إصداراتمقالات

حقوق الإنسان فى عصر العولمة

منذ إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ١٩٤٨م للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ونحن نعيش في حقبة جديدة من تاريخ الحياة الإنسانية، فبعد الصراع الدامي في الحرب العالمية الثانية لم يجد العالم حلّا ليحافظ على ما تبقى فيه رمق الحياة إلا بأن يعتصم بقليل من المبادئ والمعايير التي من شأنها أن تقي العالم الوقوع في كوارث جديدة تتزلزل معها الثقة بإنسانية الإنسان نفسه، فكان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان خطوة تحمل في طياتها بعض الأمل المفقود لشعوب أنهكتها ويلات الحروب.

بالطبع هذه ليست النشأة الأولى لحقوق الإنسان بمعناها الصحيح فلا يمكنك أن تعطي تاريخًا محددا لقيام الإنسان بالبحث عن حقوقه وإقرارها بل هو أمر فطري في الإنسان أن يعمد إلى ترسيخ حقوقه والانتفاع بها، ولكن نُجمل القول هنا عمن عرفوا حقوق الإنسان قبل عالمنا الحديث. فمن عهد اليونان القديمة حيث أفلاطون وأرسطو وإقرار الأخلاقية السياسية وبحث أفلاطون عن المدينة الفاضلة هو في الواقع بحث عن حقوق الإنسان، أيضًا كذلك كان الأمر في الحضارة الإسلامية التي أقرت حقوق الإنسان بشكل واضح فيقول الدكتور محمد عمارة في كتابه (الغزو الفكري وهم أم حقيقة): “إنّ ما عرفته الحضارة الغربية في العصر الحديث من حقوق الإنسان عرفته الحضارة الإسلامية قديما بل و مارسته على أنه فرائض إلهية فترى الحضارة الإسلامية (الحياة والحرية والاشتغال بالسياسة والعدل والكرامة… ) واجبات شرعية لا حقوق يمكن التخاذل عنها وهي فرض عين”.. وهذا قول إجمالي حول نشأة حقوق الإنسان في الحضارات المختلفة.

 ونحن اليوم نعيش في عصر العولمة عصر تراجع دور الدول والمؤسسات وتقدم دور المصالح والشركات بالمقام الأول وفي ذلك شرح يطول نجمل القول فيه بأننا اليوم نعيش عصرًا جديدًا من نوعه الحكام الحقيقيون فيه ليسوا كفراعنة مصر القدماء ولا محاربي اسبرطة الأقوياء ولا هم كحكام عصور اليونان من شيوخ وحكماء ولا حتى هم رؤساء تنتخبهم الجماهير الأوفياء بل هم فوق ذلك جميعًا، هم سلطة وأيُّ سلطة!! سلطة المال والأعمال والتحكم بمقادير الشعوب. حكامنا هؤلاء اليوم يتحكمون وهم ١ في المائة من سكان الأرض فيما يقرب من ٩٨ % من إجمالي الثروة البشرية، في الحقيقة لم يعد حكم هذا العالم لأشخاص بعينهم إنّما هي مجموع مصالح لشركات عالمية تتحكم تقريبًا في كل شيء من مصادر الطاقة إلى وسائل التنمية المختلفة وحتى الجيوش!

إذن في عالم تحكمه مجموع هذه المصالح المختلفة أين كان دور حقوق الإنسان؟! هذا السؤال يتبادر لذهن أول متأمل في الشأن العالمي وهو يجري في العالم اليوم من فظائع وجرائم فأين هي حقوق الإنسان مما يحدث في فلسطين بمباركة النظام العالمي وتحت رعاية وإشراف الكيان الصهيوني “الابن الشرعي للنظام العالمي”؟ وأين كانت حقوق الإنسان مما حدث في العراق منذ سنين؟ وأين هي مما يحدث في بورما اليوم من جرائم ضد البشر من المسلمين؟ وأين كانت مما كان قد حدث للشيشان؟ وأين هي في كل فظيعة وجريمة ترتكب أمام أنظار العالم وهو يقف حتى يتخيل لك أنه قد يكون مكتوف الأيدي، وهو ليس كذلك بالطبع، فهو بالأحرى قد استفاد من كل هذه الجرائم بل هو من دبرها ونفذها أصلا!!

خلاصة القول إننا لا نقف هنا موقف عداء من حقوق الإنسان في يومنا هذا. بالعكس فنحن نطلب حقوق الإنسان كما نطلب الهواء والماء والتمسك به فطرة وسنة طبيعية لكل كريم نفسٍ أبى أن يرى الهوان والاستضعاف في عيني إنسان. بل نحن هنا نقف موقف مساءلة ومحاسبة للأسس الأخلاقية التي قامت عليها مواثيق حقوق الإنسان في عالمنا بل والمواثيق السياسية جمعاء. فإنّ انتهاج سياسات المصلحة أوّلا وترك حقوق البشر تقع تحت طائلة وسلطة مصالح الأقليات هو ما فتك بحقوق الإنسان في عالمنا فتكا… فحقوق الإنسانة المنتزعة من الرغبة في المحافظة على المصالح والتي تهدف إلى شرعنة هذا النظام تحت اسم الإنسانية هي حقوق إنسان غير إنسانية أصلًا، بل هي انتقاص لكرامته وحريته الفكرية والعقدية .. وإنما حقوق الإنسان التي ينبغي علينا البحث عنها في نظام ربما يكون أفضل مما حولنا الآن هي حقوق تنطلق من ثوابت أخلاقية راغبة في نشر العدل والسلام بشكل عام بشكلٍ يفوق المصالح المادّية، فليس هدفنا حقوق إنسان تكتب بحبرٍ على ورقٍ ثم تتطاير هذه الكلمات مع رياح المنفعة العمياء … بل هدفنا البحث عن معنى أسمى لا ينتقص من إنسانية الإنسان ولا كرامته يكفل له الحق فعلًا ويمنحه الغاية الأسمى ألا وهي العدالة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أحمد رمضان

طالب بكلية الهندسة – جامعة المنصورة
كاتب حر
باحث ومحاضر بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة