مقالاتقضايا وجودية - مقالات

آدم وسقراط والحديث عن الرغبة واليقظة! متى تبدأ الحياة الإنسانية الحقيقية ؟

آدم وسقراط

سقراط: هل فكرت فيما تحدثنا عنه ليلة أمس؟
آدم : ألم تكتف بعد من هذه التساؤلات يا سقراط ؟! لأكن صريحا معك فكرت بها قليلا ولكن سرعان ما انتابنى القلق والحيرة فنحيتها جانبا، لكى أتمكن من النوم وإلا لما استطعت الذهاب إلى العمل فى اليوم التالى!

سقراط : وهل نعيد الكرة ثانية يا صديقى، ولماذا كل هذا الاهتمام بالعمل إذا لم تكن تعلم الجدوى من كل هذا؟ أجبنى فإنك لم تجبنى فى المرة السابقة!

 آدم : وهل لى خيار آخر؟ قل لى هل ستطعمنى وتؤمن لى أنت مستقبلى إذا لم أذهب للعمل؟!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

   سقراط : أنت محق فيما يخص ضرورة إشباع الاحتياجات ولكن ما الذى تقصده بتأمين المستقبل؟

آدم : كل ما أريده هو توفير المال الكافى لإنشاء المطعم الخاص بى حتى أتحرر من قيد العمل لدى الآخرين وأستطيع العيش كيفما أشاء.

سقراط : وماذا بعد؟

التخطيط وتأمين المستقبل

آدم : امتلاكى لمصدر مال ثابت سيمّكننى من السفر والاستمتاع والبحث باطمئنان عن شريكة حياة؛ تؤنس وحدتى وتساعدنى على تحمل صعوبات الحياة وتساعدنى فى جعل المطعم سلسلة من المطاعم بإذن الله.

سقراط : وماذا بعد ذلك يا صديقى؟ ماذا بعد الزواج وإنشاء مطعمك الخاص؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

آدم : ننجب أطفالا وننشأهم نشأة سوية وندخلهم أرقى المدارس بل وربما نرسلهم إلى إحدى البلاد الأوروبية ليكملوا تعليمهم بها…

سقراط : هذا جيد، هل هناك المزيد أم أنك اكتفيت بالتخطيط لهذه المرحلة؟

آدم : لا أظن أننى فكرت فى أبعد من هذا ولكنى فكرت الآن أنه من الممكن أن أتوسع أكثر بما أن الأولاد سيكونون قد كونوا بعض العلاقات فى الخارج بأن ننشأ فروعًا أخرى فى الدول الأوروبية.

سقراط : أحسنت التخطيط يا آدم، ولكن قل لى ماذا ستفعل إذا واجهت بعض الصعوبات، وحالت هذه الصعوبات بينك وبين وصولك لهدفك؟

آدم : لم أفكر فى بديل يا سقراط وأتمنى أن تسير الأمور وفق ما أريد وإلا فإننى لن أصبح سعيدا حقا!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

سقراط : إذن فغايتك من هذا التخطيط بعيد المدى أن تصل للسعادة، أليس كذلك؟

آدم : بالتأكيد وهل هناك من يسعى لغيرها يا سقراط؟!

سقراط : أتفق معك فالجميع يسعى إليها، ولكن من أين لك هذا اليقين بكون تحقيق هذه الأهداف سيوصلك للسعادة؟

آدم : ممممم لا أدرى يا سقراط، ولكن أظن أن الكل يخطط بنفس الطريقة، يعمل جيدا ليؤمن مستقبله ومستقبل أولاده؛ إنها سنة الحياة!

سقراط : إذا وافقتك على هذا وقلنا أن الجميع يخطط بنفس الطريقة، فهل تظن أن الله قد خلقنا فقط من أجل التكاثر والحفاظ على النسل؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

نظام الكون

آدم : لم أفكر فى هذا من قبل يا سقراط.

سقراط : وهل تظن أنه سؤال يستحق البحث والتمحيص؟

آدم : أظن ذلك، ولكن بالتأكيد قد بحث الكثيرون قبلنا من العلماء والمشايخ فلماذا نشغل بالنا بذلك بدلا من التركيز على ما ينبغى علينا أن نفعله!

سقراط : وماذا إذا كان ما نفعله لا يوصلنا إلى غايتنا -التى هى السعادة- كما قلت لى منذ قليل؟ وماذا إذا كانت إجابتهم خاطئة؟ وماذا إذا كان الجميع قد ركب السفينة دون أن يبحث ويتساءل عن وجهتها؟

آدم : إنها سنة الحياة يا سقراط هل سنغير نظام الكون؟

سقراط : بالطبع لا نستطيع تغيير نظام الكون، ولكن يمكننا تغيير النظام الذى نتعامل به مع الكون إذا كان لا يجدى نفعا ولا يوصلنا للغاية التى نسعى إليها، أليس كذلك؟

آدم : ولكن من قال أن ما نفعله لا يوصل إلى السعادة، فإذا كان النظام لا يجدى كما تقول فلماذا لم يعزف عنه الكثيرون؟

سقراط : ربما استمروا فيه أملا فى الوصول لأنهم لم يفكروا فى غيره، فالظمآن فى الصحراء قد يتبع السراب ويستمر فى السعى أملا فى الوصول إلى الماء بالرغم من استحالة وصوله؛ وذلك لأنه لا يعلم أنه سرابا وليس ماء كما يظن، فيموت دون أن يصل.

آدم :  لا أعلم يا سقراط، ماذا تريدنى أن أفعل.

أين السعادة ؟

سقراط : تتوقف قليلا يا صديقى وتتساءل هل حقا هذا الطريق يؤدى للسعادة؟ مع العلم أننا إذا نظرنا لكثير من الأغنياء والذين استطاعوا تأمين مستقبلهم ومستقبل أولادهم ليسوا سعداء كما ترى، بل نرى أن بعضهم ينتحر!

آدم : هذا عجيب، ما الذى يجعل هؤلاء بعد وصولهم لتلك المكانة وحصولهم على هذا القدر الوفير من المال أن ينهوا حياتهم بأيديهم؟!

سقراط : ربما لم تكن المكانة والمال مصدرا حقيقيا للسعادة كما ظنوا، وربما أدركوا أن أفعالهم ومجهوداتهم وكل الآلام التى تحملوها من أجل أنفسهم أو من أجل الآخرين لا معنى لها ومصيرها الزوال، وربما شعروا أنه لا فارق بينهم وبين الحيوانات إلا فى بعض الممارسات التى لا تشعرهم حقا بأى قيمة أو معنى يعيشون من أجله فقرروا الانتحار.

آدم : لم أفكر بهذه الطريقة من قبل يا سقراط ، ولكن إذا لم تكن هذه طريق السعادة فما هى؟ وبالطبع نحن مختلفون عن الحيوانات فهم لا يفكرون مثلنا، ولا أجد مبررا لتصرفهم!

الغاية من الوجود

سقراط : الأمر يحتاج لبعض التعمق فى وجهة نظرهم يا آدم، فمثلا إذا نظرنا للحيوانات سنجد انهم يسعون لتحصيل قوت يومهم وقوت أطفالهم عن طريق الصيد أو جنى الثمار من على الأشجار فهذا هو عملهم وبالطبع أثناء ذلك سيعلمون أولادهم كيف يصطادون ويختبؤون من الأعداء ويحتمون فى الكهوف، فيكبر الصغار ويفعلون مثلما فعل آباؤهم: يصطادون ويأكلون ويتزوجون وينجبون ويعلموا أولادهم وهكذا…

آدم: لا أدرى يا سقراط ، ولكنهم لا يفكرون ولا يخترعون مثلنا ولا يحاولون فهم قوانين الحياة وليس لديهم صواب وخطأ ولا تحكمهم قوانين مثلنا.

سقراط : أتفق معك يا صديقى، ولكن ألا تتفق معى فى أن الكثير منا وبالرغم مما يمتلكه من قوة العقل التى تميزه عن غيره من الموجودات إلا أنه لا يستخدمها ولا نجد فى سعيه ما يظهر استخدامه لها؟

آدم: كيف ذلك يا سقراط ؟

سقراط : إذا اتفقنا أن الذى يميز الإنسان عن الحيوان هو قدرته على التفكير فى المعانى والغايات، أليست النتيجة الطبيعية لهذا الفهم أن يسعى الإنسان لمعرفة الغاية من أفعاله قبل أن يقوم بها؟ وأن يعرف إذا ما كانت آثار هذه الأفعال باقية أم فانية بفناء فاعلها؟ وأن يحسم قضية وجود إله من عدمها قبل أن يفكر فى أى شىء آخر؟ أليس من البديهى أن يبحث عن تعريف واضح صحيح للسعادة ثم يختار الأفعال الموصلة إليها بدلا من اتباع ما هو سائد دون تمحيص ويندم فى النهاية لأنه لم يصل؟

أليس من العقلانية أن يحدد جيدا ما هو الخير وما هو الشر وما هو الحد الفاصل بينهما ليتمكن من وقف صراعاته الداخلية وصراعاته مع الآخرين؟ أليس من الأفضل أن يسعى الإنسان لفهم سبب الألم والمعاناة فى هذه الحياة قبل أن يصطدم بإحدى الأزمات التى تسبب له ألما شديدا فيبتأس ويكتأب أو ينتحر كما فعل البعض؟ أليست هذه الأسئلة هى حقا ما يجب على الإنسان أن يوجه طاقته إليها يا صديقى؟

الوعي قبل السعي

آدم : أظن ذلك يا سقراط، ولكن كيف سنصل إلى الإجابة على هذه الأسئلة، أشعر أن الأمر فى غاية الصعوبة وأننى لا أستطيع الإجابة عليها.

سقراط : دعك الآن من الكيف؛ فإذا شعرت بأنك جائع، أليس أول ما ستفكر به هو تلبية الجوع ثم بعد ذلك ستبحث عن كيفية تلبية هذا الجوع؟

آدم: ماذا تعنى؟ لم أفهم ما ترمى إليه!

سقراط : أعنى أنك إذا لم تشعر باحتياجك الشديد لهذه الإجابات فسرعان ما ستزول حالة التساؤل أو اليقظة هذه، ومن ثم تعود لحياتك التى اعتدت عليها، ولكن إذا كانت الإجابة على هذه التساؤلات تمثل لك الحياة أو الموت مثلما يمثل لك العمل والطعام والشراب فإنك لن تتوقف إلا عندما تحصل على ما يسد جوعك ويروى ظمأك؛ وهذا لأنك تعرف أن الطريق الوحيد للوصول للسعادة هو التخلص من ظلام الجهل والتبعية العمياء، فلا سعادة دون معرفة ولا معرفة دون رغبة حقيقية فى تحقيق الذات ولا رغبة دون يقظة وتساؤل.

آدم: الآن فهمت ما ترمى إليه، وأشعر أننى فى غاية الجوع وكل ما أريده هو سد هذا الجوع بأى طريقة يا صديقى.

 

اقرأ أيضا :

لماذا يوم عالمي للفلسفة؟

سقراط والمستقبل

قاتلى سقراط

محمد خيري

عضو بفريق بالعقل نبدأ القاهرة

مقالات ذات صلة