مقالات

حكاية ثورة لن تنتهى

الثورة .. ذلك اللفظ الذي نسمعه كل يوم و يجول بخاطرنا كل لحظة .اللفظ الذي حرك في كثير منا العاطفة التي راحت تغني للوطن ،وهو اللفظ الذي حرك في الكثيرين حب الوطن بعد ما أن ظننته قد أوشك على الضياع وسط عتمه الظلم و ظلام الاستبداد. فالثورة في ذاتها إنتصار للعدل على الظلم ونصر للحق على الباطل. هكذا تقوم الثورة و هكذا تنتصر و هكذا هي رغبة كل ثائر يسعى للعدل و الحق و الكمال .. يسعى لذلك مضحياً بالغالي و النفيس حتى و إن كانت حياته هي ما قد يضحي به في سعيه نحو قضية تتمحور حولها حياته و يفقد الإنسان حين إذ إحترامه لذاته إن لم يسعى سعيه هذا … تلك الرغبة الصادقة و الغاية النبيلة لم أشكك بها لحظة و أنا أقف بجوار رفاقي في الميدان .. أحسست بها في كل نبرة صوت تعالت لتطلب حقوقها … و شعرت بها في كل هتاف هز أرجاء الميادين في مصر .

شيء واحد فقط تناقص في هذه المنظومة الرائعة التي تجتمع فيها الرغبة مع العمل مع التضحية في سلسلة ينقصها فقط شيء واحد … المعرفة. و لغياب المعرفة الدور الأبرز و العامل الأهم فيما تصل إليه البلاد يوما بعد يوم … يقول الإمام علي أبن أبي طالب رضي الله عنه في وصية لتلميذه كميل ” يا كميل ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة ” وعن روعة هذه المقولة التي توضح الدور الهام للمعرفة في كل خطوات الحياة و في ثورتنا افتقدنا لمعرفة معنى العدل و الحرية و الحق و إن كنا قد طالبنا بهذه المطالب لكن طالبنا دون وعي مسبق ودون قيادة مدركة لمعنى العدل تحارب الظلم بكل ما لديها من قوة … عوضاً عن ذلك وجدنا أنفسنا محاصرين بمعارك مفتعلة تلهينا عن المطلب الرئيسي. معارك شاركنا نحن دون شك في تأجيج نيرانها لقلة ما لدينا من معرفة بالهدف الأساسي و تناسي ذلك الهدف باللجوء إلى معارك ثانوية جزئية لا تثمن ولا تغني من جوع

لذلك وجب أن تكون المعرفة هي أول الخطوات لا أخرها. انها الخطوة التي بها تبني عقلك النظري فينطلق عقلك العملي يطبق ما عرفه ليصل إلى العدل و الحق و الكمال فالمعرفة هي الخطوة الأولى في مشوار الألف ميل وهي الخطوة الأهم . أما أن تمشي في مشوار الألف ميل بخطى ثابتة راسخة واضحة .. و أما أن تمشي تائها ضائعا وسط تفاصيل الحياه التي لا تنتهي

و هذه المعرفة الحقيقية بمعاني العدل و الحق كافية أن تعطيك ما تستطيع به الحكم على المشاهد السياسية الحادثة في مجتمعنا فبتأمل هادئ تجد جميع المتناحرين اليوم بعيدين كل البعد عن تلك المعاني السامية، أنها فقط أصوات الهوى التي طغت على أصوات العقل فيهم هي من تحركهم و تعطيهم الحافز لفعل ما يفعلون. و أنت أيها الإنسان أعز و أرقى بكثير من أن يكون جل همك صراع جزئي تتنافي فيه المبادئ و يصبح المبدأ هو اللا مبدأ و لحظة بلحظة يسرقك هذا الصراع من أن تسأل الأسئلة الأهم … هل ما أدافع عنه قضيتي فعلا !؟ … هل وجب تأييد طرف منهم !؟ … هل هذا ما خلقت له !؟ …. إذن فلماذا خلقت !؟ … و كيف أفعل ما خلقت لأجله !؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كل تلك الأسئلة و أكثر أشك أن أحدا قد سألها لنفسه و إنما ترك نفسه كل يوم عرضة لما يريده له المجتمع من أن ينشغل معه في معاركه التي لا تنتهي

و معركتنا الحقيقية هي نشر العدل و اعطاء كل ذي حق حقه ليست معركتنا التخلص من هذا أو تأييد ذاك معركتنا أشرف و أنبل بكثير من أن تختصر في أشخاص أو حتى كيانات معركتنا معركة وجودية معركة الحق و الباطل و التي لابد للحق فيها أن ينتصر في النهاية و معنا وعد الله الذي لا يخلف .بذلك معركتنا هي تحقيق إرادة الله بالإنسانية على الأرض أنها المعركة الحقيقية التي وجب تأييدها و التضحية في سبيلها

لكن للأسف تم الحكم على هذه المعركة بالتأجيل نظرا لانشغال الجميع بمعارك أقل قيمة و هذا نابع في الأساس من نقصان شديد في تحديد المعركة الحقيقية و الغاية الحقيقية من هذه الحياة. فنحن اليوم ندفع ثمن قلة معرفتنا فنجد أنفسنا نتحرك من ظلم إلى ظلم دون وقفه مع النفس لإدراك أسباب من نصل إليه الآن

ستظل الثورة مجرد هتافات ترفع و أصوات تعلو دون معرفة مسبقة فالمعرفة تشير لك الى الطريق الصحيح و تؤهلك أن تواجه ما ستراه في هذا الطريق لا تنقصنا الشجاعة أو الرغبة أو العمل فقط تنقصنا المعرفة التي توجه كل ذلك في المسار السليم و تضع كل شيء في موضعه الصحيح كما ينبغي كما ستظل الثورة مجرد دائرة مغلقة دون تلك المعرفة فبها نستطيع أن ننتصر لثورتنا حقا فتشرق علينا شمس العدل التي ستمحي ظلام الاستبداد و عتمه الظلم و ستبقى المعرفة كالأساس الموضوع قبل بدء عملية البناء فإن أحسنت بناء الأساس كان بنائك قويا ثابتا راسخا و إن أهملت فيه بقي مهلهلا ضعيفا

و عملية البناء تلك تبدأ ببناء الإنسان و تقوية عقله و منطقه و توعيته بما ينبغي فعله في هذه الحياه و تلك العملية الدقيقة تتطلب من الإنسان الكثير من التضحية و الثبات لكن ثق أنك عندما تبني إنساناً فإنك تبني مجتمعاً رشيداً يقوده هذا الإنسان إلى ما يصبو إليه. وعلى ذلك يبقى الإنسان العاقل و المعرفة السليمة هما السبيل الوحيد للخلاص من الظلام … و أقولها بإختصار أيها الإنسان … أنت الأمل.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

أحمد رمضان

طالب بكلية الهندسة – جامعة المنصورة
كاتب حر
باحث ومحاضر بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة