مقالاتمنطق ومعرفة - مقالات

كيف تعرف الواجبات المفروضة عليك كما تعرف حقوقك؟ 2

مدارس تناولت حقوق وواجبات

بناء على ما سبق من مدارس تم توضيحها في المقال الأول؛ تتنوع الرؤى للحقوق والواجبات.

فالمدارس المنكرة للمعرفة، أو المشككة فيها، أنكرت قدرتنا على معرفة الحقوق وواجبات أصلا، وشككت في الحقوق وواجبات التي ينادي بها الآخرون.

والمدارس التي تدعي أن كل معرفة نسبية أو متغيرة، وليست ثابتة ومطلقة، قالوا إن الحقوق والواجبات نسبية ومتغيرة، تختلف من شخص لآخر، ومن مكان لمكان، وفي زمان بعد زمان، حسب مزاج الشخص ورؤيته ورأيه وتأليفه ووضعه واعتباره، وحسب المجتمع واتفاقه وما يتعارف عليه، وحسب ظروف الزمان والمكان.

والذين ذهبوا إلى عدم وجود حقائق، أو أن معارفنا البشرية لا تعبر عن حقائق، قالوا بعدم وجود حقوق وواجبات حقيقية، أو لا يمكننا أن نتوصل لشيء كهذا، فالحقوق والواجبات التي نقول بها مجرد أوهام ومقولات لا معنى لها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أما المدرسة الحسية التجريبية، والتي لا ترى ولا تدرك إلا المادة بالحس والتجربة، فقد أنكروا الموجودات غير المادية، فأنكروا الأمور المعنوية، فلا يوجد للإله والنبوات والرسالات –مثلا- حقوق في هذه الرؤى، ولا توجد حقوق وواجبات معنوية قيمية.

أزمة المدرسة الحسية التجريبية

وبالتالي في هذه المدرسة كل الحقوق والواجبات هي حقوق وواجبات مادية فقط، وفي العالم المادي، وللكائنات المادية. فللإنسان مثلا حقوق طبيعية حقيقية مادية فحسب، نعرفها بالحس والتجريب، مثل حق المأكل والمشرب والمسكن والملبس، وحقه في حفظ بدنه، وفي النكاح، والعلاج، والتنقل والتسوق، واكتساب المال والتملك، والبيع والشراء، وهكذا.

إلا أن هذه المدرسة لما ربطت الحقوق بالمادة، سرعان ما وقعت في فخ حتمي، حيث جعلت صاحب المادة الأكبر له حقوق أكثر، وبالتالي سرعان ما أصبحت هذه الرؤى لا تفعل شيئا أكثر من الحفاظ على مصالح الأقوى ماديا، وتحررها وتخدمها، بينما تسحق وتتنكر لحقوق الأضعف ماديا، فمجدت رأس المال، والمنتصر والمتغلب، وصاحب الأسلحة الأكثر تطورا وفتكا، وأقرت قانون الغاب وهو البقاء للأقوى، وسعت لفرض أمورٍ على الأرض بقوة السلاح، ثم ادعت أنها مشروعة، بل ولها حقوق، مثلما رأينا في نشأة الكيان الصهيوني كمثال.

المدرسة النصية

بينما ذهبت المدرسة النصية إلى أن الحقوق والواجبات ليست حقيقية، ولكنها خاضعة لما يضعه النص الديني ويقره، فإن أمر النص بالظلم فهذا حق وواجب علينا أن نطيع، وإن أمر بالعدل فبالمثل. وقالوا إن الإله له أن يأمر بالعدل والظلم على السواء، ولا إشكال هنالك، وعلينا أن نطيع في جميع الحالات.

أما المدرسة العقلية فقد قالت إن الحقوق ثابتة ومطلقة، وحقيقية وواقعية، وليست تأليفية أو وضعية أو اعتبارية، وتطبق في كل زمان ومكان، لكنها قد تتداخل في ظروف معينة فتحتاج لتحديد دقيق وترتيب متقن.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ويمكننا معرفة بعضها باستخدام العقل وحده، وبعضها باستخدام العقل المستعين بالأدوات المعرفية الأخرى كالحس والتجربة والنص الديني الصحيح.

وهي حقوق مادية وأيضا معنوية، فللإله والنبوات والموجودات المجردة عن المادة حقوق، وتوجد حقوق قيمية معنوية.

والحقوق والواجبات لا تنحاز للأقوى ماديا على حساب الأضعف، ولا تهمش الضعيف والمحتاج وتحتقره، بل تقر حقوقه وتدافع عنها، فالجميع سواسية أمام قوانين الكون الحقيقية.

كما ثبت عندها بالبراهين العقلية اليقينية الكمال المطلق للإله، والجمال التام، فلا يصدر عنه إلا كل جميل، والظلم قبيح، فيستحيل أن يصدر عن الإله، لأن كمال ذاته لا يصدر عنه إلا عدلا وكرما.

والنصوص الدينية يجب أن يُبحث في صحتها، فنتأكد من صدورها فعلا عن النبي، وبخاصة في أصول الدين إذ يجب أن تتضمنها نصوصًا قطعية ويقينية في صدورها، بينما الأديان القائمة على نصوص غير صحيحة فلا يقبلها المنهج العقلي.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كما أن النص الصحيح والدين الصحيح يستحيل أن يخالف البراهين العقلية الصحيحة، فالحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له، وبالتالي فالنصوص الدينية التي تصف الإله بالظلم بشكل صريح يستحيل صدورها عن النبي أو الإله، وكذلك التي تأمر بأمر ثبت بالبرهان العقلي أنه مخالف لكليات العقل وأنه ظلم صريح فهي مستحيلة الصدور عن الإله أيضا.

المدرسة العقلية واكتمال المنظومة

وبهذه الطريقة تكتمل فلسفة المدرسة العقلية البرهانية في البحث في الحقوق والواجبات، ثم تجعل هذه المدرسة عملية إعطاء كل ذي حق حقه أو إقامة العدل هي مهمة الأعلم والأعدل، والأكثر فضيلة وكفاءة، فهو الأقدر على حفظ الحقوق، وضمان أداء الواجبات، مع قبول الجمهور بذلك.

وبهذه الكيفية يمكن للبشرية أن تقطع الخطوات الواثقة والسريعة في طريق العدل، وتعمل على رفع الظلم المخيم على عالمنا اليوم، والذي تسبب فيه تراجع العقل، وانتشار الاتجاهات غير العقلانية سابقة الذكر.

اقرأ أيضا:

 الأفكار المتداولة والذكاء الاجتماعى

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مولانا الخبر عاجل

حقيقة الحقيقة

 

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

أحمد عزت هلال

د. أحمد عزت

طبيب بشري

كاتب حر

له عدة مقالات في الصحف

باحث في مجال الفلسفة ومباني الفكر بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

صدر له كتاب: فك التشابك بين العقل والنص الديني “نظرة في منهج ابن رشد”

حاصل على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية

حاصل على دورة في الفلسفة القديمة جامعة بنسفاليا

مقالات ذات صلة