مقالاترياضة - مقالات

دواعش الكرة … عندما يكون التعصب الرياضي هو الأصل

حينما تصل لعبة الكرة بنا إلى التطرف!
“إخواتنا التوانسة نتمنى إنكم تخطفوا مشجعين الأهلي علشان شبعنا من وساختهم في مصر”
“يوم 9 نوفمبر هو يوم غضب الترجيين… رسالة إلى الأمن لا تقترب منا؛ فنحن في قمة الغضب”
“الحرب في ملعب رادس لن تكون مع الأمن ولكن ضد “أهلاوائيل”، هو يوم العنف والثأر والمشجع اللي جاي يشجع بس يقعد في بيته أحسن، إحنا هننتقم”
“لا أشجع الترجي ولا الأهلي فهم أقذر فرقتين في إفريقيا، إن شاء الله الملعب ينفجر بيهم ونخلص منهم هم الاتنين”
“أيوه يا بوابيين إحنا بنحب المكسب الحرام، ونصيحة للترجي لو قربتوا لجمهور الأهلي ، فيه لاعيبة توانسة في فريق البوابيين هيرجعوا لكم في توابيت”…

عينة بسيطة من سيل تعليقات تنضح بالكراهية والغل والسواد وعمى البصيرة والتشفي والانتقام بسبب مباراة كرة قدم، كرة القدم التي كانت فكرتها بالأساس قائمة لكي تتقارب الشعوب!! بل إن شعار الفيفا الذي ينزل إلى أرض الملعب قبل نزول اللاعبين هو
“fair play”
الرياضة التي تهذب النفوس وتسمو بالمنافسة الشريفة بمحاربة الغش والخداع وكل خلق منحرف، باتت أرضًا خصبة لزرع العنف والكراهية وتأجيج المعارك القميئة بين الأفراد والشعوب من أجل انتصارات في لعبة!

تعليقات ومواقف جعلتنا نعيش في أجواء تشبه إلى حد قريب مباراة الأهلي والمصري البورسعيدي والتي راح ضحيتها 74 شهيدا!!
ولكن الغريب هذه المرة أن التحريض بالقتل والتلويح بالدماء على صفحات التواصل الاجتماعي -حتى ولو كلاما- وصل لحالة غير مسبوقة من التطرف والإرهاب، ليس من مشجعي الألتراس فحسب ولكن من مثقفين وإعلاميين ورياضيين وشباب مؤمن بقضايا وطنية وإنسانية، وهذا من الغرابة بمكان أن تستمع إلى الرجل فتجد منه العقل والفطنة والكياسة في السياسة والأدب وحقوق الضعفاء، فإذا شاهدته يتحدث في الكرة، تجد أمامك داعشيا كرويا، شعاره بكل وضوح وبغير خجل “كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر”!

حتى أن أغلب المنتمين كرويا يتحدث بكل ثقة توحي لك بأن منطقهم أقرب إلى البديهيات، يقولون لك بأن الكرة كده في العالم كله، إنت اللي مش فاهم، سلوك المشجعين في العالم كله واحد، مش بيتعاملوا بحسابات المنطق والحياد والموضوعية لكن بيتعاملوا بمنطق المحب اللي مش بيشوف أي عيب في حبيبه ولو شاف العيوب دي في أي وقت بيشوفها مميزات، مفيش في الكرة صح وغلط، مفيش في الكرة حرام وحلال، مفيش في الكرة أخلاق ومثل، فاللاعب الذي يخدع الحكم ويقطّع فانلته مشتكيا من عنف المنافس هو لاعب ذكي، ومن يضرب الخصم بدون كورة ويؤذيه بدون أن يراه الحكم هو لاعب صايع بيعرف يخدم فرقته ويفرح جمهوره، هوّ التشجيع في العالم كله كده! انتوا لماليم وإحنا بوابيين، بس علشان إحنا مؤدبين فإحنا بنّورّ الكشافات في الدقيقة عشرين والدقيقة أربعة وسبعين، بس بنرجع نسب بعدها ملة ودين، وأنا كمشجع لو ما حتقرتش المنافس وحرضت عليه أتحرق!

أعرف أصدقاء ليسوا بالقليلين تتمنى صحبتهم وأن تسبر أغوار عقولهم من فرط فطنتهم وجمال حديثهم، ولكن ما إن يتحدثون في الكرة حتى ينقلبوا إلى مسخ لا يفقهون غير لغة السف والتحفيل والكيد والهمز واللمز والنفاق والتطبيل، كنت أقول لنفسي لعلّ هذا هو حالهم في الكرة فقط وهم تعودوا على ذلك فيما بينهم، ولكن بعد أن وجدت الخصام بينهم يدب، و”البلوك” على مواقع التواصل ينهمر، فأيقنت أنها منتنة، هي دعوة جاهلية يشترك فيها الرجال والشباب والبنات، أفهم أن الإنسان بطبعه يحاول أن يكون له أي انتماء، أو أن يجد المواطن المطحون فرحة بانتصار فريقه تبرد به نيران حياته وتُسكّر علقم أيامه ولياليه، لكن أن تمر على مقهى فترى شبابا يخرجون بعد انتهاء مباراة وقد خسر فريقه المحلي أو الأوروبي كأنهم يساقون إلى الموت وهم ينظرون، فهذا هو التطرف والانحراف والتعصب بعينه، فإذا مازحت أحدهم وقتها ينظر إليك عابسا مقطبا جبينه، وعنوان عينيه وصمت فمه يغنيك عن كلامه “كيف أضحك وفريقي مهزوم؟!”

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إننا نحب الكرة ونحب الرياضة بشكل عام، نحب أن نمارسها ونحب أن نشاهد منافساتها، لكن أن تتحول الملاعب لساحات سب ولعن ، وأن تتحول المدرجات لمسرح للجرائم والاشتباكات، وأن يتحول التشجيع للسف والتحفيل والمعايرة والتنابز بالألقاب والكرْه والتعصب المقيت وخسارة الأصدقاء، فهذا ما لا يقره عقل ولا دين ولا إنسانية ولا طفولة حتّى!

اقرأ أيضا :

صفقة القرن واتجاه العالم .. حول كرة القدم وما تشكله لنا من أهمية!

راموس ومحمد صلاح – عقدة النقص والتحايل على المنطق – هل هي مؤامرة ؟

السياسة والرياضة – هل نستطيع خلط الرياضة بالسياسة ؟ وما علاقة الفكر بالسلوك ؟

أحمد السيد

بكالوريوس تجارة
خريج معهد إعداد الدعاة بوزارة الأوقاف
باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة