مقالات

الكاذب الذي خدع الجميع

في تاريخ أولاد العم التوراتيين نبوءة معروفة للجميع، وهي باب من أبواب الإيمان اللي على كل واحد فيهم الاعتقاد بيها عشان يكتمل إيمانهم، وهو قدوم الماشيح المنتظر أو النبي الأخير وهو -كما ذكروا- من نسل داوود ومبعوث عشان يلم الشتات بتاعهم إلى آخر القصة دي.

النبوءة دي كانت بتظهر عندهم في كل مرة بيتعرضوا فيها لاضطهاد أو أحداث، على سبيل المثال السبي البابلي الأول، تلاقي إن فكرة ظهور الدجال أو المنتظر بتكبر في نفوسهم وتنتشر أكتر في الفترات دي، وده شيء متوقع.

ظهور محاكم التفتيش

لحد القرن الـ١٧ ميلاديا، وظهور محاكم التفتيش.

في الوقت ده إسبانيا بقت تعاقب المسلمين وتعاقبهم همه كمان على حد سواء لو أظهروا طقوس أو صلوات خاصة بدينهم، إذا مسلم بيصلي مثلا بيتقبض عليه ويتعذب، وتطرده هو وأهله، خصوصا بعد سقوط غرناطة، ففي الفترة دي ومع طرد كتير منهم، برزت فكرة إن الماشيح هيظهر ليهم،

ويوحدهم من تاني، وبرزت خصوصا في الكابالاه اللي حددت تاريخ محدد لظهوره بعد حسابات عملوها، وهي سنة ١٦٤٨م، يعني حددوا السنة دي إنه هيظهر فيها، وأغلبهم اقتنع بده.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

من هو سباتاي؟

في نفس الفترة دي أو قبلها بكام سنة، تاجر أوروبي من الفصيل بتاعهم اسمه “مردخاي” اتطرد من أوروبا وقعد في منطقة إزمير التركية، وخلف هناك ولد سنة ١٦٢٤م سماه سباتاي،

وبدأ يعلمه التلمود والتصوف وخلافه لحد ما بقى حاخام وهو لسة عنده ١٥ سنة، ولتأثره بالكابالا والتعمق فيها، صدق في فكرة إن ظهور الماشيح الموعود هيكون فعلا في السنة اللي حددوها دي، اللي هي ١٦٤٨م.

فأول ما جت السنة دي، بدأ يغتسل ويتعبد بشكل ملحوظ، وفجأة أعلن نفسه إنه هو الماشيح، هو المسيح الدجال يعني، مش حد غيره.

بدأ سباتاي دعوته في إزمير، وبدأ يقنع اللي حواليه إنه مش مجرد حاخام لا ده الماشيح نفسه وكل العلامات فيه، حتى إنه بدأ ينطق اسم الرب الأعظم نسبة لاعتقاداتهم يعني والكلمة هي “تيتراغراماتون”، وبدأ اللي حواليه يصدقوه، وكان عمره ٢٤ سنة بس.

طرد سباتاي

سباتاي تسفيفي البداية لقى إن فيه ناس منهم بتأيده، بس فيه محافظين كتير ضده، وكانوا ضد دعوته دي، وبدأوا يفتنوا عليه للسلطنة العثمانية، فنصحه واحد من أتباعه إنه يتوسع، وكل ما عدد المريدين يزيد كل ما دعوته تكون أقوى، وبدأ هو يصدق الدور أوي، وبقى يقول إنه بيكلم الخالق وإنه بيطير وإنه بيعرف المستقبل، والناس هناك صدقته.

الكبار من المحافظين معجبهومش الحال ده، وفي يوم قاموا عليه وطردوه هو وأتباعه، فأخدهم وبناء على نصيحة أتباعه اتجه لإسطنبول، ولقى هناك تأييد من واعظ اسمه “أبراهام ياشيني” وصدق في نبوته، وبدأ مريديه يزيدوا شوية بشوية، لحد ما لتاني مرة بيتطرد، وملقاش مكان يروحه غير مكان واحد، القاهرة.

ذهاب سباتاي للقاهرة وتصديق دعوته

وصل القاهرة مع مريديه سنة ١٦٦٠م، ونزل على بيت واحد منهم من أصل حلبي اسمه “رفائيل جوزيف”، رفائيل ده كان ماسك الضرايب للدولة العثمانية في مصر، وكان بيعمل أعمال خير كتير من ثروته لأبناء دينه، منصب رفيع يعني وسلطة، فاستقبلهم في بيته وصدق في نبوته، وفتح بابه ليه وللمريدين وبقى صديق شخصي ليه ومروج كمان لدعوته.

قعد سباتاي في مصر سنتين، جمع شوية مؤمنين بيه، لحد ما شوكته قويت شوية، وراح على الأرض المقدسة وبدأ يدعو لدعوته هناك بكل الطرق، يعني كان صوته حلو وبيغني المزامير، يوزع حلويات على الأطفال، طول اليوم بيصوم وبيصلي، فالناس هناك كمان صدقته، وكبرت دايرته من المؤمنين بأنه هو الماشيح المنتظر.

الراجل صدق نفسه جدا بقى، ومع الوقت كان بيجمع مؤمنين منهم بأعداد كبيرة، لدرجة إنه اتعرف على ناثان غزة في طريقه للقاهرة وأقنعه بنبوته وبقى الدراع اليمين ليه، ومش بس الدراع اليمين لا دا اقتنع إنه هو نفسه نبي لسباتاي، وبدأ يدعيله، واللي ميعرفش فناثان غزة ده حاخام مشهور ومؤلف كان معروف ليهم زمان واسمه كمان مقترن بالسحر.

اقرأ أيضاً:

اليهودي في السينما المصرية

الدراسات الموريسكية: محاذير

فيلم أميرة

عام الماشيح

المهم، إنه سنة ١٦٦٥م أعلن سباتاي من القاهرة إن عام الماشيح هو السنة الجاية، وإنه هيجمع الشتات كله في السنة دي ويغزو العالم ويرجعهم للإيمان تاني، ويرجع القبائل أو الأسباط الضايعة للأراضي المقدسة، على ضهر أسد مع تنين بسبع رؤوس، وإن المدينة المقدسة هي غزة “عشان ناثان”، آه والله، لا والناس صدقت.

رجع بعد كده لإزمير في تركيا، بس وسط حشد من أتباعه، كلهم مستنيين السنة الجديدة تيجي عشان يبدأوا ينتشروا في العالم كله، ولحد ما السنة تيجي نبدأ نجمع أكبر عدد من الأتباع من كل حتة في العالم، وسيطر على إزمير كلها لدرجة إنه عزل الحاخام بتاعها وعين حاخام موالي ليه،

وبعت رسل لدول أوروبا كلها من إيطاليا لهولندا لألمانيا، وبدأ ناس منهم تقتنع وتوفد على تركيا عشان تكون معاه في حركته الجديدة دي، واللي مش هييجي، على الأقل بيعلق شعار سباتاي الجديد -عبارة عن رمز للأسباط الـ١٢- استعدادا للهجرة الجديدة قبل نهاية العالم.

القبض على سباتاي

سباتاي تسفي

الموضوع أخد صدى كبير ساعتها، خصوصا في وقت زي ما قلنا كانت محاكم التفتيش شغالة على ودنه، فكله كان مصدق إن ده هيحصل وإنه هوا الماشيح فعلا يعني بيتشعلقوا في أمل، ومع ازدياد نفوذه،

بدأت السلطات العثمانية تخاف من تعاظم النفوذ ده، والأخبار كانت بتوصل إن مع الوقت الأعداد بتزيد، فكان قرار الصدر الأعظم ساعتها “أحمد كوبرولو” إنه يتقبض على سباتاي ويتحقق معاه.

وبتهمة بث الفتنة وإفساد الديانة وادّعاء النبوة اتقبض عليه فعلا مع شوية من أتباعه، ونقلوه من سجن زندان قابو في إسطنبول لجزيرة آيدوس على أمل إنهم يحجموه وميجيلوش وافدين أو مريدين جدد، لكن اللي حصل إن المريدين بقوا يجوله للجزيرة، وتحولت الجزيرة دي لبؤرة دعوية ليه، فلوس من كل حتة، والراجل بقى ملك وسط أتباعه، وكله كان في انتظار نهاية العالم.

السلطان العثماني محمد الرابع يحاكم سباتاي

وصل الخبر للسلطان العثماني محمد الرابع، والخبر كان إن سباتاي مش بس بيعمل دعوة جديدة، لا دا بيخطط إنه يعمل إمبراطورية جوة الإمبراطورية، وده خطر على السلطنة كلها بقى، فقرر السلطان محمد الرابع إنه يستجوبه بنفسه،

وأمر بحضوره لقصر أدرنة، وبدأ الاستجواب بحضور الجميع، ناس من أتباعه، ورئيس الوزراء مصطفى باشا، وشيخ الإسلام يحيى أفندي منقري زادة وإمام القصر محمد أفندي وانلي، ومترجم بيترجم كلام السلطان لسباتاي وهو كان رئيس الأطباء وأصله من قوم سباتاي.

السلطان قرر إنه يحاول يعجزه، وقاله طالما بتدعي إنك المسيخ الدجال أو الماشيح المنتظر يعني، هنقلعك، ونحطك هدف للسهام، لو السهام مخترقتش جلدك يبقى إنت الماشيح، لو اخترقتها يبقى إنت كداب، فهنا حس سباتاي إنه اتزنق، والمترجم رماله الحل ووشوشه كده، فسباتاي جاب ورا، وقال إنه ملوش دعوة بحاجة وإن اللي قالك كده كدب عليك، وراح رامي كارت كده في وش السلطان.

قاله: أنا مهتم بالإسلام إعرض عليا الإسلام وهؤمن بيه!!

سباتاي يعلن إسلامه

هنا، الناس كلها استغربت، وفعلا الشيخ قرأ عليه الإسلام وقرر سباتاي إنه يؤمن، وغير اسمه لمحمد عزيز أفندي، ولبس الجلباب والعمامة واغتسل، وقرأ الشهادتين، وعفى عنه السلطان وعينه البواب الخاص بيه وخصصله مرتب ١٥٠ آقجة فضية في الشهر، وطلب من السلطان إنه يسمحله يدعي أهله للإسلام فسمحله بده.

على الرغم من الصدمة اللي اتصدم فيها الكل، والتريقة اللي طالت سباتاي وأتباعه، إلا إن سباتاي أخفى الغرض الحقيقي من إسلامه، وجمع مريديه وأقنعهم إنهم يعملوا كأنهم آمنوا بالإسلام لضمان سرية دعوته،

بس في الباطن يكملوا شغلهم عادي، وفعلا آمن أكتر من ٣٠٠ عيلة من مريديه في الظاهر، بس كملوا دعوتهم وأعيادهم وطقوسهم عادي، على مدار ١٠ سنين من بعد إعلان سباتاي إسلامه.

نفي سباتاي تسفي

لما النوايا بدأت تظهر تاني، وبقى ييجي أخبار إن سباتاي لسة عامل فيها الدجال، واتشاف وهو بيغني المزامير، قرر العثمانيين إنهم يقبضوا عليه وينفوه لمدينة أولسيني في الجبل الأسود، ولغوا وظيفته والمرتب، وحاول محاولة أخيرة إنه يجمع مريدين وجيش جديد سنة ١٦٧٦م من مدينة بيرات في ألبانيا، لكن العمر مأسعفوش، واتوفى واتدفن هناك.

أما الطايفة بتاعته، فعاش معظمها في سالونيكا في مقدونيا، وبعدين هاجروا مع الوقت لتركيا واندمجوا مع المجتمع، لكن مع الاحتفاظ بعاداتهم وأعيادهم الخاصة واتشهروا بتجارة المنسوجات والتبغ، ووصل بعضهم لمناصب عليا من خلال لجنة الاتحاد والترقي بعد سقوط الدولة العثمانية.

وخلصت حكاية المسيخ الدجال المزيف “سباتاي تسفي” اللي مطلعش ماشيح ولا حاجة.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

********

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

محمد أمير

كاتب ومؤرخ وصانع محتوى