فن وأدب - مقالاتمقالات

عزازيل يوسف زيدان

رواية عزازيل ليوسف زيدان في بعض فصولها أو “رقوقها” مليئة بالمشاهد الإباحية الصريحة المتعمدة، لكن العجيب أن بطل هذه المشاهد صاحب أحداث الرواية وبطلها الراهب المسيحي “هيبا”، الذي كتب هذه المذكرات الشخصية ودفنها في صندوق خشبي لقرون، والأعجب أن زيدان بعد كل ذلك اندهش من رد فعل الكنيسة المحتج على الرواية، خصوصًا أنها تطعن بصراحة تامة –وهو الأهم– في صحة العقيدة المسيحية الحالية.

ظللت فترة لا أرغب في قراءة الرواية من كثرة ما كتب من أنها مسروقة، فتارة قالوا هي مذكرات “الراهب هيبا” ونسبها زيدان إلى نفسه، وهذا غير صحيح فهو يحكي على لسان هيبا، وتارة قالوا نقلها من رواية “هيباتيا” لتشارلز كينجسلي، وتارة قالوا يقلد رواية “شيفرة دافينشي” البوليسية الخيالية للمؤلف الأمريكي دان براون، وقالوا يقلد رواية “اسم الوردة” البوليسية للكاتب الإيطالي أمبرتو إكو، فضلًا عن عدم اتفاقي الأيديولوجي والفكري مع يوسف زيدان.

لكنني صادفتها ذات مرة على الإنترنت فقلت لنفسي: “لماذا لا أطلع عليها؟ لقد أحدثت ضجة كبيرة حين صدرت، فعلى الأقل أعرف سر هذه الضجة وأتعرف على حكاية الراهب هيبا، وأتعرف من قريب على هذه الفترة التي انقضت منذ قرون وعلى حقيقة القصة”.

ما هي قصة رواية عزازيل؟

بغض النظر عن أن عزازيل فازت بجائزة بوكر العربية سنة 2009، كما حصلت على جائزة “أنوبي” البريطانية لأفضل رواية مترجمة إلى اللغة الإنجليزية سنة 2012، فالرواية عبارة عن ترجمة لمجموعة لفائف أو رقوق، دفنت ضمن صندوق خشبي محكم الإغلاق في منطقة الخرائب الأثرية قرب حلب في سوريا، كُتبت في القرن الخامس الميلادي وعُثر عليها بحالة جيدة ونادرة، وترجمت من اللغة السوريانية –وهي لغة أهل سوريا الأصلية– إلى العربية.

كما ذكرنا، فالفصول أو الرقوق الثلاثون عبارة عن سيرة ذاتية للراهب المصري الصعيدي هيبا، الذي عاش في الفترة المضطربة من التاريخ المسيحي الكنسي في أوائل القرن الخامس الميلادي، التي أعقبتها انقسامات هائلة بين الكنائس الكبرى حول الخلاف على طبيعة المسيح هل هو بشر أم إله.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كتب الراهب هيبا رقوقه مدفوعًا بطلب من عزازيل أي “الشيطان”، إذ كان يقول له: “اكتب يا هيبا، أريدك أن تكتب، اكتب كأنك تعترف، وأكملْ ما كنتَ تحكيه، كله…”، ولم يفسر يوسف زيدان لماذا أطاع هيبا الشيطان فراح يكتب كما يأمره ولا يتوقف عن الكتابة، أو لماذا يأمره الشيطان بتدوين هذه الأحداث التي تجمل خطيئته كأنه يعترف أمام الأب في الكنسية وليس أمام الشيطان!

نبذة عن رواية عزازيل

رواية عزازيل

عمومًا عليَّ أن أعترف أن الرواية متميزة من حيث متعة الحكي وأسلوب الكتابة، الراهب هيبا يحكي بأسلوب أدبي متفوق، ولا أدري مقدار تصرف يوسف زيدان في هذا الحكي وهذه الأحداث ولا في الأسلوب، لأني بالطبع لم أقرأ المذكرات الأصلية، لكن لغتها العربية التي كتبت بواسطة يوسف زيدان لغة أدبية أقرب إلى الشعر، وهو في رأيي بأسلوبه العالي هذا يفضح كثيرين من الكتاب، الذين نالوا سمعة “على الفاضي” وهم لا يملكون مثل هذه الموهبة البلاغية واللغوية أو ما يقاربها، ناهيك عن أنها جهد ملموس على المستوى البحثي والتاريخي.

لكن لا أستطيع أن أقول إنها خلصت من هوى كاتبها وميله الأيديولوجي الذي يبغضه المتدينون وأنا منهم، كما لا أعرف لماذا إصراره على الاقتباس البلاغي من القرآن، وهل نسي أنه يحكي بلسان شخص لم يرَ القرآن ولم يكن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قد بعث؟

كما أن الإمعان في وصف الأفعال الجنسية لم يكن له مبرر فني، بل لعله جاء بسبب رغبة الكاتب في رواج الرواية، أو لتقديم البراهين العملية على أن الحرية الجنسية لها سحرها، فهو نوع من الحض على الرذيلة بالعند في معاني العفة والتقوى الدينية، وهو فكر مضاد للدين.

تحليل رواية عزازيل

أود أن أقول إن بعض المشاهد الدرامية داخل رواية عزازيل قوية بحيث يكون من الصعب أن تُمحى من الذاكرة، حتى لو اختلف المؤرخون في حقيقتها، وقالوا إنه كتبها ليثبت وحشية المسيحيين مقارنة بالوثنيين في مصر الفرعونية، والذين ينحاز طول الرواية إليهم، ومثال على ذلك كان مشهد قتل هيباتيا وأوكتافيا على يد الصليبيين المهووسين بالإسكندرية، وإن لم نجد كما ذكرنا ما يدعم هذه القصة من الناحية التاريخية، لكنها تناسب النهج المبالغ في العلمانية، من حيث الإنحياز إلى الديانات الفرعونية الوثنية على حساب الأديان السماوية.

عمومًا لن يجد أي سيناريست عناء في تحويل الرواية إلى عمل درامي، فكلها بلغة أهل السنيما “يمين”، بمعنى أن الوصف فيها كثير جدًا، حتى في المشاعر والخلجات التي ترتسم على الوجوه، الرواية عالمية المستوى رغم أنها لا تروق لي فكريًا، وأراها مليئة بالادعاءات الباطلة والترويج للوثنية، فإذا فصلنا بين إبداع الكاتب من ناحية واتجاهه الأيديولوجي الشخصي بل ونظرته إلى الدين من ناحية أخرى، غالبًا ستخرج من قراءة هذه الرواية وأنت موقن بأنه لا بأس من قراءتها، بغض النظر عن اتفاقك أو اختلافك مع كاتبها، أو تصديقك أو عدم تصديقك له.

أنا قرأتها من باب العلم بالشيء، ومن أجل ما سمعته عن أسلوبها الأدبي، ومن أجل معرفة جديدة أيضًا بما حدث في تلك المرحلة التاريخية.

مقالات ذات صلة:

رواية “أول النهار”.. مراوحة بين صدمة الواقع وسحر الخيال

طاعون ألبير كامو .. فلسفة تصلح لكل وباء

في الهامش ستجد العمين سعيد ولويس

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ . شامخ الشندويلى

الشاعر والكاتب والسيناريست المعروف