إصداراتمقالات

ما هو الإطار الحقيقي القادر على استيعاب الحقوق؟ _ منظور آخر لحقوق الإنسان

ما هو الإطار الحقيقي القادر على استيعاب الحقوق؟ _ منظور آخر لحقوق الإنسان

بالعقل نزرع!

إذا ما أردت الاهتمام بنبتة ما مثلًا، فعليك أولًا جمع المعلومات عما تحتاجه هذه النبتة، والذي يتحدد بناءً على “حقيقة” هذه النبتة مجازًا، فتبدأ بالبحث عن مواعيد ريها، ومقدار الماء الذي تحتاجه، وهل هي من نباتات الظل أم الشمس؟ وإذا كانت من نباتات الشمس فما عدد الساعات التي ينبغي تعريضها للشمس خلالها يوميًا؟ وأي المواسم هو موسم إزهارها؟ وهل ينبغي إزالة الحشائش من حولها أم أنها حشائش ربما تفيد في نموها؟ وهل تحتاج لأسمدة معينة؟ إلى آخر هذه الأسئلة التي بإجابتها يتأتى لك العناية بنبتتك..

بالعقل نعرف الحقوق

إذن تطلب الاهتمام بأمر نيتك التقدم أولًا لمعرفتها، ومعرفة الظروف التي ينبغي توفيرها لها، كذلك الإنسان إذا ما أردنا وضع مواثيق لحقوقه، إذا ما أردنا التوصية ببيئة معينة ينبغي توفيرها ليرتقي فيها، ينبغي علينا التقدم أولًا لمعرفة حقيقته، ومعرفة عوامل ترقيه وتكامله، ومعرفة ما يضره وما ينفعه، وما هو الخير بالنسبة له، وما الشر الذي ينبغي اجتنابه؟

الإنسان من منظور الفلسفة والدين

الإنسان عرفته الفلسفة الإلهية وأكدت على ذلك الأديان في إطار ثنائية من المادي والمجرد، فنبهت إلى أنه ذو جسد مادي، ونفس مجردة عن المادة تمثل حقيقته لكونها مناط تميزه عن غيره من الكائنات، فهو يشارك النبات في النمو والتغذي، ويشارك الحيوان في الحركة بالاختيار، ويفارقهما بنفسه المجردة العاقلة، وقد أكدت على ذلك الأديان السماوية فكان مناط تكليفه في الدين هو عقله، وبالعقل عُبد الرحمن!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ما هي حقوق الإنسان؟

وفي إطار ذلك، فإن حقوقه تتمثل في حفظ جسده، وحفظ نفسه، مع تقديم الاهتمام بالنفس المجردة لما تمثله من حقيقة الإنسان.. وحفظ الجسد إنما يكون بتوفير الطعام والشراب النقي غير الملوث، وتوفير وسائل الانتقال التي تكفل له التنقل والسفر في يسر دون إهدار لوقته وكرامته فيها، وتوفير المسكن الملائم الذي يقيه التغيرات الجوية ويحميه من البقاء في الشارع، وتوفير الملبس الملائم الذي يقي جسده ويحافظ عليه، وتوفير بيئة اجتماعية واقتصادية وقانونية مشجعة للزواج لا تضع قيودًا -لا قيمة لها- لا يمكن للشخص الفكاك منها أو تمثل عائقًا له لا يمكنه من الإقدام على الزواج، والعمل في إطار سياسة اقتصادية توفر لكل فرد ما يكفيه ولا يضطره للسؤال، وغيرها من وسائل حفظ الجسد المادي.

أما عن حفظ النفس فكما أقر الحكماء وأكد على ذلك الأنبياء عليهم السلام فيكون بالمعرفة والترقي الأخلاقي، وعلى ذلك ينبغي العمل على توفير بيئة علمية تشجع الناس على التقدم لتحصيل العلم النافع، فيكون المجتمع حاضنًا للعلماء، ومشجعًا لهم على الاستمرار في رحلتهم العلمية وتعليم المتقدمين للتعلم، وموفر للوسائل التي تكفل الاستزادة من العلم، والتي تسهل عملية التعليم كالمراكز العلمية المتخصصة والمدارس والجامعات للنشء والشباب التي تكون تحت قيادة نخبة من علماء وحكماء المجتمعات.
وكذلك يجب العمل على توفير الظروف المواتية التي تكفل للإنسان الترقي الأخلاقي، فتسلم المنابر لنخبة حريصة على ترقي المجتمع خلقيًا، حاثة له على ذلك، مقدمة لنموذج للترقي الأخلاقي يكون قدوة، وكذلك توضع التشريعات التي تقي المجتمع التسافل كمواجهة الإباحية والعري والإسفاف، ومواجهة الرشاوي والخيانات، وغير ذلك من مظاهر التسافل الأخلاقي في إطار خطة تبدأ بتعليم الناس الخير وحثهم عليه وتنتهي بمنع ذلك بالقوة إن لزم الأمر، وكذلك التركيز على دور الأسرة باعتبارها البوتقة الصغيرة التي يبدأ فيها الإنسان التعرف على العالم والتي تشكل الجانب الأكبر من شخصيته، فينبغي الاهتمام بتوفير الجو الذي يكفل للرجل والمرأة تربية سليمة لأولادهم بدايةً من تعليمهم ذلك من خلال مراكز متخصصة تكفل لهم المشورة تكون تحت إشراف حكماء المجتمع، ومساعدتهم على توفير الوقت المناسب لقضائه مع الأولاد من خلال الخطط الاقتصادية التي توفر لكل فرد ما يكفيه فلا تلقي بالفرد في مفرمة المتطلبات المادية ولا تبقي له وقتًا ولا طاقةً للاهتمام بذويه!

الإطار الحقيقي لحقوق الإنسان

هذا هو الإطار الذي ينبغي أن توضع فيه مواثيق حقوق الإنسان، الإطار الذي يرى الإنسان في صورة متكاملة بثنائية تمثله هي ثنائية جسده ونفسه أو روحه.. الإطار الذي يرى الإنسان سفيرًا للإله على الأرض وخليفةً له يستمد القيمة والمعيارية منه، حيث وجوده قيمة وكمال أفاض به عليه الإله الحكيم، وحيث له دور ورسالة يؤديها متمثلة في ترقيه نحو الكمال الإلهي المطلق، وهي رحلة طويلة لن تنتهي أبدًا مما يجعل طموحه كبير وسيره دائم لا ينقطع

هذا الإطار الذي يقيم للإنسان وزنه الحقيقي وقيمته هو ما ينبغي أن يحدد حقوق الإنسان وتوضع من خلاله المواثيق التي تكفلها، لا الإطار الذي يهدر كرامة الإنسان وحتى حياته للون بشرته، أو لانتمائه لعرق معين، لا تلك النظرة القاصرة التي قدمت رؤية للإنسان في إطار بعده المادي وفقط، وعرفت الإنسان في حدود جسده الضيقة وفقط، فأقامت امبراطوريات استعمارية أهدرت حقوق شعوب وكرامتهم وحياة الملايين منهم رغبةً في الاستزادة من الموارد طبيعيةً كانت أم بشرية، ولتوفير أسواق لمنتجاتهم، وتشهد على ذلك الحروب العالمية التي راح ضحيتها الملايين من البشر، وقد استعاضت عنها حديثًا بشركاتها العابرة للقارات التي تستنفذ قوت الشعوب لصالح ثلة قليلة من المتحكمين في العالم! فصارت تولي من يكفل لها مصالحها وتعزل وربما تغتال من يقف في وجهها حتى صارت موارد البلاد لعنة على أهلها- على حد تعبير أهل نيجيريا عن البترول الذي جعلهم تحت رحمة شركات النفط العالمية-.
والتي صدرت نظريات وأفكار عن تنقية الدم، والأعراق الأفضل، والشعوب المختارة فأبادت الملايين، وجعلتهم فئران للتجارب الطبية كما تشير بعض التقارير عن شعوب العالم الثالث وأفريقيا التي تستغلها الدول “الكبرى” كمعامل كبيرة للمنتجات الطبية!
ليس هذا هو الإطار المناسب للحديث عن حقوق الإنسان، والدفاع عنها، فكيف لمن أهدر الإنسان قيمته وكرامته وحياته أن يتقدم ليدافع عن حقوقه؟!

اقرأ أيضا … الوجود الإنساني … ما لا تعرفه عن المادة والروح
اقرا ايضا … البدن والروح … علاقة تكاملية لسعادة الإنسان
اقرأ أيضا … أنا مكتئب، كيف أستعيد الروح ؟ – وكيف أتخلص من الكم الهائل من الهموم ؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

داليا السيد

طبيبة بشرية

كاتبة حرة

باحثة في مجال التنمية العقلية والاستغراب بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

حاصلة على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية

مقالات ذات صلة