حياة الماعز
“لماذا لم يقرعوا جدران الخزان؟! لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟!”
بهاتين الجملتين أنهى الشهيد بإذن ربه غسان كنفاني روايته الخالدة “رجال في الشمس”. تذكر الجملتين جيدًا.
الغرض من فيلم حياة الماعز
شاهدت الفيلم الذي يتحدث عنه الجميع، حياة الماعز، فيلم احترافي في تفاصيله كلها، لا أنكر تأثري الشديد به، مع علمي بأن تلك البشاعة تحدث حتى الآن في بقاع الأرض العربية كثيرًا مع كامل أسفي وحزني، (قد نشرت فيديو واقعي وليس أداء تمثيليًا قبل هذا المنشور يؤكد مدى بشاعة المعاملات في بعض الأماكن وعند منزوعي الضمير من الأجلاف حينما تشبع).
إلى هنا كل شيءٍ لا يجعلنا نختلف مع صناع الفيلم في شيء، كانوا على قدر من الاحترافية كبير، جعلوا أبطال العمل كلهم من المسلمين داخل أحداثه، حتى لا يُفسَّر الأمر على أنه فعل بهم بسبب الدين والعقيدة. الجمل القليلة جدًا على لسان أبطال العمل في رحلة الهروب فلسفية لا تخلو من يقين وإيمان، وإن كاد البطل الرئيس للفيلم صاحب شخصية “نجيب” وبسبب يأسه أن يتخلى عن إيمانه في بعض لحظات الضعف البشري وهذا أقل القليل.
إذًا فالعمل يناقش قضية تعانيها الجنسيات جميعها، ليس بالمملكة العربية السعودية وحدها، فقد قيل عن قطر وبعض دول الخليج مثل ذلك، إذًا هي قضية مطروحة للنقاش، ولن يجرؤ منتج عربي والكل يعلم السبب على إنتاج عمل مثل هذا، لكن الهنود قد فعلوا.
ثانيًا هل العمل كما قال بعضهم أن دولة الهند وبسبب الفتن الطائفية التي تموج بها أراضيها شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا، هل كانت تقصد محاربة المسلمين وإسلامهم بهذا العمل؟! بالطبع لا! فقد جاء العمل بنماذج جيدة للمسلمين العرب، هذا قبل أن يكون الأبطال الضحايا أنفسهم من المسلمين المضطهدين لأسباب غير الدين من بعض المحسوبين عن طريق الخطأ على الإسلام، عظيم، وعمل يستحق الإشادة.
حياة الماعز فرض على كل من كان
لكن..
هل تتذكر الجملتين أعلاه؟!
نعم، جملتي نهاية رواية غسان، يا صديقي العزيز ويا صديقتي الغالية، لمَ التعجب والتأثر الشديد؟! وتلكم الحدود التي وضعها علينا الاستعمار، وتلك الأراضي بخيراتها التي قسمتها معاهدات بل قل مؤامرات مثل سايكس بيكو، جعلت العرب فيما بينهم ضحايا كما “نجيب” وأصدقائه، ألم يقُلها غسان؟ مات الشبان من لظى الشمس هربًا من جحيم الاستعمار إلى الارض العربية المسلمة، التي ترفض وجودهم فماتوا واحترقوا.
سيقول قائل: لا تخلط، تلك كانت رواية! وأنا سأقول: هل تمتلك تلفازًا يا أخي؟! افتحه على أي قناة إخبارية محايدة، هذا إن وجدت مثل هذا الوصف، وانظر داخل أروقة التواصل وشاهد أن أبشع من حياة الماعز قد فرضناها، نعم نحن! قد فرضناها جميعًا على شعب بأكمله كل منهم “نجيب” مختلف، “نجيب” جديد، لكن تلك المرة يعيشون حياة الماعز على أرضهم ووسط حطام بيوتهم.
الذي وجب علينا التعجب منه تلك المرة ليس بشاعة الحياة وغدرها، ليس قسوة القلب وانعدام الضمير، الذي لا بدّ أن نتعجب منه أنهم قد سمعوا بنصيحة شهيدهم وكاتبهم غسان كنفاني وأخذوا جميعًا ولمدة أوشكت على العام، أخذوا يدقون ويقرعون ويحفرون جدران الخزان.
لكن..
لا حياة في المكان، والكل تحول إلى سجّان، وحياة الماعز فرض على كل من كان.
مقالات ذات صلة:
فيلم مهم للجميع في عصرنا الحالي
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا