سباعية من نفايات الفكر
منحنا الله نعمة العقل كي نفكر به، وأفكارنا هي نتاج تفاعلات عدة بين فلسفات واعتبارات ومنطلقات ومواءمات وأولويات ورؤى وتصورات، ومع ذلك كلنا يصيب ويخطئ، وكلنا يفكر ويعدل ويطور، وكلنا يستمد من عثراته الفكرية قوة لتصحيح مساره الذهني، الذي هو عصب حياته، عصب وجوده، ومن العثرات نستلهم النجاحات.
نفايات خطرة!
ولكن من العجيب أن تتراكم الأفكار في نسق مرضي غريب، هذا التراكم المؤسف أصاب الأفكار بالعطب، فصارت أفكارا عفنة وغدت نفايات خطرة قاتلة مدمرة للذات والآخر والمجتمع المحيط، وهذه النفايات يجب إعدامها فورا، فوجودها واستقرارها في عقول أصحابها أشبه بسرطان يستشري في المجتمع محطما القيم والمبادئ والأخلاق، ومشجعا على الفوضى والتناحر والهمجية والاختلاف!
وصور نفايات الفكر كثيرة متنوعة، منها على سبيل المثال لا الحصر:
التمركز والتمحور حول الذات
فكرة التمركز والتمحور حول الذات، إعجابا وانبهارا وزهوا وتفاخرا وإحساسا بالتفرد، حتى صارت الرؤية للآخر مغلفة بالاحتقار واللا مبالاة وتجاهل الرؤية واعتبار الآخر والعدم سواء!
القناعة التامة بالرأي الأوحد
فكرة القناعة التامة بالرأي الأوحد الذي مصدره الذات، هذا الرأي لدى أصحاب الفكر العفن غير قابل للنقاش، أو الحوار، أو الاستفسار، إنما هو رأي يجب على الجميع اعتناقه دون أدنى محاولة من محاولات الفهم أو النقد المشروع، وكأن المتحدث منزه عن الخطأ!
التربص الدائم
فكرة التربص الدائم، فهناك أفكار راسخة لدى أصحاب الفكر العفن أنهم دائما مستهدفون محاصرون بثلة من الحاقدين، وأن الآخر دائما محل شك وريبة، وأن كل كلمة لها مدلول عفن، لا يعترفون بصفاء القلب، ولا يؤمنون بقيمة الصداقة، ولا يستمعون لوجهات النظر المصوبة لفكرهم، ولا يقدرون الآخر، إذ يرون الآخر دائما عدوا متربصا بهم ينتظر فرصة الانقضاض عليهم وافتراسهم!
المنفعة
فكرة المنفعة، وتتمثل في مادية التوجه وتبادل المنافع والقناعة البراجماتية (بأن الفكرة الصحيحة يجب أن تكون متحورة حول منفعتين: ماذا أقدم لك؟ وماذا تقدم لي؟)، نطاق المنافع المتبادلة غدا نطاقا سيئا يحدد مسيرة الفكر العفن لدى من يعتنقونه، إذ ترى من يحتاجك يهرول خلفك كظلك وبعد انتهاء مصلحته غدوت نكرة، إذ يبحث المنتفع العفن عن شخص جديد بمصلحة جديدة ومطمع جديد!
الخوف الدائم من المجهول
فكرة الخوف الدائم من المجهول، فالفكر العفن لا يمتلك قناعة الرضا بالقضاء والقدر، بل تراه دائما مذعورا قابعا في مكمنه، يرى المكائد والدسائس تكاد له فقط ليل نهار، يتعامل بمبدأ الخوف مع كل من يحيط به، بل ويدقق في وجوههم شكا وتربصا وتحسبا للغدر المتوقع منهم في أية لحظة، إذ استحالت حياته بيديه نارا!
الأذن
فكرة الأذن، نعم من سمات الفكر العفن أن يكون صاحبه عبدا لأذنيه، يصنع قراره ويدير علاقاته ويبني تصوراته ويحدد مسارات فكره اعتمادا على الأذن التي يصب فيها الغل صبا، والتي غدت مسخرة لأولئك الذين يروجون الشائعات والأكاذيب محاطة بهالة من معسول الكلام، ونعومة الإلقاء، فتصب في ذهن ذلك الإنسان ذي الاستعداد لأن يكون أسيرا لأذنيه في قراره، فترى قراراته وتصرفاته نموذجا مجسدا من نماذج العفن الفكري أسير الآخر مسلوب القرار!
الاستحواذ والطمع
فكرة الاستحواذ والطمع، فكثير من أصحاب الفكر العفن لا يؤمنون بفكرة التداول والتغيير وحتمية تبادل الأدوار، فتراهم يرفضون ذلك رفضا قاطعا وتراهم يقتلون إبداع المبدعين ويتربصون بالمجتهدين ويذلون المتطلعين للمستقبل، إذ يؤمنون بفكرة الاستحواذ الأبدي الخالد على بؤر الاهتمام بهم من الآخرين، وهم لا يعلمون أنهم في عيون الآخرين ما هم إلا نماذج مؤسفة للفكر العفن!
النفايات الفكرية .. أسوأ ما يمكن أن يصاب به الإنسان من ابتلاء
كثيرة هي النماذج أيها الأحبة ولا يتسع المجال هنا لاستعراضها، ولكن ما أردت اليوم أن أوضحه أن أسوأ ما يمكن أن يصاب به الإنسان من ابتلاء هو الابتلاء في عقله، بأن تكون أفكاره نوعا من أنواع النفايات!
حفظكم الله تعالى وبارك فيكم ودمتم أهلا لفكر راق وعلم نافع وحياة هي حقا للحياة.
اقرأ أيضاً:
طمع الإنسان مفيد أحيانًا.. لكن بشرط!
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا