مقالاتفن وأدب - مقالات

يا بُنَىّ اسمع مني هذه النصائح حتى تجد سبيلك في الحياة!

يا بُنَىّ .. كنا ننتظر مجيئك، جئت إلينا وكنت الأمل الوليد من جديد، كنت شيئًا رائعًا وإضافة شديدة الجمال في حياتنا

كان مجيئك شبيهًا بنسمة هواء منعشة في جو حار شديد الرطوبة، كنت نفحة مريحة تلمس قلوبنا كلما نظرنا إليك.

لقد كبرت يا بُنَىّ ومرت سنوات عدة، رأيتك وأنت تنمو وتتحول من طفل صغير الحجم إلى شاب ناضج ويافع، لقد تغيرت كثيرًا وأصبحت كفؤًا الآن لتدير حياتك بنفسك وتخرج وتجول وتتعلم وتتشكل ظروفك وخبراتك ومستقبلك. شيء وحيد لم يتغير، شيء لا زلت أراه منذ ولادتك ويؤرقني دومًا، عيناك يا بُنَىّ..

عيناك الحائرة والتي طالما تتبعتها وتتبعت نظراتها لعلّي أفهم سببًا لحيرتها ولعلّي أجد ما يزيد استقرارها ولو للحظة، ولكني فشلت، كل ما في يدي الآن هي تلك الكلمات، أقسم لك يا بُنَىّ أنها كل ما أستطيع تقديمه لك الآن.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

يا بُنَىّ:

نعم هذا العالم قاسٍ وملئ بالفساد والظلم، ولكن به جمال أيضًا لمن أراد أن يراه، لا تكن من أولئك المحبطين دائمًا والمتشائمين، فهم بإحباطهم هذا وتشاؤمهم قد أختاروا الطريق الأسهل، فما أسهل على الإنسان من #الاستسلام والترك والخضوع، واعلم أن هذا الفساد والضياع إنما نحن السبب الأول والأساسي فيه، فالتكاسل والخمول واستباحة التعدي على حقوق الضعفاء والسير في النمطية الاستهلاكية دون تحديد الغاية وغلب الهوى على الحق، إنما هو من اختيارنا ومن ضعفنا نحن. فلا تكن سلبيًا #يا_بُنَىّ، فتلك صفة الضعفاء، ضعفاء النفس والعزم، والقوي من حلم بالأفضل ثم قام وسعى له.

ولكي يصبح طريق السعي ذاك ممهدًا، فعليك بإصلاح نفسك أولا، نفسك التي بين جبينك، فلتربّها على الفضيلة والأخلاق واللجوء الدائم إلى الله. حاولت أنا ووالدك ترسيخ ذلك فيك ولكن إن لم تساعد نفسَك فلن يستطيع أحد مساعدتك.

الله

بدون الله يا بُنَىّ لن تذهب إلى شيء، ولتعلم أن أي طريق إن لم يوصلك إلى الله فهو طريق الشقاء. ثم عليك بالبذل، بذل المجهود والأخذ بكل الوسائل النزيهة المتاحة، فهذا الكون مصمم بقوانين ثابتة لا تتغير، بل لا يصح أن تتغير لأن بتغييرها ستفسد الحياة وتفتقد أساسها، فإن سرت تبعًا لتلك القوانين فستُيسَّر للوصول وستدنو من الهدف.

لقد بذلنا أنا ووالدك ما بوسعنا لنوفر لك محيطًا ملائمًا لنشأة نفس سوية، بالطبع هناك تقصير منا يا بني، ولكني أقسم لك أنه غير متعمد منا أبدًا، فلا يوجد إيثار أكثر عمقًا وإخلاصًا من إيثار الأب والأم لأولادهم.

سامحني يا بني إن فعلت شيئا ما صعّب عليك المسير، سامحنى إن كان هناك جانبٌ مميزٌ بك ولم نكتشفه، أو إن كانت هناك غرفة مظلمة داخلك تنتظر منا جهدًا لتنير، سامحني إن ابعدتك عن فرص كانت ستزيد من مهاراتك.. اعذرني إن طغت عليّ نفسى يومًا وتوهمت أنك ملكٌ لي وأجبرتك على فعل شيء لا يناسبك ولا يناسب إلا هوى نفسى.. اعذرنى إن عاقبتك مرة بدون نظرة شاملة ومنصفة للموقف، اعذرنى إن لم استعن بالله بالقدر الكافي لأكون أمًا صالحة..

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اعذرنا يا بُنَىّ إن كان هناك تعليمٌ أفضل مما قدمناه وأتحناه لك ولم نفعل، أذكر جيدًا تلك المدرسة التي كانت تبعد مئات الأميال ومنعناك عنها وفضلنا تلك القريبة من المنزل رغم أنها كانت ذات مستوى تعليمى أقل، ولكن كنا نعيش في حي يفتقر إلى الأمان وكانت حوادث اختطاف الأطفال تتردد على سمعي دوما آنذاك وكنت أحلم بها كل ليلة. اعذرني إن قصرنا في إحضار ما تشتهى نفسك من الطعام والألعاب بإستمرار، فكان والدك يمر بضائقة مالية بين الحين والآخر، وكنت صغيرًا لا تعي ذلك.

لو تعلم يا بُنَىّ كم كان #جهاد النفس صعبًا لمواجهة تلك الحياة والخوض فيها ومحاولة النجاح في الحفاظ عليك وعلى البيت وتأدية الدور المطلوب مني أمام الله ومقاومة كل سبل الفشل والفساد، لو تعلم كم كان الطريق مرهقًا لعذرتني ولو قليلًا. ولكني بشر، أخطئ وأصيب في رحلة الوصول إلى الكمال. حاول أن تنظر إلينا بعين الرحمة وأن تكون منصفًا في الحكم، ولترَ أن هناك الكثير بذلناه ليس تفضلًا منا عليك ولكن واجبًا ومسئولية والتزامًا بأمانة أعطاها الله لنا لنرعاها ونساعدها في الوصول إلى أفضل أحوالها لتدرك وتعي وتفهم، فلا تستهن أبدا بتلك المهمة، فتنشئة نفس وروح وجسد جديد جاء إلى هذا العالم ليس سهلًا أبدًا.

وصايا ثلاث

أوصيك بثلاث يا بنى: العلم، العمل، الصبر.. إنهم الثلاثى المترابط، إن حرصت عليهم فسيكونون لك خير عون وقارب نجاة يحملك طوال طريقك بأمان. وكمال #العلم هو العلم بالله، وكمال العمل هو العمل لله، وكمال الصبر أن تصبر وأنت مبتسم الوجه والقلب. كن طالبًا للعلم دومًا، فالعلم لا ينتهي وسترى من خلاله الكثير الذي سينير لك طريقك ويرشدك إلى الحياة بشكل سليم. ولتأخذ من مختلف أنواعه وتحديدًا ما يساعدك على فهم نفسك والتحكم بها وتنمية مهاراتك وخبراتك لتكون فردًا مفيدًا ومنتجًا.

وبالطبع الاكتفاء بالعلم للعلم فقط لا ينفع، فعليك بالعمل وفقًا لما تعلمته ومطابقًا له، ولن تستطيع العلم والعمل إلا بالصبر، ولن تصبر إلا بتهذيب نفسك وإصلاحها وتنقيتها من دنايا النفس والشر.

وأخاف عليك من ثلاث فتجنبهم: الفراغ، الصحبة، العُجب.. الفراغ أسوء قرين، إن سمحت له بالدخول إلى حياتك فسيقلبها رأسا على عقب، فاشغل نفسك بما هو مفيد دومًا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

والصحبة يا بنى.. لا الأصدقاء فقط وانما الزوجة أيضًا، جميعنا نحب الصحبة ونسعد بها ولا أحد يريد أن يمكث حياته وحيدًا، كلنا نأنس بالصحبة وبقضاء اللحظات الجميلة معهم ونشاركهم ما يصعب منها ليكونوا لنا سندًا لاستكمال الطريق، فلتحرص على أن يكون أصدقاؤك وزوجتك عونًا لك ولتحسن اختيارهم.

ولا تكن أبدًا معجبًا بنفسك وبأفعالك، فكل ما بك من جمال فهو من فضل الله عليك، العُجب يا بنى كالسوس ينخر في النفس حتى يفسدها مهما كان بها من جمال، وسيعميك عن رؤية عيوبك الموجودة حقيقةً وبالتالى لن تسعى لإصلاحها، وهذا بداية السقوط ونسيان الهدف من الوجود والخروج من رحمة الله.

اهتم بحياتك يا بنى، إنك لم تأتى إلى هذا العالم لتلهو وتلعب وتنام وتموت دون فعل شيء. إنك من صنع إله عظيم ولك دور لا بدّ وأن تكون مؤهلًا لتؤديه بأفضل صورة ممكنة له، وإن كان هذا العالم مليئا بالسوء، فقد حان الوقت ودقت ساعة العمل.

كن لي عونًا يا بنى، وعونًا لوالدك، نعم أنك كبرت ولكننا أيضا كبرنا، وتقلصت طاقتنا وأصبحنا نجد صعوبة في فعل الأشياء البسيطة، أجسامنا تستعد للفناء ولا شك أننا أصبحنا أقرب إلى النهاية، نهاية الرسالة والتكليف من الله لنا، البطولة يا بنى أن تصل إلى نهاية تكليفك وقد بذلت كل ما بوسعك وأفنيت أغلى ما تملك روحك ونفسك في سبيل تأدية تلك الرسالة على أكمل وجه تطيقه.

هذه الحياة يا بنى أبسط من أن تحمل لها همًا، وأعظم من أن تستهين بها وبجهادها. إنها كقيادة سيارة، القيادة ذاتها ليست صعبة ولكن الصعوبة تكمن في خوض الطريق وسط الناس دون تصادمات مُهلكة، وبدون أذى، تعرف متى تضغط على الوقود لتسير ومتى تزيد سرعتك ومتى تهدئ السرعة لتتفادى خطرًا محققًا، تعرف متى تضغط على المكابح لضرورة التوقف، والأهم من السير هو تحديد الوجهة حتى لا تضيع في الطرق المختلفة أو أن يقودك أحد غيرك إلى وجهة لا تريدها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كن سائقا منتبهًا واعلم أن الأهم من الوصول هو أن تكون سائرًا في الطريق الصحيح.

واعلم أنك بدون الله لا شيء.. يا بنى

#جهاد_التربية  #فضل_الوالدين  #السعى  #الطريق_الصحيح  #الرسالة

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

#بالعقل_نبدأ

هبة علي

محاضر بمركز بالعقل نبدأ وباحثة في علوم المنطق والفلسفة

مقالات ذات صلة