فن وأدب - مقالاتمقالات

رواية رجل الطبشور وأدب تصفية الحسابات

هل من حق المؤلف وهو منكب على كتابة أي عمل أدبي، أن يجدها فرصة لاستغلال ما يكتب للتعويض عن نواقصه الشخصية ومشاكله الاجتماعية وعقده النفسية؟ أو حتى أن يجدها فرصة للترويج للأيديولوجية التي يؤمن بها؟ أو حتى لأسلوب الحياة الاجتماعية الذي يعتنقه؟

كنت رغم تقديري لموهبة كاتب وسيناريست مصري شهير لا يعجبني انحيازه المطلق لتجربة عبد الناصر، وهو يكتب مسلسلًا يوميًا يدخل جميع البيوت، وأرى دائمًا أنه على المؤلف أن يتنزه عن الانحياز الأيديولجي وهو يخاطب كل الناس بمختلف توجهاتهم من خلال عمل فني، لأنه إن لم ينجح في ذلك يكون قد فرض تعصبه السياسي على العمل وعلى الناس التي تشاهده بمختلف ميولها وتوجهاتها.

يكون قد ترك فنه فريسة لقناعاته السياسية ويكون قد حول الفن إلى أيديولجية، وأرى أنه على الكاتب كذلك أن يخلص كتابته من مشاكله الشخصية وإلا فسيتحول العمل الأدبي إلى تصفية حسابات.

صادفت رواية طويلة لكاتبة إنجليزية اسمها “سي جاي تيودور”، كانت روايتها رغم موهبتها في الحكي مثالًا صارخًا على تصفية الحسابات من خلال عمل أدبي، يكفي أن أخبرك أني حللت شخصية هذه المؤلفة بدقة أثناء القراءة ومن خلال تعاملها مع شخصيات الرواية، وبعد أن أنهيت قراءتها قرأت عن المؤلفة نفسها، فتأكدت أن كل ما ذهبت إليه كان صحيحًا وأنها كانت بالفعل في روايتها تقوم بتصفية حسابات بدوافع نفسية وشخصية منها تجاه المجتمع.

إشكالات الأدب النسائي

بدايةً وقبل أن أشرح كيف، أحب أن أنوه إلى أني دائم التشجيع للأدب النسائي، والدليل على ذلك اختياري لهذه الرواية لقراءتها ومؤلفتها امرأة، وهي مؤلفة ليست ذائعة الصيت للغاية، وذلك لإيماني بأهمية رؤية الأشياء من خلال عيون النوعين الذكر والأنثى، فمنهما كليهما يتألف الناس لا من أحدهما فقط.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لكن بعض الأدب النسائي أو قل هو في كثير من الأحيان مع الأسف يغلب عليه نبرة التعصب لقضايا المرأة، وأنا لا أحب أن تظل الأديبة حبيسة قضية المرأة لأن هذا يجعل أدبها قاصرًا على توجه واحد.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى لأنه يضر المرأة بهذه الطريقة أكثر مما يفيدها، وذلك لأنه يصورها طول الوقت على أنها العنصر الضعيف، وهو ما يسيء إلى المرأة أكثر ما يفيدها.

هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن زعم اضطهاد المرأة على هذا النحو في الواقع ادعاء غير حقيقي وغير مصدق في زمن تتألق فيه المرأة في كل مجالات العمل والعلم والإبداع، وقد أعطاها القانون حقوقًا كثيرةً جدًا مرة واحدة لم تكن تتمتع بها من قبل.

المشهد الأول في الرواية

الرواية اسمها “رجل الطبشور” أما كيف وجدت أن المؤلفة استخدمتها لتصفية حساباتها مع الناس والحياة عمومًا، فلأسباب كثيرة، مثلًا في أول مشهد في الرواية ستجد قسوة غير مسبوقة وعنفًا شديدًا للغاية وغير مبرر من الناحية الفنية والأدبية.

إذ في مدينة الملاهي تظهر فتاة رائعة الجمال فتلفت نظر الجميع الشاب والمسن على حد سواء، فيذهل الكل من الإعجاب، وإذا بالأُرجوحة الدائرية الضخمة تنفلت من محورها لتصدم الفتاة الجميلة فتطيح بجانب من وجهها فتصبح بنصف وجه، وتسقط عينها من مقلتها وتطيح بإحدى ساقيها فتلقي بالساق على بعد أمتار من صاحبتها، فيبدأ الناس الذين كانوا منذ لحظة واحدة مفتونين بجمالها في لملمة أجزاء جسمها المبعثرة.

ثم أن هذه الفتاة تنجو لتعيش العمر كله مشوهة، فتفقد كل أمل لها في الحياة والمستقبل وتحيا في عذاب مقيم، ولا تعود تلك الفاتنة الجميلة التي تبهر الكبار والصغار بحسنها.

تشويه الجمال في رواية رجل الطبشور

رواية رجل الطبشور

اندهشت وأنا أقرأ وظننت أن الرواية ستبرر كل هذا العنف لاحقًا فلم أجد ذلك، فثارت شكوكي تجاه المؤلفة نفسها، ومعروف في علم النفس أن الناس الذين يشوهون صور الوجوه المنشورة في الجرائد والمجلات بالقلم أشخاص يعانون من عقدة نقص وحقد تجاه الآخرين، فهل أرادت المؤلفة تشويه الجميلة الفاتنة التي ينبهر بها الناس كنوع من الانتقام؟

قلت لنفسي أقرأ للنهاية وأرى، ويا لهول ما رأيت في هذه الرواية، الناس كلهم في الرواية يقتل كل منهم الآخر، الكل قاتل ومجرم، لا يوجد في الدنيا إنسان بريء.

ستجد في الرواية شخصية طبيبة متزوجة من مؤلف روائي، المؤلف فاشل ولا يستطيع لهذا السبب كسب المال، فالزوجة هي التي تنفق عليه، انظر كيف كانت اختيارات المؤلفة: المؤلف الذكر فاشل، الزوج عاجز عن الكسب، والزوجة لأنها امرأة هي الناجحة وهي التي تنفق على البيت.

بطل الرواية الناضج سنًا تقع في حبه فتاة صغيرة، وتصر الفتاة على حبه رغم أنه يرفض أن يبادلها الحب، لظنه أنها صغيرة وقد تندم لاحقًا بسبب فارق السن، المؤلفة تعود لتشويه الفتاة الصغيرة كما شوهت الفتاة الجميلة ومزقت بدنها تمزيقًا، وهذه المرة بأن تجعل البطل يكتشف أن الصغيرة قاتلة وهاربة من جريمة قتل، وكأنها تقول لكل رجل يعجبه الجمال والصبا في النساء أنت مغفل فهي أشياء خادعة وزائلة ولا قيمة لها.

تدمير الدين والأخلاق في الرواية

رجل الدين في الرواية يتصدى لإباحة الإجهاض ويحاول منعه لأنه حرام، ولأن المؤلفة تؤيد الحمل من سفاح ومن ثم الحق في الإجهاض، فلا بد من تشويه رجل الدين الذي يقف ضد الإجهاض، وذلك بأن تجعله يغوي فتاة في سن حفيدته، حتى تحمل الفتاة منه سفاحًا، فيصمم على إجهاضها حتى لا ينفضح.

عندما ترفض الفتاة الإجهاض يضطر رجل الدين لقتلها، رجل الدين في الرواية يغوي الفتاة الصغيرة ويزني بها فتحمل، ويصر على إجهاضها وهو الذي يحارب حق الإجهاض في العلن! إذًا فالدين نفاق وكذب ورجل الدين غشاش وزانٍ وقاتل وغاوٍ للقاصرات، وليس هذا فقط ،بل ويحاول إلصاق تهمة الزنا بالفتاة وحملها وقتلها بغيره.

إنها في الرواية تحاول تدمير الدين نفسه في شخص رجل الدين، وتشوه المؤلف الرجل وتجعله فاشلًا عاجزًا عن الإنفاق على بيته لأنها مؤلفة امرأة، هي كذلك جعلت كل الأغنياء في الرواية قتلة ومنافقين ومجرمين، وكل من في الرواية قاتل، وهذا غير واقعي لكنه أيضًا يناسب نهجها في تصفية الحسابات حتى مع البشرية نفسها، الأمثلة على تصفية الحسابات في الرواية كثيرة جدًا لدرجة لا يمكن أن يتسع لها مقال.

رواية رجل الطبشور تكشف عن حياة س. تيدور

 

رواية رجل الطبشورعندما قرأت عن الكاتبة نفسها وجدتها في الخمسين من العمر تقريبًا، غير جميلة، حديثة الشهرة، وكانت قبل عملها في التأليف مباشرة تعمل “ممشاة كلاب”، يعني أن تمشي بالكلاب للناس مرتين في اليوم مقابل أجر، وهي مهنة فيها كثير من الإذلال، فكانت بائسة جدًا، وغير متزوجة لكن لها رفيق تعاشره دون زواج وتنجب أطفالًا من سفاح، وملحدة.

إذا جمعت كل هذه الصفات ستكتشف لماذا رسمت روايتها على هذا النحو من تشويه الدين والقيم الأخلاقية، وتشويه الجمال والشباب وتشويه الأغنياء، وانتقاد الحياة الزوجية السوية، والتقليل من شأن الرجل ونصر المرأة عليه، وإظهار الجميع على أنهم قتلة ومجرمون، إنه باختصار أدب تصفية الحسابات، وياله من أدب!

مقالات ذات صلة: 

هذه القصة المزورة تحب أن ترددها النساء

لوحة نيلية أسطورية

المرأة بين الأسرة والفكر الغربي

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ . شامخ الشندويلى

الشاعر والكاتب والسيناريست المعروف