حكومة الميكروباص – هل يتشابه المجتمع مع الميكروباص ؟ ومن الأحق بالقيادة ؟
المجتمع و الميكروباص
نتعلم دائما من قراءتنا للتاريخ أن المجتمعات تتشكل وترتقي باتحاد أهداف أفرادها ومدى إيمانهم بمجتمعهم وإعلاء القيم الخاصة به؛ فالفرد بتفاعله وتأثيره في الآخرين والمحيطين به يمثل نواة صغيرة تتفاعل لتشكل ذرة هذه المجتمعات وتقوده للكمال الإنساني.
ما يحدد هذا هو تصور أفراد المجتمعات للمفاهيم وتفسيراتها، فلا يمكن أن تتوافر أيديولوجيا تسعى متعمدة للتسافل، بل على العكس فالجميع ينظر لمدينته الفاضلة وفقاً لرؤياه أو “المدينة فوق التل التي ينظر إليها الجميع بالإعجاب والاعتزاز” كما سماها الدكتور المسيري، لذلك نحن في حاجة ماسة للفصل في هذه المفاهيم وتفسير هذه الرؤية وانتقاء الحق المطلق وتكوين النظرية الفكرية المناسبة لهوية المجتمعات لكي تقود الفرد والمجتمع للاتجاه الأمثل دون أن تحيد عنه.
والإيمان بقيمة هذا المجتمع وضرورة أن يتناول مقاليده الأخيار يستلزم تسليم القيادة للأعلم والأجدر بها؛ ليقود المجتمع بحكمة ورشد ومرونة توصل للهدف الصحيح.
مجتمع الميكروباص
في رأيي غالبا أجد وسيلة المواصلات ” الميكروباص ” المستخدم في السفر والانتقال لمسافات طويلة نواة لهذا المجتمع بإيمان أفراده بقيمة كل منهم للآخر -شريطة ألا يشوب العملية أي خلل أخلاقي جسديا أو لفظيا- ففي الميكروباص طبقات متنوعة من الركاب تتسابق للحصول على مميزات كل مقعد إما بجوار الشباك أو المقعد الأكثر راحة واتساعا، هذا المجتمع يقوده سائق الميكروباص في إطار من العرف المتبع من الأجرة المحددة من قبل، والهدف الأعم هو الوصول بالركاب من نقطة لنقطة أخرى.
في الميكروباص يجتمع مجموعة متباينة من الناس من حيث الثقافة والعمر والنوع ونظام المعيشة، وجميعهم متفقون على هدف واحد وهو الوصول لوجهتهم الأخيرة التي دعتهم للجوء لهذا المجتمع والاندماج فيه.
الاتفاق على الهدف يجعل الناس على استعداد للتنازل والتضحية في سبيل انقضاء هدفهم والوصول لمحطة النهاية، فقد يتنازل راكب عن مميزات مكانه لصالح سيدة معها أطفال أو لرجل مسن اقتضته الحاجة للسفر، تنازل مميز لحظي يضحى الإنسان بسعادته وراحته في سبيل راحة وسعادة المجموعة.
لماذا لا ننظر بحكمة في حياتنا وندقق النظر في كل الأمور، ونميز بين ما هو أساسي وما يمكن أن أتنازل عنه في سبيل غيرى؟ الإنسان العاقل لا يلقى بالا بالأمور التافهة، ماذا لو اعتبرنا أنفسنا في ميكروباص وضحينا بمكسب جزئي كالمقعد لكن لهدف أشمل فهذا أفضل كثيرًا، ننشغل في الكليات والمشتركات بينا كبشر دون إخلال بالحقوق للفردية لكل منا ونترك كلًّا في شأنه، المهم أن يكون لنا عقد اجتماعي ورؤية سوية ننطلق من خلالها في تناغم وانسجام.
القيادة لمن ؟
كذلك إن سلمنا القيادة للأعلم والأحق وفق هذا العقد الاجتماعي فسيتحقق لنا ما نطمع لتحقيقه ونتكامل جميعا؛ فالسائق في السيارة هو الأعلم والأحق شريطة ألا يستغل أحقيته لصياغة قوانين تصب في مصلحته فقط من منطلق أن الحق مع القوة فيزيد مثلا من الأجر المستحق أو الوقوف في محطة غير المتفق عليها، فتولية الأعلم للحكومة ليست هدفًا وإنما غاية للوصول لمجتمع مستقر دون الإخلال بالعقد الجامع بينهم وبين مجتمعهم، فالمجتمع الفاضل ليس مجتمع المعصومين كما يردد البعض بل هو مجتمع القوانين والقواعد الكلية العقلية التي تفصل بين فئات المجتمع وتنظم حياتهم بمرجعية الحق والأخلاق.
سائق الميكروباص إن حسنت أخلاقه قاد مجتمعًا زبائنه لوجهته دون إخلال بمشادات أو صراعات كلامية أو عراك بالأيدي كما نشاهد باستمرار، كذلك مجتمع الميكروباص إن التزموا بالعقد بينهم البعض بعدم الاعتداء على حقوق الآخرين أو حق القائد في قيادته سارت رحلة الميكروباص بطريق سليم.
اقرأ أيضاً:
لماذا يتركنا نتأرجح بين الألم والملل ؟
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.