فن وأدب - مقالاتمقالات

عزازيل زيدان .. الجزء الثاني

استكمالًا لما كتبته عن رواية عزازيل، وبناء على بعض التعليقات التي وصلتني عليه، أريد أن أعيد بعض الأمور التي ذكرتها في المقال السابق، لكن بمزيد من التوضيح، مثل أن رفضي لفكر زيدان شيء طبيعي وأنا إسلامي الهوى والفكر والاعتقاد.

لكن حين أتكلم عن أسلوب أدبي بديع في الكتابة، فهذا شأن آخر، فأنا كاتب وشاعر ولفتت نظري قوة أسلوبه وشاعريته، فقلت إنه يحرك المشاعر والخيال، وهذا حقيقي، وقلت إن أسلوبه الأدبي يفتقر إليه كثيرون من ذوي الأسماء الكبيرة الذين اكتسبوا سمعة على الفاضي.

أظن أن الكلام واضح وهو عن أسلوبه الأدبي وليس عن فكره، والرواية تنكر ألوهية المسيح، وهي هنا تتفق مع فكري وعقيدتي مسلمًا، كما عِبت عليه المشاهد الجنسية الكثيرة التي لا مبرر لها في سياق العمل.

معايير عالمية الرواية

علق أحدهم على مقالي قائلًا: “كيف تقول إن الرواية عالمية بينما أنت لا تتفق معها فكريًا؟”، فهو يعتبر ذلك تناقضًا، والحقيقة أنه ليس في الأمر تناقض!

تولستوى مثلًا كل كتاباته عالمية، ولا يعنى هذا أن أتفق مع كل رواية كتبها وكل فكرة طرحها، فأنا لي رأيي ومن حقي أن أعبر عنه وأبدي ملاحظاتي، كما أن لي عقيدتي التي تختلف عن عقيدة تولستوي.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لا يعني هذا أن العمل نفسه ليس عالميًا، فالرواية العالمية هي التي تكون شديدة التأثير حتى يتخطى الاهتمام بها حيز المحلية، وذلك لما تتضمنه من فكرة ذات طابع إنساني، مع تميز في طريقة التناول وقوة الحوار وصدقه، وجمال الأسلوب وتفرده، بالإضافة إلى الأحداث المثيرة، مما يحقق المتعة للقارئ ويثير فضوله فيقرؤها للنهاية وهو مستمتع، ثم يخرج من قراءتها وهو يشعر أن أفكاره قد اكتسبت بعدًا جديدًا.

كما قلنا فإن كل هذا لا يمنع أن تكون لك على العمل ملاحظات من الناحية الفكرية، وقد أكدت في المقال السابق على أهمية الفصل بين الطرح الفكري والإبداع الأدبي داخل نفس العمل.

اقرأ أيضاً: “السيدة كاف”.. تنويعات عن عالم موجع غريب

أسلوب رواية عزازيل

رواية عزازيل تأليف يوسف زيدان

من التعليقات الأخرى التي جاءتني على المقال وصاحبها مثقف وقارئ جيد، أنه ما كان يجب عليَّ أن أمدح أسلوبه وهو يدافع عن الوثنية، وأن حتى أفلام البورنو قد تكون لها فنيات جيدة ومع ذلك فهذا لا يكفي لامتداحها.

أرد عليه قائلًا إن الحديث عن أسلوب أدبي يتميز بالقوة والشاعرية والذكاء والموهبة، لا يمكن مقارنته بالحديث عن فنيات أفلام البورنو، ومهاجمة رواية عزازيل أولى بها الكنيسة، فالرواية تنكر ألوهية المسيح، وتصف المسيحيين الذين فتحوا مصر بالقتلة والمتوحشين، وهذا يمس الكنيسة التي كان زيدان قبل روايته مقربًا لها.

اقرأ أيضاً: حرفة الأدب

رواية عزازيل .. هل هي جهل أم تزوير للتاريخ؟

ذات يوم جاءه إلى مكتبه الأنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ وبراري بلقاس، ورئيس دير الست دميانة للراهبات القبطيات، وسكرتير المجمع المقدس لكنيسة الأقباط الأرثوذكس، ومسؤول المحاكمات الكنسية الذي وصفه زيدان بصديقي، وفعل بيشوي مثله ووصف زيدان بصديقي.

يقول زيدان: “جاءني المطران والتقط معي الصور لجريدة مسيحية يشرف عليها، ودعاني إلى إلقاء محاضرة على الراهبات في دير الست دميانة ببراري بلقاس، فاندهشت، لم أكن أتصور أن أمرًا مثل ذلك ممكن الحدوث، فاتصلت ببعض أصدقائي من آباء الرهبان القاطنين بالأديرة، فقالوا إنهم لم يسمعوا بمثل ذلك من قبل، شخصٌ مسلمٌ يعطي للراهبات محاضرة، هذا عجيب، لكنه يعكس تقديرًا كبيرًا لك، هكذا قالوا، فوافقتُ واخترتُ من الموضوعات ما رأيتُ أنه الأنسب للراهبات، وهو «التصوف الإسلامي»، على اعتبار أنني أبحث دومًا عن نقاط الالتقاء والتقارب بين الجماعات الإنسانية، انتصارًا للإنسانية التي تجمعنا”.

قدم القمص بيشوي زيدان للراهبات كأنه الفاتح الذي جاء بما لم يأت الزمان به، كان بيشوي يتصور أن زيدان يعادي الإسلام وأنه من هنا صديق للمسيحية، ثم فوجئ بصدور رواية عزازيل التي تظهر فساد العقيدة المسيحية، فانقلب السحر على الساحر، ومن وقتها صار زيدان الصديق هو زيدان العدو.

راح الأنبا بيشوي يهاجمه في كل مجلس ومنبر إعلامي متاح، حتى أنه أصدر كتابه: “رواية عزازيل.. هل هي جهل أم تزوير للتاريخ؟”، واتهم زيدان صراحة بالإلحاد، فرفع زيدان دعوى عليه بسبب ذلك، وما زالت المعركة محتدمة بينهما حتى اليوم.

مقالات ذات صلة:

الجزء الأول من المقال

هل النقد الأدبي معرفة؟

الكتابة للمستقبل

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ . شامخ الشندويلى

الشاعر والكاتب والسيناريست المعروف