الزواج هكذا يجب أن يكون .. الجزء الأخير
نستكمل سويًا بحثنا حول الزواج، ونبدأ بقيمتان تعدان مهمتان ويمكن اعتبارهما نتاج الوعي الذي يجب أن يشترك فيه الزوجان، ألا وهما قيمة الصبر وقيمة إعلاء الحق.
نعلم جميعًا أن الحياة بتفاصيلها المتعددة لا تخلو من تداخلات كثيرة متأرجحة بين الصواب والخطأ، ومتداخلة أيضًا في أحيان كثيرة بجزء من الصواب وآخر من الخطأ، ودون شك فإن عاقبة الباطل سيئة سواء على الفرد أو الأسرة، لذلك نجد أن قيمة إحقاق الحق والتواصي به ضرورية لو رغبنا في حياة زوجية سعيدة، وأول من يجب عليه تنفيذ هذه الوصية هما الزوجان فيما بينهما.
كذلك لا يغيب عن أحد كمية المشكلات والصعوبات التي تحتاج منا إلى الصبر عليها والعمل على حلها بصبر أيضًا، والصبر بالمعنى الإيجابي الذي نقصده “صبر المواجهة”، وليس المقصود الصبر السلبي الذي يعني الاستسلام والخضوع، فتربية الأولاد تحتاج إلى صبر في مواجهة السلوكيات الخطأ، وصبر في زرع السلوكيات الصحيحة، العلاقة بين الزوج والزوجة تحتاج إلى صبر لمواجهة مسؤوليات كل منهم، وصبر على حسن المعاملة بينهما، واستمرارها وتغذيتها بما يقويها دومًا.
في ارتباط وثيق مع الصبر والأخلاق، نجد أن من القيم الغائبة عن كثير من شباب اليوم مساعدة شريك الحياة بصفة دائمة ومستمرة على الترقي الأخلاقي، والتزود من معالي الأخلاق الحسنة والذي ينعكس بدوره على سعادة الحياة الزوجية بينهما.
من إحقاق الحق أيضًا بين الزوجين ألا يثير أحد الطرفين غيرة الطرف الآخر عليه، يجب دائمًا أن تكون مراعاة مشاعر شريك الحياة محور اهتمام شريكه، يجب أن يتعامل الرجل مع المحيط الاجتماعي بما يحفظ لزوجته كرامتها وعزتها، وكذلك الزوجة يجب أن تراعي نفس المعايير في التعامل.
من الحق حفظ السر، فيجب على الزوج والزوجة أن يحافظا على أسرار بعضهما. لا ينبغي للزوجة أن تبوح بأسرار زوجها أمام الآخرين. الرجل كذلك يجب أن يحفظ خصوصيات زوجته ولا يتكلم عنها أمام الناس بما لا يليق، إن حفظ السر والخصوصية من العوامل الهامة لتماسك الأسرة وترابطها، والذي بدوره سيعطي مساحة أكبر لحصول الانسجام المتبادل بين الزوجين، وتفهم النواقص في كلٍ منهما، فحفظ السر يعطي اطمئنانًا لشريك الحياة أنه يوجد من يشاركه الحياة، ويحفظ سره ويساعده في التغلب على المشكلات بصبر وصدق.
نجد أيضًا أن الحياة الزوجية السعيدة تقوم على تفهم كل طرف لمشاعر واحتياجات الطرف الآخر وتسامحه معه، هذا التفاهم يحافظ على الحياة الزوجية من التدخلات السلبية الخارجية، مثل تدخل الأهل، الذي بدوره للأسف الشديد يعقّد حياتهم. إذا أراد الأهل أن يعيش أولادهم بسعادة، فلا بد أنْ يقدموا لهم النصيحة والإرشاد، لكن لا ينبغي أن يتدخلوا في شؤونهم، بل يتركوا لهم الحرية والخصوصية ليعيشوا حياتهم، هذا ما يجب أن يعلمه الجميع ويتحمل مسؤولية تطبيقه.
هنا تجب الإشارة إلى المأزق الغربي، فهل بات واضحًا لكل النخب الثقافية والفكرية اليوم صعوبة هذا المأزق، وما أحدثه من تغيير جذري في كل نواحي حياتنا؟ هل عند البعض شك بعد الآن بأن مواجهة هذا المأزق فكريًا وثقافيًا هو البداية الصحيحة والضرورية كل في تخصصه؟ هل يشك أحد حتى الآن أن ما تعانيه الأسرة اليوم نتيجةُ هذا المأزق الغربي وما أحدثه من تفكيك في بنيتها ومن ثَم بنية المجتمع كله؟ سيظل هذا المأزق حجر عثرة أمام كل حل وأمام كل جهد، لكن يظل الأمل قائمًا في ضمير تلك النخب الواعية المدركة لحقيقة هذا المأزق القبيح والخطير.
يجب أن يدرك شبابنا اليوم أن الفكر الغربي فكر قبيح وهدام، خصوصًا في مجال الأسرة ونمط العلاقات بين الرجل والمرأة، والشواهد على ذلك كثيرة لمن أراد أن يشاهد ويرى!
إن الحفاظ على الثقافة والهوية والنمط الحضاري لأي مجتمع لا يكون إلا من طريق الأسرة في البداية، فإن لم تكن الأسرة واعية عاقلة تتسم بالأخلاق والمعرفة بين الزوجين سيضمحل كل شيء، والكل يلاحظ سعي الغرب لإشاعة الشهوات والفساد في مجتمعاتنا، فأحد أهم أهدافهم تمزيق الأسرة كي تضعف الثقافة، ومن ثم يتمكنوا من السيطرة والإخضاع والصفع على الفم.
معرفة الحقوق بين الزوج والزوجة ضرورة في الزواج الناجح
عند التحدث عن الحقوق يجب أن يكون الإنصافُ العاملَ الأهم في حديثنا، حتى نستطيع الوقوف على الحقوق والواجبات الفعلية للطرفين، إن المرأة في عصرنا الحاضر تتعرض للظلم سواء من المجتمع أو من زوجها، وهذا لا يقتصر على زماننا فقط.
هي مظلومة على مدار التاريخ، من أمثلة ذلك: “درت أنا وقلبي لأعلم ولأبحث ولأطلب حكمة وعقلًا، ولأعرف الشر أنه جهالة، والحماقة أنها جنون، فوجدت أمرَّ من الموت: المرأة التي هي شِبَاك، وقلبها أشراك، ويداها قيود”. سفر الجامعة الفصل 25/ الإصحاح السابع، كذلك لم تكن المرأة في إنجلترا جزءًا من المجتمع، واعتبرها مجمع فرنسا سنة 586م أنها إنسان خلق لخدمة الرجل، واليونان القديمة كانت تعتبرها رجسًا، كذلك المرأة في جاهلية العرب سلعة رخيصة، واشتهر وأد البنات عندهم أيضًا، وفي الثقافة الهندية كانت المرأة ملك للرجل مثل أي سلعة، وكانت تحرق بالنار بعد وفاة زوجها مع حرق جثته.
لم تسلم المرأة من الظلم في العصر الحديث، بل ظُلمت باستغلال عناوين مثل حقوق الإنسان وإثبات الذات والحرية…
أضحت المرأة وسيلة للالتذاذ فقط دون عزة أو شرف، أو عاملة تُقهر وينهار بيتها تحت عناوين المساواة وتحقيق الذات، بمعزل عن دورها الأساسي داخل كيان الأسرة، يجب النظر إلى المرأة على أنها كيان رفيع محترم وعزيز، هي عماد الأسرة والمجتمع بجانب الرجل، فهي ليست أقل منه.
يجب على الرجل والمرأة الإحاطة عمومًا بالواجبات والحقوق المتبادلة بينهما، من أجل إرساء حياة هادئة مفعمة بالحب والسلام والأمان، فإن أهميتها الكبرى تظهر بوضوح في الحياة العائلية الزوجية.
هنا نشير أن من أهم واجبات الرجل العمل على شؤون أسرته، أي: إن إدارة شؤون الأُسرة بعهدته، فلا بد للرجل أن يعمل، لأن معيشة العائلة ومتطلباتها بعهدته، ومهما كان للمرأة من ثروة فإنها ملك لها، ومعيشة العائلة ليست على عاتقها، إذ إنه من الخطأ الفادح ما يعتقد به كثير من شباب اليوم في أن تبادل الأدوار أمر جيد في تلك المسؤولية الدقيقة، هذا اعتقاد باطل ويهدم الأسرة.
كذلك يجب أن ندرك الاختلاف الطبيعي بين طبيعة خلق الرجل وطبيعة خلق المرأة، حتى نستطيع أن نتعلم كيفية المعاملة الجيدة، فالمرأة تحتاج إلى الرقة والعطف والإحساس بالأمان، والرجل يحتاج إلى الثقة والراحة والسكينة، بمعنى أدق يحتاج كلٌ منهما إلى شريك حياته ليغدق عليه من طبيعته الحسنة.
التفاهم والتشارك من المفاهيم الحقوقية بين الزوجين، فلا هي سيطرة واتباع ولا هي تبعية في كل شيء، فلا يجب أن تكون المرأة تابعة للرجل في كل شيء فهذا بخلاف العقلانية، ولا كما يريد الغرب كل الأمور بيد المرأة، بل إن الشراكة والتعاون الحقيقي هو ما يحفظ شخصية الزوجين بغطاء الاحترام المتبادل والمودة والحب.
يجب أن تختلف نظرة المرأة إلى الرجل وكذلك نظرة الرجل إلى المرأة، ومن الضروري المحافظة على هذا الاختلاف، فالرجل ينظر إلى المرأة على أنها مثال الجمال واللطافة والإحساس، وهذا جيد ويجب المحافظة عليه، كذلك هي مثال للعقل، إن الاهتمام بعقل المرأة أمر ضروري، ويترتب عليه رعاية رأيها واحترامها والمحافظة عليها من الضرر المادي والمعنوي، كذلك يجب على الرجل أن يوفر للمرأة الود والرحمة وبعض التغافل، ومشاركتها تعبها والاستماع إلى شكواها، بل الإحساس بها قبل أن تشتكي.
كذلك يجب على المرأة أن تفهم ضرورات الرجل ولا تضغط على جانبه الروحي، وتبدي له الاحترام والتقدير اللازم، ولا تفعل ما من شأنه أن يبعِده عن مسائل الحياة الطبيعية والمشروعة، ويلتجئ إلى الأساليب الخاطئة وغير المشروعة، يجب أن تشجعه على الصمود والمقاومة في ميادين الحياة، وتكون داعمة له في العمل الشريف، والصبر معًا على صعوبات الحياة والتشارك في تربية الأبناء والثقة الباعثة على المحبة وإبداء الاحترام له شريكًا لحياتها، فعلى المرأة أن تجعل جو المنزل يساعده على الذهاب إلى عمله بمعنويات عالية، ويعود بشوق إلى المنزل، الرجال يحبون أن يجدوا السكينة والأمان عندما يدخلون إلى البيت، ويشعرون بالراحة فيه وهذه وظيفة المرأة.
بما أن الحياة مشتركة بينهم كان من الضروري تقسيم العمل بينهما، بما يحقق راحة الزوج والزوجة وينعكس إيجابيًا على راحة الأسرة، فعندما يعيش اثنان جنبًا إلى جنب ويتزوجان، فإنه توجد بعض المهام المشتركة بينهما، والحالة الأمثل أن يُقسم العمل بينهما، فإذا كان الزوج في مشكلة يجب على الزوجة التكيف معها ومساعدة زوجها للتغلب عليها، وكذلك الزوج إذا واجهت الزوجة صعوبات داخل الأسرة أو في محيط عملها، فعلى الزوج أيضًا أن يكون عونًا لها ويساعدها.
إذا شاهد كل منهما أن الآخر يعمل عملًا حسنًا فعليه أن يشجعه ويقدم له الدعم اللازم، ويسعى الزوج والزوجة إلى إصلاح أحدهما الآخر، ويحفظ أحدهما الآخر من الرذائل وقبائح الأخلاق والسلوكيات بالحكمة والأخلاق الحسنة. ولا يقتصر الدعم والمساعدة على الجانب المادي فقط ،بل يجب أيضًا أن يكون في الجانب المعنوي، عادة ما يواجه الرجال مشاكل أكثر صعوبة في المجتمع، بإمكان النساء تقويتهم، وإزاحة التعب عنهم، والتبسم لهم وإدخال السرور عليهم، وكذلك لو كان لدى المرأة عمل خارج البيت، فينبغي للرجل أن يقدم لها الدعم والمساعدة ويدرك متطلباتها ويتفهم أحاسيسها ولا يغفل عنها.
يجب على كل منهم تهيئة الوسائل لا وضع العراقيل، فإذا لاحظ الرجل أن زوجته تريد أن تعمل عملًا إيجابيًا فعليه أن يهيئ لها الوسائل اللازمة قدر المستطاع، ولا يضع العراقيل أمامها مثل إكمال الدراسة أو المساعدة في أعمال خيرية…
إن الصبر في سبيل إقامة حياة زوجية سليمة لهو أمر في غاية الأهمية على كل المستويات، يجب الحذر من الأفكار الهدامة للحياة الزوجية، وفهم الدعوات للعزوف عن الزواج على أنها دعوات شاذة مخالفة لفطرة البشر، فصعوبات الحياة ليست مرتبطة بالزواج بقدر ارتباطها بنمط الحياة الذي نعيشه، فكلما كانت الحياة بسيطة وقائمة على الاحترام والتقدير كانت أكثر سعادة.
في الختام نتمنى الحياة السعيدة لكل المقبلين على الزواج، وأن يدققوا في الاختيار، لأن الاختيار السليم من ركائز الزواج السعيد، وأن يدرك شبابنا اليوم أن الزواج في أساسه علاقة معنوية قائمة على المودة والرحمة لها متطلبات مادية وليس العكس.
مقالات ذات صلة:
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا