مقالات

رمضان في كهف أفلاطون

رمضان في كهف أفلاطون

خرجت علينا كل وسائل الإعلام بإعلان حالة الطوارئ منذ أشهر معدودة، فقد جاء رمضان أخيرا، وتتسابق القنوات التليفزيونية فيمن سيتمكن من جذب أكبر عدد من المشاهدين لديه، يتبارى جميعهم بمكاسب ظهور النجوم على منصاتهم أملاً في كسب المشاهدين الصائمين. كما تتضمن الخطة أيضاً برامج تحث على الطاعة والتقوى فى شهر رمضان الفضيل.

صورة نمطية اعتدنا عليها فنقضي نهارنا بين المشاحنات في الحصول على الريموت واختيار البرنامج أو المسلسل المفضل بنظام متفق عليه وضعت خطته منذ الليلة التى تسبق رمضان ، فعلى هذه القناة في هذا التوقيت هذا المسلسل، وفي هذا التوقيت هذا البرنامج، فتنشأ المشاحنات بين أفراد الأسرة للالتزام بهذا النظام، وقد يصل الأمر إلى أن من له سلطة القوة يفوز في النهاية بوضع أسس هذا البرنامج، حتى ينقضي الشهر بسلام دائم لمدة 30 يوم بمعاهدة غير مكتوبة أفرزت جمع أكبر قدر من هذه الأعمال.

يصاحب هذا حالات طوارئ أخرى هى التسابق في الطرقات والأسواق للإفراط في شراء متطلبات أصبحت ذات طابع رمضاني لا ينقضي الشهر إلا بتوافرها.

وإذا طرح شخص ما سؤالاً عن لماذا حالة الطوارئ؟ ستجد النظرات المتتبعة لك المستغربة عن اعتبارك من كوكب آخر أو أنك فاقد لعامل الوقت لتدرك هذا الشهر!
لنعترف أن السؤال عن هذا الأمر ليس باليسير، فالحمى الرمضانية صارت متجذرة فى شعوبنا والتخلص منها يعتمد في الأساس على قوة الإرادة تماماً كمن يقلع عن التدخين، سنواجه شهوة إعلان الطوارئ المنتسبة لرمضان كما نواجه شهوة الرغبة في التدخين في مجتمع مدخن، أو من سكن كهف اعتاد فيه على ظلام جنباته ثم خرج منه أخيراً، الأمر في مجمله يحتاج للتدرج وفهم ووعي كبيرين للخروج من كهف ربط شهر رمضان بمظاهر مادية فقط لإدراك قيمة الشهر روحياً.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كان للفيلسوف اليوناني أفلاطون أسطورة أسماها “أسطورة الكهف” تعتمد في أساسها على مجموعة من الأشخاص قد نشأوا في مجتمع بنمط حياة كان الأفضل باعتقادهم، حتى انكشفت الحقيقة لدى أحدهم بكونهم ضحايا اقتصار معارفهم على خيالات تنطبع صورها على كهف موحش زينته هذه الصور الكاذبة. مجتمع الكهف تكون من مجموعة أناس مقيدي الأيدي وخلفهم حلقة نار لتنطبع صور الخيالات أمامهم.


ولمزيد من التوضيح لأسطورة الكهف  https://www.youtube.com/watch?v=qXQgcqnjj8Q

والكهف الذي نعيش فيه اليوم هو كهف وهم الحرية والاعتقاد بالاختيارية في الحياة، وإنما الواقع هو أننا بداخل كهف أفلاطون التي زينت جدرانه حتى تغافلنا عن حقيقة العيش بداخله واعتادت حياتنا على قيوده دون الأمل بالخروج منه في يوم من الأيام، والأسوأ هو مقاومة من اهتدى للخروج منه.

عندما وضع أفلاطون أسطورته قد افترض أن هناك ناجين قد رأوا ضوء الحقيقة الواضح بعد ظلام الكهف وشهدوا الصدمة الأولى من خداع الوهم، وعندما عادوا لإنقاذ زملائهم وجدوا أنفسهم قد اتهموا بالجنون أو بهدم الموروثات والتضليل أو قد يحكم عليهم بالإعدام كما حكم على أستاذه سقراط الذي حاول هداية الشباب من كهوف المضللين من طبقة “السفسطائين”.

إن خروجنا اليوم من الكهف هو أصعب بكثير من عصر سقراط وأفلاطون، فمغريات البقاء بداخل الكهف أقوى وأكثر جذباً من حقيقة ضوء عالم ما خارج الكهف، والمسئولية أكبر على من أدرك هذه الحقيقة وآمن بدوره في توعية مجتمعه، فأدرك بنظرة لاهثة وأنفاس متقطعة بعد أن اجتاز هرباً حلقة النار –كما هو موضح بالرسم- وشعر بنسيم الحرية على فتحة الكهف، أدرك مدى خدعة البقاء في هذا الكهف ومدى سعادته الوهمية ، سعادة زائفة تأججها نار احتياجاته الجسدية فقط من ملذات وشهوات، وبالتالي تسافلت إنسانيته وانغمس أكثر في الخدعة.

فيخرج وقد نفض غبار الخدعة وتحرر من عبودية سعادته الزائفة، ليصل لمفهوم السعادة الحقيقي بالكمال الروحاني مع احتياجات جسده المادية، فلا يعتقد أن السعادة فقط في شراء ما يفيض عن حاجته، أو في مجتمع الشوبنج والإصراف ببذخ.

وسيقتنع بعد تنسمه بضوء الحرية وتحرره من أغلال الكهف، أن لشهر رمضان قيماً روحانية بعيدة تماماً عن حالة طوارئ كهف الظلام ورسم الصورة النمطية عنه بالأعمال الفنية فقط والانصراف عن الرسالة الروحانية الحقيقية عنه، والمبالغة في شراء المأكولات والمشروبات والتسابق في إعداد أكبر الموائد لها.

إن دور المثقفين والمفكرين أن يدعو شعوبنا إلى الالتفات لقيمة الإنسان الحقيقية وأن روحه أقيم من جسده وأن هناك من يعرض عليه أعمالاً براقة بهدف أن يبعده عن السعادة الحقيقية.

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

 

أحمد صالح

عضو فريق مشروعنا فرع القاهرة