحتى يتبلور هذا النظام في مجتمعات أو يحصلوا على جزء منه على الأقل فحري على الأفراد أن يتحققوا مما يؤمنوا وماذا يفعلوا ولماذا يفعلوا وأن قدرًا وافرًا من السعادة والراحة النفسية تستقر عند من يعلم ما يعتنق من أفكار ولماذا يعتنقها وكيف يطبقها في عالم الواقع وحول ذلك تدور الحياة. وقبل أن نعُلم أبناءنا أن يفعلوا أو ألا يفعلوا يجب أن نتوقع تساؤلهم لماذا؟

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

#بالعقل_نبدأ

حازم خالد

طبيب امتياز – كلية الطب جامعة المنصورة
باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة