لم يكن أمام السارق من سبيل سوى أن يقرأ الرسالة التي أرسلها للمسروق. كان قد جمع فيها كل ما أوتي من فهم وحيلة وكذب كي يقول له:
ـ ما سرقته منك هو لي.
ظن السارق أن ما كتبه وهو يلهث بشدة يبدو مقنعا، وبوسعه أن يُمكِّنه من هزيمة كوابيسه، لكنه حين عاد إلى قراءته أدرك أن كلامه يضرب بعضه بعضا، وفهم يومها معنى المثل الذي يقول: “الكدب ملوش رجلين”، لأنه وجد ما أفزعه.
فرك عينيه ليستوثق مما يراه، ثم فتحهما عن آخرهما، حتى شعر أن كل جفن ذهب في طريق بلا عودة. مد رأسه فكادت تُدفن في الورقة، واصطفت الكلمات تصفعه على خديه، ثم تزحف نحو أذنيه، فيسمع صوت المسروق يقول له:
ـ لو كنت لصا فقط لهان الأمر، لكنك أيضا خائن للأمانة، وهو أشد وأنكى.
فتح عينيه مذعورا، فوجد كل ما كتبه في رسالته قد مُحي، وبدت الصفحات فارغة. تنفس الصعداء، ورفت على شفتيه ابتسامة فاترة، ومد أصابعه لينقر على لوحة الحروف، كي يعيد كتابة ما سبق أن أرسله، ويضيف إليه جديدا، لكن اللوحة لم تستجب.
ضربها في ضجر، ثم عاد لينقر بعصبية، جعلت الحروف تتبعثر في جنبات أول صفحة، وهو يطاردها بنظرات زائغة، ما إن استقرت حتى وجد ما نقره قد ثبت في جملة واحدة تقول:
ـ لا يهنأ من خان، ولا من سرق.
وقبل أن يمد يده إلى زرار الإلغاء ليغتال ما يراه، وجد الحروف تتبعثر، وتتماطأ، وتتصل، وتتشابك، لتشكل شيئا مبهما، راح يتضح في عينيه المملوءتين بالعجب، ليصبح وجه المسروق تماما.