“يرى القِطعةُ أن القطيع هو محاولة ناجحة للهروب من المسؤولية الفردية، ويرى أن القطيع يوفر الاختباء الآمن بين المتشابهين، فأهم معالم نجاحك داخل القطيع ضياعك داخل القطيع!
وليس على القِطعة داخل القطيع إلا أن يُطيع، والقِطعةُ لا يرى غيره إلا قِطعًا في قطيعه، أو في القطيع الآخر الوحيد المعاكس.
السير مع القطيع مفهوم يحتاج إلى تفاصيل كثيرة غير مفهومة، البعض يرى اِتِّباع هذا السير تبعية وانهزامية ورجعية وخضوع وإذعان، والبعض يرى أتباع عكسه منبوذين في شذوذ وفوضى وتفرق.
فهل للمسألة وجهان فقط؟!
هل قائد القطيع ككل فرد فيه؟!
هل كل المخالفين للقطيع سواسية؟!
بالبحث عن مفرد القطيع لن تصل إلى شيء، تختلف القطعان وتتمايز وقد تتشارك في بعض الصفات، لكن الشائع هو التعامل مع القطيع ككيان واحد لا مفرد له.
الفارق بين المُنقطع والقاطع والقِطعة
لنستحدث المفرد ونميز ذلك بين ثلاثة مصطلحات قد توضح الفكرة: المُنقطع والقاطع والقِطعة. لنحاول التعامل مع المصطلحات الثلاثة وكأنها لمفرد مذكر.
المُنقطع:
هو الرافض للانتماء للقطيع دائمًا والناقم الساخر على القطيع، رفضه غير مبرر، ومنطقه ومنطقته لا تتغير.
القِطعة:
هو المنتمي المستسلم الداعم المكون للقطيع، يتحرك معه دون نقاش كأنه قِطعة قماش، لا يفكر ولا يراجع، إذعانه غير مبرر، ومنطقه ومنطقته لا تتغير.
القاطع:
هو حالة فريدة بين المُنقطع والقِطعة، يمكن أن يكون القِطعة المنتمي ولكنه يمتلك معاييره الخاصة في التحليل والنقد والاستسلام أو حتى قيادة تغيير القطيع، ويمكنه أيضًا التحول إلى المُنقطع ومفارقة القطيع،
لكنه يتفهم اختلافاته ويحترم هذه الاختلافات، وأيضا يمكنه أن يكون خارج القطيع، وذلك عن وعي وفهم، وليس عن عِند ومخالفة من أجل المخالفة! كما أن انتقاله وتغييره لفهم منطقه ومنطقته ممكن.
عقلية القطيع
طبقا لمكانك وفكرك وسلوكك تكون مُنقطعًا أو قاطعًا أو قِطعة.
لا تناقش القِطعة في ثقافة الاختلاف أو احتمالات الخلاف، فأفكار القِطعة –إن كان لديه أفكار– خلاف ذلك!
خارج القطيع، يمكنك أن تحلل، أن تناقش، أن تختلف، أن تختار، أما داخل القطيع فأنت تابع صامت مطيع، إن كنت قِطعة وهي الحالة السائدة. فكل قِطعة يظن أن قطيعه هو القطيع الوحيد المثالي في الاتجاه الصحيح!
في حالة نادرة فريدة مؤقتة يتمرد القِطعة على القطيع، ويدعو إلى ما يظنها حرية! ثم يشكل قطيعًا جديدًا ويجرِّم التمرد على قطيعه الجديد، ويجرِّم مطالب الحرية!
كل قِطعة يحدثك عن قطيعه وحتمية الانتماء له ومزايا الانصياع داخله، ووضوح التماهي بين قِطعه، وفي نفس الوقت يحدثك حديثًا قاطعًا عن تبعية وذل وغباء الانتماء للقطعان الأخرى!
اقرأ أيضاً:
أثر العقل الجمعي على السلوك الفردي
بطل المشهد… كيف يُوجه الإعلام العقل الجمعي؟
سلوك القطيع
من معضلات القطيع أن المُنقطع والقِطعة يظنان نفسيهما القاطع!
القِطعة هو الجزء السلبي المتراكم في نسيج القطيع، إنه روح القطيع وكثافته، عدده وعدته، المستسلم له، المبرر لأفعاله، المسوق لنجاته، التابع الخانع السامع الطائع المدافع، يتشابه مع القِطع الأخرى حتى التطابق!
يجد المتعة في الاختفاء الآمن بين أمثاله، لا نقاش ولا جدال ولا عقل بينهم، فلا عقل يصحح المسار، فلا يمكن ولا يجوز في مسارهم الخطأ! ولا احتمال لذلك!
قد يكون المُنقطع متميزًا مختلفًا مبدعًا، أو مبتدعًا مسرفًا منعزلًا!
القِطعة أبيض والمُنقطع أسود، والقاطع رمادي، والرمادي درجات، وصدام الرمادي كثير مع الأبيض والأسود!
يقول القاطع: كلما اختلفتُ مع قطيع صَنَّفَني ضد القطيع، ونسبني لقطيع غيره!
فوائد ومساوئ سلوك القطيع
داخل القطيع بين القِطع، يضيع التميز ويطيع التمرد وينجح التطابق وينتصر التكرار وتقود التبعية، داخل القطيع بين القِطع، قد تتفاقم القومية وتتربى العصبية وتتعاظم القبلية.
كما يمكن أن يكون هذا التماسك داخل القطيع عاملًا إيجابيًا في تحقيق رؤية واحدة موحدة مشتركة ملهمة محفزة ناجحة للجميع، قد يكون!
بين الداخل (القِطعة) والخارج (المُنقطع) فجوة عجيبة، الداخل يلعن الخارج فيتهمه بالفوضى والهمجية والشذوذ وانحلال الخروج! والخارج يلعن الداخل ويتهمه بالجمود والتبلد والرجعية والانصياع والتبعية والانغلاق!
يُسحق القاطع بين المُنقطع والقِطعة!
المُنقطع متكبر بنفسه، والقِطعة متكبر بقطيعه، المُنقطع يحدثك بما يظنه إبداعًا، والقِطعة يرفض ما يظنه ابتداعًا!
الخروج عن القطيع
القاطع قد يكون في موضع المُنقطع أو القِطعة، لا يتكبر على الموضع الآخر، ويضع الاحتمالات ويراجع ويفكر ويحقق ويدقق ويمتلك الشجاعة في التغيير والبطولة في الاعتراف والمرونة في التحول، يفهم أنه رغم كل العيوب قد يجد ميزة هنا، ورغم كل المميزات قد يجد عيبًا هناك!
فيكون القاطع مُنقطعًا مُقنعًا، أو قِطعة مُقتنعًا، وقد يكون القاطع أفضل حلقات الوصل بين مُنقطع وقِطعة، وفي معظم الحالات يُسب من الجميع!
القاطع يرى بوضوح أن زراعة أشجار القطيع تسقى بماء الانقياد، وتجني ثمار التكرار من محاصيل التشابه، لكن قادة القطعان تتحدث عن حكايات مرعبة تحدث لمن هم خارج القطيع، كي يلتصق القِطعة أكثر بمكانه.
معضلة القطيع في الخلط المتكرر بين مفاهيم المُنقطع والقاطع والقِطعة، في وقت لا حاجة فيه لكثير من النسخ المتطابقة المتكررة!”
أبوسفيان الحَوَتي
#معضلة_القطيع #أبوسفيان #الغابة_البرتقالية
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا