مقالاتقضايا شبابية - مقالات

في تعبان في جزمتي! – قصتي مع الرياضة الجري، الغاية لا تبرر الوسيلة

تجربتي مع رياضة الجري

أحاول أن أواظب على رياضة الجري يوميا. وذلك للحفاظ على الصحة ووقاية من الأضرار التي تحدث غالبا لأصحاب الوظائف المكتبية التي لا تتميز بالنشاط والحيوية كما في وظيفة البناء أو العامل بالنجارة أو الحدادة وخلافه. وقد بدأت هذه القصة لي مع حجر صغير تسلل في حذائي أثناء الجري. وقد رأيت أن أشاركها معكم وأن نعكسها على حياتنا الواقعية.

لم أعر هذا الحجر اهتماما في أول الأمر، وقلت حجرا صغيرا ما عساه أن يفعل؟! سيظل في جانب الحذاء من الداخل بعيدا عن الضغط في قدمي، فلا أتأذى منه إلا قليلا من الحين للآخر. لكن سرعان ما زاد من تسلله إلى داخل حذائي ليستقر تحت كعبي. فقلت وما المشكلة لن أتوقف الآن عن الجري بسبب هذا الحجر الصغير سأكمل حتى النهاية ثم أخرجه.

ثم إن كعبي قوي سميك الجلد فلن أشعر بوخزات الحجر كثيرا. لكن سرعان ما دب الألم في قدمي وشعرت بالوخزات والنغزات التي كانت تعطل من مسيري وتضطرني لتخفيض سرعتي لكي لا يشتد علي الألم. فحاولت عبثا أن أهز في قدمي أثناء السير لألخلخ الحجر من مكانه فإذا به ينتقل من مكان سيء لمكان أسوأ ليسبب لي ألمًا أكثر. هنا استسلمت وقررت أن أتوقف عن الجري وأخلع الحذاء لأنظفه ثم أرتديه مرة أخرى وأكمل المشوار المتبقي.

الغاية لا تبرر الوسيلة

لقد قدمت الغاية في إتمام الجري في الأهمية على الوسيلة التي أحقق بها هذه الغاية بأن أكون مرتاحا وغير متألم بسبب آخر غير مجهود الجري نفسه؛ فقررت التهاون في الوسيلة نوعا ما رغبة مني في إتمام الغاية. ولكني نسيت أن الغاية لا تبرر الوسيلة. فالغاية مهما كانت شريفة لا تبرر أن نتخذ لها أساليب ملتوية لتحقيقها.

وماذا كانت نتيجة قراري؟ لقد قبلت بوجود الحجر في الوسيلة. هذا الحجر أعاقني عن الجري بسرعتي الطبيعية لمسافة معينة. فلم يتحقق لجسدي الفائدة المرجوة والمتوقعة من هذه المسافة. ولماذا كان قبولي بهذا الحجر ليس لجماله أو لضرورته ولكن فقط كان مبرري هو لكي لا أتوقف. ولكن النتيجة أن قبولي بهذا الوضع أوصلني لنقطة اضطررت فيها ليس فقط للتوقف لكن لخلع الحذاء وتنظيفه وإعادة ارتدائه. فزادت الخسارة بانقطاع الجري بل وتضييع الوقت قبل استكمال المشوار.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ربما لو كنت تدخلت عند أول ارتطام الحجر بقدمي واستقراره على حافة الحذاء قبل أن يتغلغل للداخل. ربما لو كنت تدخلت حينها لما كنت خسرت كل هذه الخسارة.

طبعا هنا لا بد من توضيح أن الموقف وسرده لا يهدف لتعظيم أو تهوي أثر الأحجار المادية التي تعرقلنا في مسيرة الجري لأنها خسارة نوعا ما محدودة وربما تعالج بسهولة. لكن ماذا عن الأحجار المعنوية والاجتماعية التي نحملها علي رءوسنا وفي قلوبنا لنسير بها مشوار الحياة!!!

انتبه للأحجار التى تحملها

هذا الحجر الصغير في حذائي تسبب بخسارة قليلة بالنسبة لمشوار مدته ساعة كل يوم. ولكني شعرت بهذا الأثر لدرجة جعلتني أتوقف وأعيد ترتيب حسابات وأدواتي لتناسب الغاية الحقيقية، فليست غايتي أن أحمل الحجر ولكن غايتي أن أكمل المشوار. فما بالنا بتلك المعتقدات والأفكار بل والأشخاص الذين نحملهم معنا في مشوار حياتنا معتقدين في البداية أنهم سيعينونا على مشوار الجري في الحياة والسعي للتكامل فنتفاجأ أنهم لن يعينونا. فنقول على الأقل لن يعيقونا عن الهدف وإن كانت انقطعت معونتهم.

ثم نجدهم أيضا يعرقلون مسيرتنا كالحجر في الحذاء. فنبرر لأنفسنا ونقول سنستطيع التعامل مع الألم وعامة من منا لا يوجد لديه هذا الحجر في حذائه. هذا الاستدلال الساذج بالعقل الجمعي. فلو كنا ولدنا بآذان سليمة في مدينة من الصم ثم جاء أحد فقطع لنا أذنينا فكأننا نقول وما المشكلة فكل المدينة لا تمتلك قدرة السمع.

لن يكون العلاج سهلا

ثم مع الوقت تزداد المعاناة ويزداد الألم لدرجة ضرورة المواجهة. ولكن هذه المرة لن يكون العلاج في سهولة علاج الحجر الصغير في الحذاء فإن تغير نظام الحياة أكثر تعقيدا ويحتاج للعزم الذي يذبل مع الزمن والإصرار على المواجهة والذي يتلاشى مع الكبر والصبر على الشدة وآلام الحرب والمواجهة والذي يكاد ينعدم فيمن تعود على الانهزامية والاستسلام للأحجار التي في حياته.

فالمواجهة هي عادة تظهر عند الاحتياج لها بشرط التدريب عليها وإتقان مسائلها ليست ملكة أو حالة تستحضر وقت اللزوم بدون تعهد أو تدريب. وهنا يسقط الإنسان وتنعدم الرجولة ويظهر الخنوع للظلم والاستكبار. فالأجساد التي شبت على الخنوع والاستسلام ستشيخ حتما على ما ألفته. فكانت قصة الحجر هذه هي صراع الأجيال والماضي والحاضر والمستقبل في آن واحد.

هناك فارق دائما بين من يتقبل الخلل في حياته باختياره ويدعو الإعاقة والعراقيل لحياته بإرادته وتخطيطه السئ طبعا وبين من وجد مجبرا على هذا الوضع ولا يملك قابلية تغيير وضع حياته. هذا هو مربط الفرس؛ ذلك أن المجبر على العراقيل لا تجد في نفسه الألم والندم على وجود هذه الأحجار في حياته لأنه ليس العلة فيها.

أما من دعى باختياره هذه المعوقات لحياته فستجد عنده الأسى والأسف على تفريطه في أمره وتسليمه لمملكة الباطن والظاهر (النفس الجسد) لأعدائها. فتجد عنده رغبة التغيير والمواجهة أقل أو أصعب في الشحذ والإيقاظ إلا من قرر أن يصحو من الغفلة ويكسر قيود هذا الأسر والذل فيقوم قومة قوية لحرر نفسه ويعوض ما فات من حياته. إن هذا الاختيار صعب ويأتي بأثمانه وخسائره وامتحاناته لكنه على كل حال أفضل من أن تكمل المسير والحجر يجرح ويقرح في قدميك.

اقرأ أيضاً:

صالة الوجود والعدم للألعاب الرياضية

كيف تأثرت بلعب الرياضة ؟

بالعقل نلعب

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط

ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب

حسن مصطفى

مدرس مساعد في كلية الهندسة/جامعة الإسكندرية

كاتب حر

باحث في علوم المنطق والتفكير العلمي بمركز”بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث”

صدر له كتاب: تعرف على المنطق الرياضي

حاصل على دورة في مبادئ الاقتصاد الجزئي، جامعة إلينوي.