مقالات

مهمات فايكينج المريخية .. هل وجدت ناسا حياة ميكروبية على المريخ وقتلتها بالخطأ؟!

هل إحنا لوحدنا في الكون فعلًا، ولا في غيرنا؟!

من ساعة ما بدأ الإنسان يعرف إنه على كوكب واحد من ضمن ملايين الكواكب الموجودة في قلب فضاء واسع مالوش نهاية، وهو بيسأل السؤال دا بينه وبين نفسه، وبيحاول يجاوب عليه بكل الطرق، هل فعلًا الكون الواسع دا كله، مفيش غيرنا إحنا بس اللي موجودين جواه؟! ومفيش أي كائنات تانية اتوجدت في أي مكان تاني غير الأرض؟!

من تقريبًا 50 سنة كدا، وكالة الفضاء الأمريكية ناسا أطلقت مجموعة من المهمات لاستكشاف سطح المريخ، اسمها مهمات “فايكينج”، والمهمات دي كان واحد من ضمن أهم أهدافها والأسئلة اللي المفروض تجاوب عليها سؤال هل في حياة موجودة على المريخ، أو كانت موجودة عليه في يوم من الأيام ولا لأ؟

بالفعل المركبات الفضائية اللي هبطت على المريخ في وقتها عملت سلسلة من التجارب عشان تتأكد من الموضوع دا، وكانت الرواية والنتيجة الرسمية اللي خرجنا بيها إننا ما لقيناش أثر لأي حياة، لكن المشكلة بقى إن المعلومات اللي وصلتنا من التجارب دي كان فيها حاجات كتير متناقضة، ولحد النهاردا، نتايج التجارب دي عليها جدل كبير في المجتمع العلمي!

المذهل إن في عالم ألماني طلع من فترة وقال حاجة مش هتصدقها! قال إننا بالفعل لقينا حياة على المريخ في وقت مهمات فايكينج دي، لكننا قتلنا الحياة دي بالغلط، ومقدرناش نستوعب وجودها أو نفسره تفسير صحيح، ودا سبب التضارب في نتايج التجارب اللي حصلت وقتها!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

قال كمان إن المريخ ممكن جدًا يكون عليه حياة لسه موجودة لحد دلوقتي، وصور الحياة دي مستنية إننا نوصل بنفسنا لهناك عشان نقدر نتأكد من وجودها، ودا ساعتها هيكون أكبر كشف علمي في تاريخ البشر!

طب يا ترى إيه بقى اللي حصل في مهمات فايكينج؟ وإيه سر التجارب اللي عملتها ناسا على سطح المريخ؟ وإزاي ممكن تكون قتلت أشكال الحياة المريخية دون قصد، ودمرت أهم اكتشاف للحضارة الإنسانية؟!

كوباية شايك الحلوة والنعناع في إيدك، وتعالى أحكيلك…

شوف يا صديقي، القصة كلها بدأت في منتصف القرن اللي فات، لما برنامج استكشاف الفضاء في وكالة ناسا الأمريكية كان في أفضل عصوره وقمة مجده، ساعتها السباق السياسي مع الاتحاد السوفييتي في مجال استكشاف الفضاء، واللي كان جزء من الحرب الباردة الدايرة ما بين الأمريكان والسوفييت، كان يعتبر واحد من أهم الأهداف اللي لازم ولا بد الأمريكان يتفوقوا فيها، عشان يثبتوا إنهم الأقوى والأفضل.

عشان كدا في الوقت دا، ميزانية ناسا كانت أعلى بكتير من دلوقتي، وكان معاها الضوء الأخضر لإنها تعمل كل اللي هي عايزاه، ودا كان فرصة ذهبية استغلتها وكالة الفضاء، واشتغلت عشان تحقق كل الحاجات اللي كان الإنسان بيحلم بيها، من ساعة ما عرف إن في حاجة اسمها فضاء.

في الستينيات، قدرنا نسافر بره حدود الكوكب أخيرًا، ووصلنا إلى القمر نفسه وهبطنا عليه وخدنا عينات من تربته، في مهمات “أبوللو” الأيقونية الشهيرة، اللي لحد النهاردا بتعتبر واحدة من أعظم الإنجازات العلمية للجنس البشري اللي قبلها بـ50 سنة بس، كان لسه مكتشف الطيران!

بس في بداية السبعينيات، وبعد انتهاء مهمات أبوللو، كان في مهمة تانية عملتها وكالة ناسا، ومخدتش الشهرة الكافية ما بين عامة الناس، بالرغم من إنها كانت لا تقل أهمية عن اللي حصل في مهمات أبوللو، المهمة دي كان اسمها “فايكينج” (Viking)، وهدفها الرئيسي كان الوصول إلى المريخ، والهبوط على سطحه لأول مرة في التاريخ، والبحث عن آثار حياة موجودة على تربته!

بالفعل في أغسطس من سنة 1975، أطلقت المركبة الفضائية “فايكينج 1″، وبعدها بشهر أطلقت “فايكينج 2″، ووصلوا إلى مدار المريخ وهبطوا على سطحه أخيرًا في منتصف سنة 1976، وساعتها، الإنجاز العلمي دا كان واحد من أهم الأحداث اللي بيتكلم عليها العالم كله، واللي كانت شاغلة المجتمع العلمي كله تقريبًا.

بعد لما المركبات هبطت مباشرة، بدأت في تنفيذ قائمة المهمات بتاعتها باستعمال بعض من أحدث الأجهزة والمستشعرات اللي كانت موجودة وقتها، واللي اخترعتها وابتكرتها مخصوص لمهمات فايكينج، وأهم هدف في قايمة المهمات دي، كان عمل بعض الاختبارات على سطح المريخ وتربته، وفحصها بحثًا عن آثار أي حياة عضوية موجودة هناك.

الاختبارات دي يا صديقي كانت متقسمة لأربع حاجات، أول اختبار كان اسمه “مطياف كتلة الكروماتوغراف الغازي” (gas chromatograph mass spectrometer) أو اختصارًا GCMS، ودا كان هدفه الرئيسي البحث عن أي مركبات عضوية أو تحتوي على الكربون في التربة المريخية.

تاني اختبار كان اسمه “تجربة الإطلاق المصنف” (labeled release experiment)، وهدفه كان إنه يدور على أي عمليات تمثيل غذائي بإنه يضيف للتربة عناصر غذائية مشعة، وبعدين يراقب تحللها وما إذا كان هتُستَهلك ولا لأ، والاختبار التالت اللي كان اسمه “تجربة إطلاق التحلل الحراري” (pyrolytic release experiment) كان بيدور على أي عمليات انبعاث للكربون بسبب عمليات تمثيل ضوئي من أي كائنات حية ممكن تكون موجودة في التربة.

الاختبار الأخير كان اسمه “تجربة تبادل الغاز” (gas exchange experiment)، وكان هدفه إنه يدور على أي عمليات تمثيل غذائي محتملة، بإنه يرصد بدقة شديدة التغيرات اللي بتحصل في الغازات اللي معروف إنها مرتبطة بوجود الحياة (زي الأكسجين وثاني أكسيد الكربون والنيتروجين)، حوالين عينات التربة المعزولة عن بعضها.

طب يا ترى إيه اللي حصل؟!

اقرأ أيضاً: هل تم اكتشاف آثار حياة في كواكب المجموعة الشمسية؟!

اللي حصل يا صديقي إن نتايج تجارب فايكينج كانت غريبة ومتناقضة، ولحد يومنا هذا ما زالت بتثير حيرة العلماء والخبراء اللي اشتغلوا عليها!

هتسألني ليه؟ هقولك إن التجربة الأولى والتانية، اللي هما تجارب “الإطلاق المنصف” و”إطلاق التحلل الحراري”، طلعوا نتايج بتدعم فكرة وجود الحياة في التربة المريخية! ودا عشان في كل واحدة من التجربتين دول، بالفعل رصدوا تغيرات طفيفة في تركيز بعض الغازات، بما يعني إن كان في نوع من التمثيل الغذائي اللي كان بيحصل في التربة وقتها!

أما تجربة الـGCMS، فهي وجدت بعض الآثار الناتجة عن مواد عضوية مكلورة (Chlorinated)، أو معالجة بالكلور بمعنى أبسط، لكن ساعتها فريق العلماء اللي كانوا شغالين على المهمة اعتبروا إن الآثار دي كانت في الواقع عبارة عن شوائب جاية من المنظفات اللي استعملوها على المركبة قبل ما تطلع من الأرض، بس بعدها بسنين طويلة بقى لما هبطت مركبات أخرى على سطح المريخ، زي مركبة (Curiosity) و(Perseverance)، أثبتوا إن المركبات العضوية المكلورة دي موجودة بالفعل على المريخ، ومش جاية من الأرض ولا حاجة! ودا طبعًا كان شيء مذهل!

زي ما إنت شايف، الدلائل كلها من الـ3 تجارب دول بتقول إن ممكن فعلًا يكون في حياة ميكروسكوبية كانت موجودة في عينات التربة دي، بس المشكلة بقى واللي نفت الاحتمال تمامًا إن نتايج التجربة الرابعة بتاعت “تبادل الغاز”، واللي كانت تعتبر أهم واحدة في التجارب كلها، كانت بتقول عكس كدا!

دا اللي أدى بمعظم العلماء لإنهم يقولوا إن مهمات فايكينج فشلت في العثور على أي صور حياة على المريخ، خصوصًا إن في سنة 2007، لما هبطت مركبة “فينيكس” (Phoenix) التابعة لناسا على سطح المريخ من جديد، لقت آثار لمركب كيميائي اسمه “البيروكلورات” (perchlorate)، والمركب دا اعتبره العلماء تفسير كاف لنتايج التجارب التلاتة التانية اللي كانت بتدعم وجود الحياة، عشان المشتقات الناتجة عنه كانت قادرة تنتج البيانات اللي لقطتها التجارب دي.

بكدا اتقفلت صفحة البحث عن حياة في المريخ، وارتاح العلماء لإنها مش موجودة، وبدأنا نشوف حاجة تانية نعملها.

لكن في عالم ألماني مكانش مرتاح للنتيجة دي، وبعد دراسة طويلة عملها على نتايج مهمات فايكينج، والأساليب اللي استعملتها في تجارب البحث عن الحياة الميكروسكوبية، طلع باكتشاف مذهل!

الاكتشاف دا إن التجارب اللي صممتها ناسا في مهمات فايكينج، في الواقع أنتجت نتايج غلط ومش بتعبر عن الحقيقة! ودا عشان هما استعملوا مية كتير بزيادة في الكشف عن وجود الحياة، بطريقة ممكن جدًا تكون أدت إلى التأثير على صور الحياة دي، وقتلتها تمامًا!

بص يا صديقي، العالم الألماني دا اسمه “ديرك شولز ماكوتش” (Dirk Schulze-Makuch)، من جامعة برلين التقنية، واللي قاله في بحث طويل نشره واتكلمت عنه مجلة (Big Think) العلمية يوم 27 يونيو اللي فات، إن لو كان في صور حياة ميكروسكوبية فعلًا موجودة في تربة المريخ، فتجارب مركبات فايكينج اللي اتعملت للكشف عنها في السبعينات ممكن تكون أدت إلى تدميرها دون قصد!

طب إزاي؟!

اقرأ أيضاً: اكتشاف أجزاء من كوكب آخر مدفونة بباطن الأرض!

اللي قاله ديرك إن عندنا هنا على الأرض، المية دايمًا مرتبطة بوجود الحياة، ودايمًا بنفكر في إن أي كائن ممكن يعيش ويزدهر لو إنت اديته مية أكتر، بس الحقيقة إن في بعض صور الحياة اللي ممكن تموت لو اديتها مية زيادة، زي مثلًا بعض الأنواع من الميكروبات الموجودة هنا على الأرض في صحراء أتاكاما في دولة تشيلي في أمريكا الجنوبية!

الميكروبات دي في الواقع بتبقى عايشة على صخور بلورية معينة بتبقى موجودة في قلب الصحراء، والصخور دي بتبقى مالحة جدًا، وبتجذب كميات صغيرة جدًا من بخار المية الموجود في الهوا اللي حواليها، وبتعيش عليه، ونفس الصخور دي بالمناسبة موجودة على المريخ، وبتجذب بردو كميات ضئيلة جدًا من الرطوبة البسيطة الموجودة في الجو هناك.

الفكرة بقى إن الميكروبات دي اتطورت على مدار سنين طويلة جدًا على إنها تعيش في الظروف القاحلة دي، وتعتمد على كميات بسيطة جدًا من بخار المية اللي مستحيل إنت كإنسان تقدر تحس بيه أو تستوعبه، ونفس الميكروبات دي ممكن تكون موجودة على المريخ، وتكون بتحتوي على مركبات من بيروكسيد الهيدروجين، اللي هو مركب شائع في صور الحياة على الأرض عمومًا، ولو كانت موجودة بالفعل، فهي ممكن جدًا تكون سبب الغازات اللي لقطتها تجارب فايكينج في الأول!

طب أومال التجربة الرابعة أدت نتيجة سلبية ليه؟!

حسب كلام ديرك، فالتجارب دي في الواقع استعانت بكميات من المية حقتنها في التربة المريخية عشان تكشف عن وجود صور الحياة الميكروسكوبية دي، بس الميكروبات دي لو كانت موجودة في التربة ساعتها، فكميات المية الصغيرة اللي اتحقنت في التربة دي كانت كافية تمامًا لإنها تقضي عليها، عشان هي مش هتستحمل كمية المية دي كلها، وهتموت بسببها!

بالظبط كإنك تخيلت إن في كائنات فضائية معدية من فوق صحراء بطبقهم الطاير، وشافوا إنسان هيموت من العطش، فقالوا إن عشان دا إنسان، أكيد هيعيش لو ادينا له مية، وقاموا واخدينه وراميينه في قلب المحيط! ما هو هيغرق بردو وهيموت، عشان المية الكتير دي كلها هتسببله ضرر مش فايدة!

هو دا بالظبط اللي ديرك بيقول إنه حصل في وقت مهمات فايكنيج! والمثير بقى إن كلامه دا بتدعمه نتايج دراسة تانية اتنشرت سنة 2018، في دورية نيتشر العالمية، بتقول إن أكتر من 85% من صور الحياة الميكروبية في صحراء أتاكاما في تشيلي، ماتت بسبب الفيضانات والأمطار اللي حصلت في الصحراء دي في السنوات الأخيرة، بسبب التغيرات المناخية! وهتلاقي لينك الدراسة دي في المصادر تحت:

https://www.nature.com/articles/s41598-018-35051-w?utm_medium=affiliate&utm_source=commission_junction&utm_campaign=CONR_PF018_ECOM_GL_PHSS_ALWYS_DEEPLINK&utm_content=textlink&utm_term=PID100052171&CJEVENT=9512ef23563c11ee80fbaa060a18b8f7

طبعًا زي ما إنت متخيل، فالكلام دا دلوقتي عامل جدل كبير جدًا في المجتمع العلمي، وفي جزء كبير من علماء الأحياء والبيولوجي بيدعموه، وبيقولوا إننا محتاجين نتأكد مرة تانية ونعمل تجارب مختلفة للبحث عن صور الحياة هناك في المريخ، عشان إحنا ممكن نكون بالفعل قتلناها بالغلط، ومن غير ما ناخد بالنا!

على الناحية التانية، في فريق تاني من العلماء بيقولوا إن الكلام دا مش صح، وإن في تفسيرات أبسط من كدا بتثبت إن الحياة فعلًا مش موجودة على المريخ زي ما وضحت تجارب فايكنيج، وبكدا كالعادة انقسم المجتمع العلمي لفريقين اتعودنا دايمًا نشوفهم في المناقشات اللي زي دي، فريق مؤمن إننا مش لوحدنا، وبيحاولوا يثبتوا إن نتايج تجارب فايكينج كانت غلط، وفريق تاني مؤمن إن مفيش غيرنا في الكون، وبيحاولوا يثبتوا إن التجارب كانت صح ومفيش أي غلط حصل.

فإنت بقى رأيك إيه في كل دا؟!

تفتكر فعلًا ممكن تكون تجارب فايكينج غلطت، وبكدا نكون دمرنا بإيدينا أعظم اكتشاف في التاريخ العلمي للبشر؟! ولا الموضوع مش اكتر من مجرد بحث عن قشاية صغيرة من الأمل، في قلب صحراء مريخية حمراء مفيهاش حياة؟!

الإجابة كالعادة هسيبها لخيالك.

مصادر:

https://www.space.com/nasa-may-have-unknowingly-found-and-killed-alien-life-on-mars-50-years-ago-scientist-claims

https://www.sciencealert.com/we-may-have-already-found-life-on-mars-astrobiologist-says-then-accidentally-killed-it

https://www.livemint.com/science/news/nasa-may-have-accidentally-destroyed-life-on-mars-50-years-ago-claims-german-scientist-11693450257374.html

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. محمود علام

كاتب روائي وباحث، وسيناريست