مقالاتعلم نفس وأخلاق - مقالات

إذا كان هناك معرض للعمل النادرة، سنجد الكثير من الأخلاق هناك!

سوء الخلق

 انتشر في مجتمعنا في الفترة الأخيرة سوء الخلق وأصبح من الغريب أن نرى أُناسًا يتصفون بحسن الخلق. كأنهم عملة نادرة، ويتبين لنا سوء خلق أفراد مجتمعنا من أقوالهم وأفعالهم، والفعل أقبح من القول؛ لأن القول من الممكن ألا يلقي المتلقي له اعتبارًا، بينما الفعل يؤثر على المتلقي تأثيرًا في غاية الصعوبة أن يزول.

ولما كان انتشار سوء الخلق -لأنه يلقى قبولًا عند البعض- نابعًا من تحكم القوة الشهوية على العقل وأيضًا تحكم قوة الغضب على العقل- كما سنرى لاحقًا في المقال- ، فنرى الإنسان الذي يريد أن يؤذي غيره بالفعل أو القول وبدون سبب، يفعل ذلك بدون تردد لأنه لا يوجد شيء يرده عن ذلك، لا عقل يتحكم فيه ولا مجتمع يُقبح هذه الأفعال والأقوال.

فإن رأينا مثلًا أحدًا قد تلفظ بقول سيء غير مألوف عند الكثير نلاحظ أن هذا القول ينتشر ثم نرى آخرين يتلفظون به، ويبدأ هذا القول في الانتشار سريعًا كالنار في الهشيم من دون أن ننظر إلى سوء ذلك القول وإلى أي مدى سيؤثر على الآخرين، وإن رأينا أحدًا يسب غيره فنرى المتلقي يرد عليه هذا القول بأضعاف مضاعفة! لا أن يعفوا ويصفح مثلًا! وإن رد عليه بسُباب مثل الذي سُبَ به فسَيُصبح مثله ويكتسب سوء الخُلق.

حسن الخلق صار عملة نادرة

غاندي يقول “إذا قابلت الإساءة بالإساءة فمتى تنتهي الإساءة” ، ويقول الكاتب الروسي تولستوي “عظمة الرجال تقاس بمدى استعدادهم للعفو والتسامح عن الذين أساءوا إليهم”. وإن تشجع أحد ونصحه بألا يتلفظ بمثل هذه الألفاظ ، فيتم الرد عليه “انت هتعملي فيها محترم!” أو “ما الناس كلها بتشتم!”. إذًا مع انتشار القول السيء واعتياد الناس عليه أصبح من الغريب أن نرى إنسانًا حسن الخلق فلا يتلفظ كما يتلفظ غيره من أقوال سيئة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أما من ناحية الأفعال فبشكل عام نرى الاعتداء على الغير كثيرًا سواء بالضرب غير المبرر، ولا نرى أحدًا يردعه -إلا قليلًا- تحت شعارات كثيرة من أمثلتها “وأنا مالي!” أو “لو تدخلت أنا ممكن أتأذى!” أو “كل واحد حر!”. ونلاحظ أن رد الفعل من المتلقي على الفاعل من الممكن أن يقتله! أو يضربه ضربًا مبرحًا. مثال آخر هو التحرش الذي أصبح للأسف حادثًا غير صادر من إنسانٍ واحدٍ! بل رأينا أُناسًا يتشاركون في هذا الفعل، وما أقبحه من فعل، والأقبح من ذلك أننا نُبرره! فمثل هذه الأفعال القبيحة لا تُبرر أبدًا.

والأمثلة الجزئية كثيرة من أقوال وأفعال للأسف الشديد نحتاج أيام ومقالات عديدة لكي نُحصيها، فهل لهذه الدرجة أصبح المجتمع سيئًا؟ وهل نتركه يتمادى في هذا السوء؟ وهل نكتفي فقط بالقوانين التي من المفروض أن تردع معظم هذه الأفعال –وفي حقيقة الأمر لا تردع أبدًا-؟ وكيف نردع تلك الأقوال والأفعال التي هي في غاية السوء؟

إذًا كيف نعالج سوء الخلق الذى تفشى في مجتمعنا؟

يجب علينا أولًا أن نعترف بأن غياب الوعي والجهل هو السبب الحقيقي لسوء الخلق، لأن فعليًا الجهل هو أصل الشرور، فالعلاج ينقسم إلى علاج معرفي وعلاج سلوكي، العلاج المعرفي بأن يعرف الإنسان حقيقة وجوده فهو مخلوق ليتكامل أو يسد ويشبع النقص الذي فيه، وأن أي قول أو فعل نابع من سوء الخلق يؤدي به إلى التسافل أو يزداد نقصًا أكثر مما هو عليه، فيعرف أنه في طريق عكسي يضر نفسه ويضر غيره، ويعرف أن الأخلاق الحسنة لن تأتي إلا بسيطرة عقله على شهوته وغضبه فيكتسب من الشهوة العفة ويكتسب من الغضب الشجاعة.

وأن تكامل الإنسان ومعرفته للحق وعمله بالخير كل ذلك من العقل، أما التسافل وابتعاده عن الحق وقربه للباطل وعمله بالشر فكل ذلك من شهوته وغضبه، فكل قول أو فعل اختياري نابع من إرادة الإنسان وقدرته يكون سببه بالحصر العقلي إما الطريق الأول فيسيطر عقله على شهوته وغضبه، وإما الطريق الثاني فيلغي عقله ويتبع شهوته وغضبه، فعليه أن يختار بينهما فهما طريقان لا ثالث لهما.

العلاج السلوكي

والعلاج السلوكي أن يبتعد عن كل ما يحفزه أو يتسبب في الأساس في التلفظ بقول سيء، وأن يُذكر نفسه دائمًا بمدى الضرر الذي يقع عليه وعلى غيره، وأن الصبر والعفو عن الإساءة كل ذلك من الخلق الحسن، وإن لم يتحكم في غضبه تمامًا ورد الإساءة فتكون على قدر تلك الإساءة وليس أكثر منها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كذلك في الأفعال فيجب عليه ألا يتباهى بقوته ويعرف أنه في الحقيقة ضعف محض، وأن تلك القوة عارضة عليه وليست من ذاتياته، ويجب عليه أيضًا أن يغض بصره لكي يكتسب العفة التي هي فضيلة الشهوة وأنه لن يستفيد شيئًا من التحرش؛ لأنه يؤذي نفسه ويؤذي غيره بل ويؤذي المجتمع كله وبأنه بذلك الفعل يخرج عنه كونه إنسانًا إلى حيوان بلا عقل يتبع شهواته ورغباته فقط.

والعلاج يأتي بالمداومة والاستمرار، وأحيانًا يكون هذا العلاج ثقيلًا على النفس؛ لأنه يكون عكس شهواتها، لكن إن تذكر دائمًا بأن ذلك هو الطريق للتكامل الحقيقي، والذي يكون باكتساب الخلق الحسن فلن يكون ثقيلًا على نفسه، لأن الأخلاق الحسنة هي حقًا التي يجب أن يسعى الإنسان إلى اكتسابها ويُجاهد نفسه للحفاظ عليها، فبذلك فقط يصبح المجتمع أفضل وكذلك الأفراد.

اقرأ أيضا:

 أخلاقيات العمل .. كيف ننمي الأخلاق داخل بيئة العمل!؟

من العجب إلى الحب.. كيف نطهر قلوبنا من الغرور بالحب ؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

حوادث مؤسفة تكشف لنا أحوال المرأة في المجتمع الغربي – الغرب ليس جنة

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

خالد حسام

عضو فريق مشروعنا بالعقل نبدأ المنصورة

مقالات ذات صلة