مقالات

حضارة الغرب ثلاث حضارات

حين تقول كلمة الحضارة الغربية أو الحضارة الأوروبية يفكر الناس أنها حضارة واحدة، لكنها تنقسم إلى ثلاثة حضارات مختلفة، أوروبا الغربية وأستراليا، أوروبا الشرقية وروسيا، وأمريكا الشمالية.

حتى تفهم الفارق يجب أن تفهم تطور هذه الحضارة وولادتها، تربط الحضارة الغربية الحديثة نفسها بثلاثة مصادر:

١. الحضارة اليونانية والإمبراطورية الرومانية .

٢. القبائل الجرمانية في غرب أوروبا وأمريكا الشمالية، والقبائل السلافية في شرق أوروبا.

٣. الديانة المسيحية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ما بعد انتشار المسيحية

بدأت الحضارة اليونانية ٦٠٠ سنة قبل ميلاد المسيح عليه السلام، واستمرت الحضارة في الشرق وجنوب أوروبا حول البحر الأبيض المتوسط، وتطورت بعدها روما ليصعد نجم الحضارة الرومانية ، وتستمر من القرن الثاني قبل الميلاد إلى القرن الثالث بعد الميلاد (خمسة قرون).

بعد انتشار المسيحية في الحضارة الرومانية بدأت هذه الحضارة في التدهور والتراجع، وبدأت أوروبا تدخل في فوضى الغزو وسيطرة القبائل الجرمانية والسلافية المتخلفة (لذلك يعتبر الأوروبيون اليوم أن الدين يتعارض مع الحضارة، بينما في الشرق كان ظهور الإسلام وانتشاره هو سبب النهضة والحضارة).

طوال تاريخ المسيحية تظهر انشقاقات ويتم القضاء على بعض المذاهب على أنها كفر وهرطقة مثل النساطرة والأريوسيين إلخ، لكن في القرن العاشر الميلادي حدث انقسام أساسي، كنيسة الشرق الأرثوذكسية في شرق أوروبا أساسها القسطنطينية، وكنيسة الغرب الكاثوليكية في غرب أوروبا وأساسها روما.

الأرثوذكس تأثروا بالشرق الأوسط، الغرب الكاثوليك ظلوا في ظلام العصور الوسطى. في القرن الخامس عشر ظهر انقسام آخر، البروتستانت حيث أخذوا من الإسلام واليهودية تحريم القديسين و الأيقونات والطقوس التي تستلزم شخصا يكون وسيطا بين الإنسان والرب.

بداية الحروب الدينية

في بداية نهضة أوروبا حدثت حروب دينية، واستمر تطور أوروبا العلمي والمالي والفلسفي بفضل أموال استعمار أراضي العالم الجديد أمريكا واكتشاف طرق التجارة مع الهند والصين، واستمر تطور أوروبا والتعصب الديني طوال القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر، مع استمرار ديكتاتوريات حكام أوروبا (نهضة أوروبا استمرت وتطورت طوال ٤ قرون بدون ديمقراطية ولا علمانية).

مع بداية القرن التاسع عشر تكونت الولايات المتحدة الأمريكية (مجموعة من المهاجرين الهاربين من الاضطهاد الديني في أوروبا)، انفصلت عن أوروبا وقدمت مثالا ناجحا لما يسمى الديمقراطية، بعدها قامت الثورة الفرنسية في محاولة فاشلة لتقليد ديمقراطية أمريكا،

استمر تطور أمريكا الشمالية في صورة الارتباط بالدين _المسيحية البروتستانتية_ مع الديمقراطية مع الرجل الأبيض. تم استقدام ملايين العبيد من أفريقيا لتضيف أفكارا إلى تطور أمريكا الشمالية لكن تظل أفكار التفوق الأبيض.

التحول إلى الحروب القومية

في هذه الأثناء كان تطور أوروبا الغربية مختلفا، تعبت أوروبا من الحروب الدينية فتحولت إلى الحروب القومية!!

بدلا من حرب بين الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس، كانت الحرب بين الألمان والفرنسيين والإنجليز والروس، واتجهت أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية إلى المزيد من الإلحاد والعلمانية، وكذلك أوروبا الشرقية إلى الشيوعية، وانتشرت الأفكار الوجودية والفلسفات العدمية التشاؤمية، بينما لم تنتقل هذه العدوى بنفس الصورة إلى أمريكا الشمالية وأستراليا.

بعد الحرب العالمية الثانية تم اعتبار الديمقراطية والعلمانية أساس الحكم في غرب أوروبا وأمريكا الشمالية.

اليوم حضارة الغرب ثلاثة حضارات، امتداد الأرثوذكسية في روسيا وصربيا واليونان وأتباعها، والكاثوليكية في فرنسا وألمانيا وإيطاليا  وأتباعهم، والبروتستانت والأنجليكان في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وإنجلترا وأستراليا وأتباعهم.

بينهم من العداء والدماء أكثر بكثير مما بينهم وبين أي شيء آخر! ويتعلمون تاريخ هذا العداء منذ نعومة الأظفار، حتى أنهم يكرهون بعضهم أكثر من كراهيتهم للعدو التقليدي.. الإسلام!

تحسبهم جميعا.. وقلوبهم شتى!

اقرأ أيضاً:

الحضارة الغربية المتخلفة

الثقافة والحضارة

أنواع الحروب وعقلية المستعمر

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

أ. د. خالد عماره

الاستاذ الدكتور خالد عماره طبيب جراحة العظام واستاذ جراحة العظام بكلية الطب جامعة عين شمس