مليار إنسان مشترك بمواقع التواصل الاجتماعي ! هل أدمناها؟2,3
أرقام عن التواصل الاجتماعي
تشير الأرقام إلى أن 2,3 مليار إنسانًا مشتركون في مواقع التواصل الاجتماعي! منهم 400 مليون يعانون من إدمان حقيقي لهذه الوسائل!
و18%من مستعمليها لا يستطيعون قضاء بضع ساعات دون زيارتها، و28% من مستخدمي «آيفون» يدخلون حساب «تويتر» قبل مفارقة السرير عند الاستيقاظ من النوم! ويقضي الشخص ما بين 60 إلى 80% من مدة عمله التي تتطلب اتصالا بشبكة الإنترنت في أشياء أخرى لا علاقة لها بعمله!
وكثرت التحذيرات حولنا من أخطار وسلبيات هذه الوسائل، بينما ذهبت آراء أخرى للتغني بأهميتها وقيمتها العظمى.
فمن الانتقادات السلبية لها أثرها على التواصل المباشر بين البشر، وتأثيرها على العلاقات بين الأصدقاء والأقارب، وتسببها في التفكك الأسري، حيث شاعت صور الأسر المجتمعة في مكان واحد بينما كل فرد مشغول وحده في استخدام هذه الوسائل.
تحذيرات
إضافة إلى التحذير من انتهاكها للخصوصية والأمان. وتسببها في بعض المشاكل الأخلاقية مثل النفاق والرياء وحب الظهور وعبودية الرغبة في الشهرة ونيل الاهتمام، كما شاعت بسببها الأخبار الكاذبة والشائعات المغرضة، ويحذر البعض من انعكاسها السلبي على المستوى الدراسي، ومعدلات العمل والإنتاج، وسوء استغلال أوقات الفراغ.
وأخيرا قد تؤدي لكوارث مثل حوادث السير وحوادث العمل في بعض الوظائف الخطرة، بسبب انشغال البعض بها عن الطريق أو عن مهام عمله، وفقدانه لإحساسه بالزمان والمكان من حوله.
أما من ناحية المميزات فيجادل أنصارها بأنها سهلت التواصل بين البشر، وقربت المسافات، وسهلت الوصول للمعلومات، والتعرف على ثقافات وأفكار مغايرة، والتواصل بشأن الخبرات وحلول المشكلات، وحولت العالم لقرية أصغر بكثير من ذي قبل!
كما أن لها أثرا في نشر الوعي وبعض المعارف والأخبار، واستخدمت في موجات التغيير التي اجتاحت بقاعا مختلفة من العالم مؤخرا مثل الوطن العربي.
كما أن لها دورا في التجارة الإلكترونية، وسهولة الوصول لبعض السلع، وسهولة البيع والشراء.
فما الموقف الأقرب للعقل تجاه هذه الوسائل؟
الظواهر الضخمة لا بد لها من أسباب ضخمة، ومحاولة تفسير ظاهرة الانتشار الشرس لوسائل التواصل الاجتماعي بتفسيرات سطحية أو فرعية أو جانبية ليست بضخامة الظاهرة هي محاولات قد تجانب الصواب.
إن الانتشار المذهل لهذه الوسائل ما هو إلا انعكاس لنزعات قوية هائلة راسخة في وجدان كل إنسان، مثل الحاجة للاجتماع؛ فالإنسان كائن اجتماعي باحث عن التواصل الاجتماعي بطبيعته، ومثل نزوع الإنسان نحو حب المعرفة والفضول، مما يجعله باحثًا نهمًا عن مصادر المعلومات والخبرات والتجارب والأخبار.
لكن هنا يثار سؤالان آخران، هل توجد وسائل أخرى لإشباع هذه النزعات؟ وهل هذه النزعات حسنة في المطلق حتى لو سيطرت تماما على الإنسان وحياته؟
بالتأكيد يمكن للإنسان أن يحاول إشباع هذه النزعات بعيدا عن وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، وقد قضت البشرية عمرها كله على الأرض تتواصل اجتماعيا وتجمع المعلومات بعيدا عن هذه الوسائل. فلماذا هذا الجنوح الشديد نحوها إذن؟
لماذا لجأ الإنسان لمواقع التواصل الاجتماعي؟
يرجع هذا إلى عدة أسباب، ربما أبرزها كون الإنسان لديه نزعة أيضا تجاه الراحة والسرعة، فهذه الوسائل مريحة وسريعة ولحظية، ويمكن الوصول لها في أي وقت، ولا تحتاج لبناء علاقات معقدة وصعبة، ولا إلى تواصل عميق، بينما الطرق الأخرى قد تحتاج مجهودا ووقتا أطول.
السبب الثاني هو تراجع الوسائل التقليدية للتواصل بشكل ما، بسبب انتشار النزعة نحو التمدن وسكن المدن، والهجرة والسفر والانتقال المستمر، مما أدى بالإنسان إلى العيش في ظروف اجتماعية جديدة يصبح فيها التواصل بالشكل التقليدي أصعب، فهو بعيد عن عائلته وأسرته، يبعد عنهم مكانيا، ويبعد عنهم بالانشغال أغلب الوقت سواء في تعليم أو عمل أو غيرهما. وهو يعيش في مدينة، حيث كل فرد مشغول في عالمه الخاص.
والوظائف الحديثة ونمط الحياة الحديث لا يتطلبان بالضرورة علاقات اجتماعية تقليدية راسخة، بل يستطيع الإنسان أن يحصل على كل احتياجاته دون أي تواصل اجتماعي مباشر في بعض الأماكن. كما أن الأفكار والقيم الجديدة تدعو للتفكك والتحرر من الروابط التقليدية كالأسرة والزواج. والنزعة المادية جعلت الزواج وإقامة البيوت أكثر صعوبة، وغيرها من آثار نمط الحياة الحديث.
أما السؤال الثاني الخاص بمدى حسن هذه النزعات فالإجابة عنه واضحة، إن هذه النزعات ضرورية وحتمية للإنسان وحياته ومصيره، فبدون النزعة للمعرفة تتوقف حياة الإنسان فردا ومجتمعا، وبدون النزعة للاجتماع قد يهلك الإنسان حرفيا، فهذه النزعات مهمة جدا للإنسان.
متى تحدث المشكلة؟
لكن المشكلة تحدث عندما لا يتم السيطرة عليها وتوجيهها في اتجاه يفيد الإنسان وينفعه ويسعده، ولا يطغى على حياته ويؤذيه ويضره. وهذه قاعدة عامة في كل نزعات وغرائز الإنسان، فشهوة الإنسان مثلا إذا لم يسيطر عليها ويوجهها قد تهلكه، فيأكل حتى التخمة والموت! فنجاح رحلة الإنسان في هذه الحياة متوقف بالكمال على التحكم في نزعاته وأهوائه وشهواته باستخدام عقله، وتوجيهها للاتجاه السليم المؤدي لسعادته دون شقائه.
وبالمثل ينطبق هذا على وسائل التواصل الاجتماعي، فهي ذات فوائد بالتأكيد، وأضرار كما سبق، أقلها أن تطغى على باقي حياته فتؤدي لشقاء لا سعادة.
ماهو الحلل؟
إذن لكي يستخدم الإنسان وسائل التواصل الاجتماعي استخداما صحيحا لا بد أن يُحكّم عقله في حياته. مثل أن يعرف ويبحث عن إجابات للأمور ذات الأهمية القصوى لحياته ومصيره، مثل لماذا يعيش؟ وما هي الغاية من وجوده هنا؟ ولماذا خُلق؟ وما هو مصيره؟ وكيف يحقق سعادته الحقيقية؟
ثم يسعى لكي يحيا طبقا لما وصل له من إجابات وحقائق، مقاوما جنوح الأهواء والنزعات والشهوات، قابضا على زمامها ومسيطرا عليها وموجها لها، ساعيا إلى عدم الرضوخ للسائد المجتمعي إن كان فاسدا. وقد يستعين بأدوات مساعدة جزئية مثل بعض البرامج التي تحدد وقت استخدام هذه الوسائل أو يلجأ للمختصين.
إذا نجح الإنسان في هذه الخطوات كلها؛ عندها لن يستقيم استخدامه لوسائل التواصل الاجتماعي فقط، بل ستستقيم حياته بأكملها!
اقرأ أيضا:
لُب الزيتونة .. البحث عن السبب الجذري أفضل من معالجة الآثار الناتجة عنه
أخلاقيات العمل .. كيف ننمي الأخلاق داخل بيئة العمل!؟
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط
ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب