سارق ومسروق – الوجه الثالث والعشرون
أربعون وجها للص واحد "متتالية قصصية"
كان على السارق أن يبحث عمن على شاكلته كي يقع عليه فيطمئن. تذكر ذلك الرجل الذي كان يسبقه هناك مقاما في المدى الأصفر المفتوح على رمل وصخر وأحراش يلثمها على مرمى البصر أزرق لا نهاية له.
هاتفته وذهب إلى مكتبه بينما كان وقت العمل على أبواب الانتهاء، هو الذي حدد له هذا، وقال:
ـ فرصة نتحدث في هدوء بعد انصراف الموظفين.
جلسة يشوبها الضغينة
كان يعرف، وهو ذاهب إليه، الكثير عن صاحب رأس المال الحقيقي لهذه الشركة الجديدة، وأن من سيقابله ليس سوى المدير الشكلي، الذي ما كان له أن يجلس على كرسيها الكبير لولا أن الباب انفتح أمامه ليترقى هناك، ويهز كتفيه فيتلألأ ما عليه في ظهيرة الله الموقدة. إنه الرجل الذي طالما نظر إليه في حسد، والغيرة تأكله، قائلا لنفسه:
ـ لماذا أبعدوني مبكرًا، فلم أرق في نظرهم إلى الجلوس على كرسي مثيل، رغم أني أكثر منه فهمًا، وقدرة على إدارة هذه الأموال الطائلة؟
سؤال أتعبه التفكير في إجابته كالعادة، حتى وجد نفسه يطرق باب من يقصده. دخل إليه هرولا فتحرك نحوه متثاقلا. مد ذراعه عن آخره، فأنزل هو ساعده قليلا، ثم فرد ذراعه زاوية قائمة، ومد كفه، وجذبه نحو مقعد أمام مكتبه الفخيم، وجلس هو خلفه ينظر إليه في انتشاء، وهو ينفث دخان سجائره في وجهه.
كانا قد تخرجا سويا من الكلية، وكان السارق الذي نعرف الآن كثيرا من حياته، يتعامل مع الرجل الذي ينظر إليه في استهانة، باستعلاء، فالأخير بطيء الفهم، متبلد الإحساس، لا يعنيه مما درسه أو عمل به سوى أنه سبيل إلى ثراء محتمل.
إما الجنة أو الجحيم
كان يقول وهو يهم لارتداء حذائه الثقيل:
ـ منفى إما ينتهي في الجنة أو في الجحيم.
وحين كان السارق يسأله:
ـ عن أي شيء تتحدث؟
يرد عليه سريعا:
ـ الجحيم إن جلست بعد كل هذا تتنظر معاشا ضئيلا، تنفق بعضه على المقهى بين العجائز. أما الجنة فهي إن أسندوا إليك شيئًا.
وكان يسأله:
ـ أي شيء تقصد؟
يقهقه، ويقول له:
ـ يبدو أنك لا تعيش في بلدنا! كثير يحتاج إلينا نحن لنديره، أما الأغلبية فلتذهب إلى قهوة المعاشات.
منتصف الطريق
كافح السارق حتى لا يكون مصيره الجحيم، لكنه لم يصل إلى جنة زميله المزعومة, بل وقف في منتصف الطريق، فلا هو باللص الكبير المنعم بالحرام، الذي يغرف بلا حساب، ولا هو بالرجل الشريف الذي بوسعه أن يرفع رأسه في ثقة وكبرياء. كان يقول لنفسه وهو يدوس على ضروسه من الغيظ:
ـ أقف على جبل الأعراف.
وهو ينظر في وجهه، بينما يجلس أمامه موغلا في حسده وغيظه، رأى وجهه في عينيَّ هذا المدير الكبير، كان وجها يزداد قتامة، وتغيب عنه حمرته، ويتسرب إليه سواد من كل جانب، لا يلبث أن يكتسي بلون أزرق داكن، يغطي الرمل والأحراش ويلوث السماء التي تنام على كف الأفق.
اقرأ أيضاً:
الوجه الأول، الوجه الثاني، الوجه الثالث، الوجه الرابع، الوجه الخامس
الوجه السادس، الوجه السابع، الوجه الثامن، الوجه التاسع ،الوجه العاشر
الوجه الحادي عشر،الوجه الثاني عشر ، الوجه الثالث عشر، الوجه الرابع عشر
الوجه الخامس عشر،الوجه السادس عشر، الوجه السابع عشر، الوجه الثامن عشر
الوجه التاسع عشر، الوجه العشرون، الوجه الحادي والعشرون، الوجه الثاني والعشرون
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.