مقالاتمنطق ومعرفة - مقالات

حقيقة الثقوب السوداء، كيف نحكم على الأخبار التي تصل إلينا؟

رحلة بلا عودة … الثقوب السوداء

هل تتمنى السفر إلى مكان يتباطأٌ فيه الوقت عن المُضي قُدمًا، ربما قد يتوقف تمامًا، أو يعود للوراء! سيكون الأمر أشبه بسفرك عبر الزمن!

هل تحلم بالعيش في عالم آخر؟ كما حلُمت “أليس” بالسفر إلى أرض العجائب، هناك حيث كان العادي عجيب والعجيب عادي!

لكن المغامرة خطيرة، محفوفة بالغموض، قد تكون رحلة ذهاب بلا عودة، طريق سفر موحش نحو مصير مجهول.

ربما ستحترق وتتحول إلى رماد بمجرد اقترابك من بوابة الانطلاق، وربما سيستطيل جسدك ويتمدد كالعلكة، ثم يدور وينثني حول نفسه ليصبح أشبه بالسلك الزمبركي أو “الاسباغيتي” الملفوفة حتى يتفتت ويختفي تمامًا، وغيرها الكثير من الاحتمالات التي افترضها بعض العلماء في حال قرر أحدهم السفر خلال إحدى الثقوب السوداء الموجودة في نسيج الفضاء.

الثقوب السوداء باختصار، من أين نبدأ؟

لنعد بالزمن لأكثر من قرن مضى، حيث شهد العالم ظهور إحدى الفرضيات التي فسر من خلالها “ألبرت أينشتاين” ومجموعة من أصدقائه والباحثين العلاقة بين قوى الجاذبية، الزمان، المكان، وكتل الأجسام بواسطة بعض المعادلات عُرفت باسم النظرية النسبية العامة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

تفترض نظرية النسبية العامة أن الزمكان “الزمان والمكان” عبارة عن شبكة مطاطية رباعية الأبعاد1 تُعرف باسم “نسيج الزمكان” وأن الأجسام ذات الكتل المختلفة تُحدث انحناءات أو تشوهات بهذا النسيج و من هنا تنشأ جاذبة الأجسام وتتحرك باتجاه بعضها البعض بقدر ما تُحدثه من تشوه2.

وكلما كانت كتلة الجسم أكبر كلما ازداد الانحناء الذي يُحدثه الجسم في نسيج الزمكان وعظمت جاذبيته و قد ينبعث عنه موجات تنتقل عبر هذا النسيج مثل الموجات التي تنتشر على سطح الماء عند إلقاء حجر صغير بها.

أيضًا تتنبأ النسبية العامة نظريًا بوجود ما يُعرف بالتفردات الجذبوية، وهي أماكن ذات كتلة هائلة على الرغم من حجمها اللامتناهي في الصِغر، تُحدث تشوهًا لانهائيًا في نسيج الزمكان وتحوي قدرًا لانهائيًا من قوى الجذب التي لا تستطيع أي مادة مهما بلغت سرعتها – حتى الضوء الذي يبلغ سرعته حوالي 3×105 كم/ ثانية- الهروب من حقل جاذبيتها متى اقترب من محيطها الخارجي بمسافة معينة، يُعرف المحيط الخارجي للتفردات الجذبوية بـ” أٌفق الحدث”.

موت النجوم وظهور التفردات الجذبوية.. نشأة الثقوب السوداء.

يعتقد العلماء أن التفردات الجذبوية أو الثقوب السوداء ناشئة عن انهيار النجوم الثقيلة ذات الكتل الهائلة والتي تفوق كتلة شمسنا بملايين المرات، حيث ينفذ الوقود الهيدروجيني بداخل النجوم العملاقة في نهاية دورة حياتها، فتفقد توازنها وتنكمش كُتلتها الضخمة في أحجام لامتناهية في الصغر مكونة التفردات الجذبوية ذات قوى الجذب اللانهائية، والتي تقع في مراكز الثقوب السوداء ويحيط بها أفق الحدث كما ذكرنا سابقًا.

أول صورة واقعية لثقب أسود.. كيف استطاع العلماء التقاط هذه الصورة؟

في العاشر من شهر إبريل عام 2019 م تم عقد سلسة من المؤتمرات الصحفية المتزامنة في مناطق مختلفة، كشف فيها فريق بحثي يتضمن أكثر من 200 باحث من حول العالم في مجال الفلك والفيزياء وعلوم الحاسب عن نتائج مشروع ” تلسكوبات أفق الحدث”، حيث تم رصد أول صورة واقعية لثقب أسود يقع في قلب مجرة مسييه 87 التي  تبعد عن الأرض حوالي 54 مليون سنة ضوئية وكتلة أكبر من كتلة الشمس حوالي 6 ونصف مليار مرة.

تُظهر لنا الصورة حلقة يتراوح لونها ما بين الأحمر والبرتقالي والأصفر مضيئة ومتوهجة تحيط بمنطقة سوداء، حيث يُعتقد أن تلك الهالة المُشّعة ناتجة عن انجذاب الغبار الكوني، جزيئات غازية، الضوء، وبعض النجوم بواسطة أفق الحدث المحيط بمركز التفرد الجذبوي للثقب الأسود.

ولالتقاط هذه الصورة تم ربط ثمانية من التلسكوبات ذات حساسية ودِقة عالية في ستة مناطق حول العالم، في الماكسيك، هاواي، ولاية أريزونا في أمريكا، أسبانيا، وتشيلي، والقطب الجنوبي، تعمل التلسكوبات بشكل متزامن لرصد إشعاعات يُعتقد أنها ناتجة عن سقوط بعض المواد بداخل الثقب الأسود، ثم تم تجميع وتحليل هذا القدر الضخم من البيانات عن طريق أجهزة حاسوب فائقة القدرة وبرامج بالغة التعقيد من أجل تفسيرها والحصول على صور الثقب الأسود.

والآن بعد أن خُضنا قليلًا في ميدان الفهم ننتقل إلى ميدان الحكم، فكيف نحكم على مثل تلك الأخبار والمعلومات التي تُصدّر إلينا؟

هل أصدق بوجود الثقوب السوداء؟

قضية الثقوب السوداء ليست الأولى من نوعها التي تثير الجدل وتُحدث الفُرقة بين مُصدق ومُكذب، فهناك الكثير من القضايا العِلمية تقع في حيز الإمكان طالما أنها لا تتناقض مع إحدى البديهيات العقلية كالجمع بين نقيضين3 مثلًا وغيرها من الثوابت، ولكن لا يمكن الجزم اليقيني بحقيقتها، فهي لا تتعدى كونها نظريات ظنية.

حتمًا لا نستطيع أن نصل لمرتبة اليقين في الحكم على جميع القضايا والأمور في مختلف نواحي الحياة لذا يُقبل بالظن في الحكم على بعضها مع السعي نحو ترجيح هذا الظن بقدر ما نستطيع.

كيف نحكم على الأخبار المنقولة إلينا؟

لذا فمن الممكن قبول هذه الأخبار المنقولة إلينا في مختلف المجالات و وضعها في خانة الظن، ويتم ترجيح الظن بشأن تلك الأخبار بُناءً على منطقية الأدلة المستخدمة في محاولة إثباتها ومدى الثقة بالمصادر المنقول عنها الخبر ومصداقيتها وتعدُدها وعدم وجود مصلحة تجمعهم على الاختلاق أو الكذب.

أيضًا لابد من أن ننتبه إلى أن بعض الأخبار المنقولة إلينا تكون صادرة عن مصدر واحد ثم يتم تداولها على ألسنة الكثيرين أو نشرها في العديد من الصحف والمجلات، فتلك الأخبار ما تزال واقعة في حقل الظن لا أكثر.

حتى الآن؛ لا يسعنا التأكُد بشأن صحة أو خطأ النظريات والمعادلات التي تنبأت بوجود الثقوب السوداء أو بالصورة المُلتقطة لها أو الفرضيات المتعلقة بشأن مصير السفر من خلاله، ولكن في حال إثبات أنه باستطاعتنا السفر خلال إحدى الثقوب السوداء واكتشاف أنها بوابات تنقلنا إلى عِالم آخر، فأي عَالم تحلم أن تعيش فيه؟ وهل من الممكن أن تجعل منه واقعًا تعيشه في عالمك الحالي؟

(1) الأبعاد الأربعة هم الطول والعرض والارتفاع والزمان.
(2) عادة ما يُمثل نسيج الزمكان في الصور التوضيحية بشبكة ذات بعدين فقط من أجل تبسيط تصور التشوهات التي تحدث به نتيجة الأجسام ذات الكتل المختلفة الواقعة عليه.
(3) مثل قولنا أنني أقرأ ولا أقرأ هذا المقال في نفس الوقت.

اقرأ أيضا:

هل أنبأنا القرآن الكريم حقا بوجود الثقوب السوداء؟

القوى الكامنة في الإنسان .. لماذا نحن مميزون بالعقل (1)

 العلوم النظرية والعلوم التطبيقية.. أيهما أهم ؟

 

ندى علاء منصور

عضوة بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة