حنظلة العرب… ماذا تفعل الحروب بالأطفال الصغار ؟
وعندما تنتهي الحرب سيرجع الصغار إلى لعبة الغميضة وسيختبؤون خلف غيوم أحلامهم الوردية من جديد، تلك الأحلام التي تتمثل في وعود أمهاتهم بأن يجدوا بيوتهم تُرد إليهم من جديد، ومدارسهم التي دمرها القصف يُعاد فتح أبوابها لتستقبلهم كما في سابق العهد، وسينشدون أغاني الصباح وينتظرون عطلة نهاية الأسبوع، ستعود الحياة إلى رتابتها الجميلة أو ربما أفضل… هكذا تقول لهم أمهاتهم وهكذا تراودهم أحلامهم، فالصغار صغار، الحروب لا تليق ببراءتهم ولا يليق بهم الحزن.
ولكن ماذا إن لم تنتهِ الحرب!
أفهم أن لكل حرب أسبابها وأطرافها، ولكن ما شأن الصغار بها، الكبار على الأقل يعرفون لمَ اندلعت الحرب ويعرفون كيف يتجاوزن وطأتها، أما الصغار فيظل ذلك العنف غير المبرر الذي شاهدوه فيها يلاحقهم في كوابيسهم، هذا إن لم تقتلهم الحرب أو تشردهم!
وفي عالمنا العربي يعاني أطفال اليمن وفلسطين وسوريا والعراق من وطأة الحروب، فحتى وإن نجوا من القتل والمجاعات والتشريد فإن الآثار النفسية والتي تكون مدمرة لا تنتهي بسهولة، لتخلف لنا كل حرب الآلاف من حنظلة العرب! فمن هو حنظلة؟!
في البداية وقبل أن أخوض في قصة من هو حنظلة، ربما معرفة معنى الاسم تبين الشيء الكثير عن قصته؛ فالحنظل هو نبتٌ من الفصيلة القرعية، ثمرته فيها لب شديد المرارة، وهذه المرارة بالذات هي التي تسببت بإطلاق ذلك الاسم عليه، فمرارة ما يعانيه أي طفل شاهد حرباً يوصفها لنا بالظبط “حنظلة”.
فحنظلة هو طفل رسمه فنان الكاريكاتير الفلسطيني “ناجي العلي” ليعبر عن ما حدث معه وهو ابن العاشرة ويصف شعوره كطفل مشرد آثر الحرب على فلسطين في 48 وطرده منها ليصبح لاجئاً ومشرداً، فيتمثل لنا في حنظلة كل ما خلفته الحروب بداخل الصغار ، من فقدان للأمن وللعائلة وللوطن ولبراءة الطفولة ووردية الأحلام، ويتمثل في حنظلة ما ضاع من فلسطين وما ضاع من عُمر، فحنظلة خرج من فلسطين وهو ابن العاشرة وسيظل في العاشرة حتى يعود إلى فلسطين مرة أخرى!
ويُعرف حنظلة نفسه على لسان ناجي فيقول “عزيزي القارئ اسمح لي أن أقدم لك نفسي، أنا وأعوذ بالله من كلمة أنا
اسمي: حنظلة، اسم أبي مش ضروري
أمي: اسمها نكبة وأختي الصغيرة فاطمة
نمرة رجلي: ما بعرف لأني دايمًا حافٍ
تاريخ الولادة: ولدت في (5 حزيران 67)
جنسيتي: أنا مش فلسطيني مش أردني مش كويتي مش لبناني مش مصري مش حدا، إلخ. باختصار معيش هوية ولا ناوي اتجنس، محسوبك إنسان عربي وبس.”
فهكذا هو “حنظلة ” يعبر عن كل طفل عربي، فالأطفال الصغار صغار لا يعرفون التقسيمات ولا التصنيفات ولكنهم يعرفون فقط أن الحروب تفقدهم طفولتهم وألعابهم وعائلاتهم.
ولو نظرت إلى صورة حنظلة لوجدته واقفاً لك بظهره حافي القدمين، عاقداً يديه خلف ظهره ووجه لا ينظر إلى أحد بل ينظر في الأفق البعيد، وعندما سُئل راسمه عنه وعن أسباب رسمه بتلك الطريقة!
أجاب “ولد حنظلة في العاشرة من عمره وسيظل دائما في العاشرة من عمره، ففي تلك السن غادر فلسطين وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعد في العاشرة ثم يبدأ في الكبر، فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما أن فقدان الوطن استثناء، وأما عن سبب تكتيف يديه فيقول: كتفته بعد حرب أكتوبر 1973 لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة، وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأمريكية في المنطقة، فهو ثائر وليس مطبع.
وعندما سُئل عن موعد رؤية وجه حنظلة أجاب: عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته.”
فهكذا هي الحروب يبدؤها الكبار لأسباب يعرفونها ويجهلها الصغار ، فتقتل الصغار أو تشردهم، فربما تقضي على مستقبلهم أو قد تصنع منهم الكثير من المرارة المقاتلة التي لا تتوقف عن الحلم بالعودة إلى الوطن كــ “حنظلة”.
اقرأ أيضًا :
“فلسطين حرة.. ستبقى قضيةً حية”
القضية الأهم في عالمنا اليوم.. كيف ننصر فلسطين؟