مقالاتعلم نفس وأخلاق - مقالات
خطيئة التحرش
إذا جاز لنا أن نطلق على التحرش لفظ خطيئة فهو خطيئة بالفعل بجانب الخطايا الكثيرة الموجودة في مجتمعاتنا والتي نعاني منها ويدرسها علم الاجتماع ليتوصل لحلول تساعد المجتمع في القضاء عليها، والتحرش ظاهرة تستشري يوما بعد يوم ونرى منها أشكال متعددة منها بالقول والفعل وهو في حالة تتطور إلى الأسوأ.
وعندما يتحرش أطفال في المرحلة الإعدادية بمُعلمة كُلِّفت بمراقبة هؤلاء التلاميذ أثناء آدائهم للامتحان تحرشوا بها ومعذرة قاموا بلمس أماكن حساسة بجسدها ليشغلوها أثناء ما كان زملاؤهم يقومون بالغش، فما كان منها إلا أن صرخت ولكن لا مجيب ولا منقذ، حتي شاهدت زميلة لها هذا الموقف وهرعت لطلب النجدة لزميلتها المُتحرَّش بها، الأمر الذي حسمه القضاء فيما بعد بتفسير هذه الظاهرة في حيثيات الحكم فيما يشاهده هؤلاء الصغار من أعمال سينمائية تعظم لديهم البطل البلطجي وما يقوم به من أعمال البلطجة والتي كانت السبب في جرأتهم الغريبة التي كانت وراء فعلهم المُشين بمعلمتهم أثناء مراقبتها لهم .
السبب الأساسي للتحرش:
عندما يصل أطفال لهذا الفعل الجرئ فعلينا أن نتساءل من أين لهم هذه الجرأة الغريبة لهذا الفعل؟ التحرش كان موجودا ومن زمن كبير، ولكن في الفترة الأخيرة كثرت حالات التحرش بشكل كبير بالقول والفعل وأنت تسير في الشارع تجد أمام ناظريك الكثير من حالات التحرش بالقول والفعل.
أنت لا تحتاج لمن يحكي لك ولا تحتاج لتقرأ عن حالات التحرش فهي تحدث أمام عينيك ليل نهار، وأنا لا أبالغ؛ كلنا يمشي في الطرقات ويرى ذلك بنفسه، وعلى من يريد أن يرى مهرجان التحرش سيراه في أوقات الأعياد حيث الآلاف والملايين من الشباب الصغير الذي يخرج من أجل صيد ضحاياه من المُتحرَّش بهم، حتي إن المهتمين ينصحون البنات بتجنب الخروج في أوقات الأعياد لما يمثله من خطورة كبيرة عليهم .
ومن العبث أن ينبري غير المتخصصين في تفسير ظواهر اجتماعية تهم المجتمع في إيجاد حلول لها، عندما نسمع من فنان مؤلف لقصص أفلام سينمائية يقول إن التحرش ظهر أول ما ظهر في السبعينيات بتحرش المناصرين لحجاب المرأة بغير الملتزمات بالحجاب حتي يعلمن أن الحجاب يحميهن من التحرش وهذا كلام عجيب يتفوه به غير المختص بالعلوم الاجتماعية. لا يمت للحقيقة بصلة ويبعد المجتمع عن الحل وذلك عندما يتصدر غير المختصين بطرح أسبابهم المذعومة للظاهرة من منطلق الحق في حرية التعبير .
هل من حلول ؟!
التحرش ظاهرة كأي ظاهرة اجتماعية لها من الحلول والتي لا أقول أنها كفيلة بالقضاء عليها نهائيا؛ بل بالتقليل منها إلى حد كبير بالقدر الذي يسمح معه السيطرة عليها. ومن هذه الحلول المقترحة والتي هي على سبيل المثال لا الحصر :-
1:- تطبيق القانون
تطبيق القانون بشكل جدي في مواجهة المتحرش بتطبيق العقوبة المناسبة والشديدة التي تجعله يفكر ألف مرة بعد ذلك قبل ارتكابها، ولقد أعجبني إبداع بعض المتطوعين من الشباب الرافضين لظاهرة التحرش من استخدام “إسبراي” والذي يصعب إزالته لمدة أيام لمن يضبط بالتحرش ورش المتحرش من رأسه لقدمه لكي يُفضح، ويُعرف أنه من المتحرشين وكان هذا التطبيق في أحد الأعياد حيث يكثر التحرش فما بالك بإبداع المشرّعين القانونيين .
2:- المراقبة
مراقبة محتوى الأعمال التليفزيونية والسينمائية من ناحية الألفاظ والأقوال والقصص في المسلسلات والأفلام الموجهة للجمهور، فحرية الإبداع والتعبير تنتهي عند سلامة أخلاق المجتمع وأفراده، ولا يكفي وضع علامة “بلاس 12” أو “بلاس 18” أو ما إلى ذلك، فالممنوع مرغوب وهذا اعتراف من أصحاب العمل السينمائي أو التليفزيوني أنه قد يكون المحتوى غير مناسب وضار في مشاهدته.
3:- نشر الثقافة الرياضية
نشر الثقافة الرياضية والتشجيع عليها وبيان أهميتها بالتسهيل على الشباب وعلى غير الشباب في ممارسة الرياضة بإقامة ملاعب كرة القدم في كل مكان، وفتح صالات الجيم بأسعار مناسبة تتيح للجميع ممارسة الرياضة، وفتح جميع الاستادات لممارسة الرياضة في جميع أنواع ألعاب القوى، كل ذلك من شأنه إشغال الشباب فيما ينفع وإفراغ طاقتهم فيما يفيد،
ولا ننسى تجربة دولة البرازيل التي أخرجت لنا خيرة اللاعبين في كرة القدم والتي كانت الأندية العالمية تتسابق عليهم، فكان شغل البرازيل الشاغل في دائرة اهتماماتهم فتح ملاعب كرة القدم للشباب في كل أنحاء البلاد مما جعل البرازيل ولسنوات عديدة القبلة العالمية لكرة القدم؛ فنجوم الكرة البرازيلية خريجي هذه الملاعب .
4:- إلغاء القنوات الإباحية
عمل كل مايلزم من الناحية التقنية والقانونية لإلغاء القنوات الإباحية من على شبكة الإنترنت ولا يجوز إعطاء مثل هذة القنوات الحرية؛ فهي لا تستحقها وتضر -بشكل كبير جدا- ناشئينا وشبابنا الأمر الذي لا يجوز السكوت عليه .
5:- تسهيل الزواج
على المجتمع الدور الأساسي والهام وهو تسهيل أمر الزواج وعلى الآباء والأمهات عدم المغالاة؛ مما يشكل عجزا للشباب عن الزواج، وإنما يكون شغلهم الشاغل اختيار الرجل المناسب صاحب الأخلاق العليا لابنتهم واختيار البنت الرشيدة العاقلة لابنهم .
6:- علم الأخلاق
والأهم من كل ما سبق هو: علم الأخلاق؛ علينا أن نُفهِّم النشء -رجال الغد- من خلال هذا العلم وبالاستعانة بالفلسفة وبأقوال الحكماء بأسلوب مبسط سهل الفهم أن النظرة المادية للحياة وحدها ليست كافية بل لابد أن يصاحبها نظرة إنسانية ليتحقق التوازن المطلوب؛ فالنظرة المادية أمرًا واقعيًا لايمكن نكرانه؛ فهي جزء من حياتنا المشهود،
ولكن نظرة مادية عن أخرى تختلف؛ فالنظرة المادية المرفوضة والتي لا تمت لعلم الأخلاق بصلة هي النظرة المادية العبثية للحياة اللاهثة وراء المتعة وتحقيقها بأي وسيلة دون اعتبار لمشاعر الآخرين، أما النظرة المادية في علم الأخلاق هي المتعة التي ليست غاية في ذاتها وإنما هي وسيلة لتحقيق الاستقرارالنفسي وتكوين الأسرة،
وبالإضافة إلى النظرة المادية العاقلة يوجد النظرة الإنسانية للآخر فهو مثلي إنسان له مشاعر وأحاسيس يُفرحه ما يفرحني ويسوؤه ما يسوؤني، وأن أضع نفسي مكان المتحرش بها هل كنت أرضى لو تعرضت لهذا الموقف؟ بالطبع لا فلن أرضى للآخر ما لا أرضاه لنفسي .
النظرة المادية العبثية اللاهثة وراء المتعة بلا ضابط ولا رابط هي النظرة الغالبة علينا للأسف الشديد، وأصبحت خطيئة التحرش لاتقتصر على صغار السن والشباب، بل نجد رجالا متزوجين ومتحرشين، وكبارا في السن متصابين ولو كان لعلم الأخلاق كلمة الفصل؛ لانقلب السحر على الساحر في الحال ولكان الحال غير هذا الحال .
الخطيئة الكبرى هي خطيئة التغافل عن الحلول الموجودة بالفعل للظاهرة الخطرة في المجتمع وبدلا من دراستها تمهيدًا لتطبيقها؛ نشغل أنفسنا بالظاهرة نفسها، وتكون محلا للقيل والقال في وسائل الإعلام المختلفة، وتكون عرضة لأن يدلي كل من هب ودب من غير المختصين برأيه فيها مما يزيد الطين بلة .
عندما تخضع ظاهرة التحرش وغيرها من الظواهر الخطرة على مجتمعنا للمختصين سواء في علم الاجتماع وعلم النفس وفي الجريمة والاقتصاد وغير ذلك من التخصصات التي لها علاقة بالمجتمع ومن يعيشون داخل المجتمع فاعلم أن الحلول تكون مضمونة التطبيق والحل.