العصفور والقفص
خلق الله الإنسان وبثّ فيه حريته، وخلّصه من شوائب الرّق وأدران العبودية ووسخ الاستعباد ودناءة القهر، وحذّره من فَداحة الظلم والحيف.
يبدو مفهوم الحرية واضحًا جليًا عند وضْع طائر أو حيوان في قفص مُغلق، وتقييده عن الطيران والجري بحرية أينما أراد وأحب أن يتوجّه، إنه الكبت والضغط العصبي وكسْر النفس بخلاف الحرية المُركّبة بطبيعتها في الفطرة.
قد تتحوّل دولة من الدول إلى قفص كبير، يعيش فيه الشعب فلا يستطيع فرد أن يبدي رأيًا، أو يُكرّم على إنجاز، أو يُظهِر ابتكارًا ينفع الناس، إلا بإذن حارِسه ومُرَوّضه.
إنّ حرية الرأي والفكر مكفولة للجميع في الشرع والقانون، ولا يصح الحجر على رأي أي شخص كائنًا مَن كان، وكما قال “جون ستيورات مل”: “لو أنّ الناس جميعًا اجتمعوا على رأي واحد، وخالفهم في ذلك فرد بعينه في تأييد رأي مخالف، فليس هناك ما يُبرّر إسكات الناس لهذا الفرد، كما أنه ليس هناك ما يُبرّر قيام الفرد بإسكاتهم إذا أتيح له ذلك”.
كيف نصنع الحرية في المنزل؟
البيت تظهر فيه الحرية من عدمها، فإذا تعامل الزوج مع زوجته بصداقة وود وأمن وأمان ورحمة، ساد الاطمئنان والأخذ والعطاء والرأي والرأي الآخر، وأما إذا لم يكن إلا صوت الزوج وتحكّمه ومعاملة المرأة كجارية وخادمة، فإنها لا تشعر بحريتها وراحتها في مكان من الطبيعي أن تكون فيه مَلِكَته المُتوّجة.
المرأة المُتسلّطة كذلك لا تختلف كثيرًا، فقد تُفقِد الرجل كلمته ورأيه أو إنصافه أمام أهله أو خذلانه مع أصدقائه، فتُهمله ولا ترعاه، أو لا تقوم بما ينبغي عليها في البيت، فيتعرّض الزوج للضيق والإحراج والإحساس بالصّغار والدونية، ومن ثم ينعكس على النفسية والكرامة.
حرية الفكر والرأي لدى أبنائنا
إنّ الأولاد هم الذخيرة الحقيقية لأي أمّة، فينبغي الاهتمام بهم وتنشئتهم على حرية الرأي والتفكير وحرية الإبداع منذ صغرهم، وبداية انطلاقهم من المنزل، وهذا دور الأب والأم؛ التشجيع والتحفيز وزرع الثقة في النفس، ويأتي دور المدرسة في إكمال وتشييد البناء، والاهتمام به شكلًا ومضمونًا، بغير مجاملة أو انحياز، ثم المناهج الدراسية التي تبني وتغذي القلوب والعقول معًا، ويأتي دور الإعلام وما أدراك، تلك الماكينة الجبّارة التي إن استطاعت بناء وطن أعدّت برامج البناء، وإن أرادت هدم مجتمع فالخطط موجودة سلفًا وما أيسرها.
كما ينبغي عدم كبت الأولاد، أو معاملتهم على أنهم ما زالوا صغارًا مُهمّشين لا يعرفون شيئًا ولا يدركون الصواب من الخطأ، بل ينبغي معاملتهم ككبار يفهمون ويعقلون، لنصنع رجالًا عندهم ثقة في أنفسهم، بُنيت شخصيتهم ومن ثم يعتمد عليهم المجتمع.
أنواع الحرية وقيمتها
ما المصيْدة التي ننصب شِباكها للفئران ببعيدة عن مفهوم الحرية، فعندما نريد الإمساك بفأرة نستعد ونعد العُدّة لذلك ونُحضّر الأدوات، ونكون سُعداء أيّما سعادة بالإيقاع والفتك بها، ويا لَسعادة الفأرة التي استطاعت الإفلات من الفخ المنصوب لها والمؤامرة المُحاكة ضِدها، وسارعت بالجري في الفضاء الفسيح –فضاء الله– الذي لا يحدّه حد، ولا يعرف قسوة الإنسان وفظاظته وجبروته وتسلّطه.
إنّ الحرية لا يشعر بها إلا مَن وقع في التضييق وإحكام الخِناق عليه، كالسقيم الذي يتمنى الصحة، والجوعان الذي يحلم بالطعام، والفقير الذي يتمنى الغِنى واليُسْر والرخاء والعيْش الرغيد، والموهوب الذي لم ينل حظّه وفرصته للابتكار والوصول إلى ما يريد.
ينبغي كذلك تدريب الأفراد على أنواع الحريات، منها الحرية المالية لمجابهة قسوة الحياة ومن ثم التوجيه إلى الحكمة في الإنفاق وأسلوب الادخار، كما كان مهاتير محمد تدرّبه أمه على البيع والشراء وكيفية معاملة الناس وهو طفل صغير، بل كانت تكافئه وليس عيبًا، إنها حِيلَة من حِيَل وأساليب بناء الشخصية وترويض النفس وضبطها، فالإنسان لا يعيش منعزلًا بعيدًا عن الناس، بل في وسط الجماعة يؤثر فيها ويتأثر بها.
مقالات ذات صلة:
هل الإعلام وسيلة لتشكيل الرأي العام؟
الفكر وتشكيل صور الإساءة الثقافية
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا