مقالاتمنطق ومعرفة - مقالات

جاهل مش شتيمة على فكرة

في أغلب الأحيان حينما ننعت شخص ما بصفة الجهل؛ يحملها محمل الإساءة وكأننا قمنا بسبّه في حين الأمر أبسط من ذلك بكثير فمن ذا الذي في عالمنا الحالي وسع علمه كل شيء؟!

بكل بساطة لا أحد.

إذن؛ كل البشر جهلاء بشكل من الأشكال، ولنحدد وجه القصد بالتفصيل؛ نقول إن الإنسان لابد له مع علمه ببعض الأمور أن يجهل أخرى فمثلاً الفلاح الذي يزرع الأرض قد يكون جاهلاً بخبز الخُبز والمهندس المتخصص في ميكانيكا السيارات قد يكون جاهلاً بعلم الطب وهكذا.

لذلك تكون صفة الجهل ليست إساءة في حد ذاتها وإنما هي وصف لحالة الإنسان المعرفية حول موضوع أو قضية أو مجال ما

فتعريف الجهل:

هو عكس العلم وجهل الأمر يعني خفي عنه، والفاعل منه جاهل والمفعول مجهول

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أنواع الجهل:

وللجهل نوعان؛ نوع بسيط وآخر مركب؛

فأما البسيط فهو تلك الحالة من عدم المعرفة التي يرصد صاحبها عدم جهله بقضية أو موضوع أو شيء معين.
فمثلا حينما يأتي شخص ليسأل عامل في مصنع كيف تم صنع تلك الآلة؟ فهو بالتأكيد يجيبه بأنه لا يعلم ، وذلك بكل بساطة لكون تلك المعرفة لم يتحصَّل عليها.

وذلك النوع من الجهل هو الجهل الطبيعي الذي ما إن سعي صاحبه بدفع حالته تلك والتعرف على ما يجهله أزال حالة جهله في الموضوع أو القضية أو الشيء الذي قد كان لا يعرفه.

أما في حالة الجهل المركب؛ فهو ذلك المرض المهلك ليس فقط لصاحبه بل عائد كذلك على الآخرين بأثره السلبي ولا يبالغ الفيلسوف اليوناني أفلاطون حينما قال “الجهل أصل كل شر” لما يكبده فعل صاحبه من خطأ وشر على نفسه والبشرية جمعاء والطبيعة.

وهو حالة من عدم المعرفة، ولكن صاحبها رغم ذلك يعتقد أنه يعرف فهو “جهل الجاهل بكونه جاهلاً” ولذلك النوع درجتان نفندهما:

فمثلاً حينما تسأل شخص ما عن معلومة معينة فيبدي رأيه دون دليل على صحة معرفته بتلك المعلومة؛ فهو يجيب دون أى علم وفق أدلة على صحة معلومته ورغم ذلك هو يتيقن صحة ذلك

مثالاً للتقريب:

صاحب لي عائد من واقعة اشتباك بعض الأشخاص مع بعضهم فيقول لي أرأيت ما حدث؟ فلان قد افتري على فلان وضربه.
هنا كوني مستمع فواجب علي أن أسأله أرأيت ذلك؟!

فيجيبني لم أرَ ولكن قال لي شخص رأي ذلك، فنسأله ما دليلك على كون ذلك الشخص عارف بما حدث أي أنه يقول الحقيقة كما وقعت؟ أليس من الممكن أن يكون لم يعرف بعض المعلومات فاشتبه عليه الأمر ونقل حادثة الواقع وفق فهمه؟! أليس ذلك واردًا ؟!

أم أنك سألت طرفي النزاع أنفسهم أو من ينتمي لهم لتتيقن صحة ما حدث وصدق قول ذلك الشخص؟!

وهنا يُكشف لنا أن ذلك النوع من الجهل المركب هو جهل مركب نتيجة استيقان صاحب المعلومة مصدر معلومته؛ مما جعله واثقًا كونه على صواب، والإشكال الواقع فيه أصحاب ذلك النوع هو إشكال عقلي منطقي؛ أي أن العقل لديهم يبني صحة المعلومات دون أدلة منطقية واضحة لهم وهو ما يسهل معالجته بإعادة معالجة عملية التفكير وتطبيع العقل على آلية التفكير المنطقي؛ ليكشف له صحة المعلومة بدليلها المطابق للواقع لا بأي سبب آخر غير ذلك.

وهناك درجة لا يقوي عقل صاحبها على تقبل كون معلومته خاطئة أي “كونه جاهل” وتلك الدرجة لأسباب عدة على رأسها عدم استعداد صاحب ذلك النوع لتقبل الحقيقة والجهل بممارسة ندية مع الحق دون أن يشعر ذلك؛ أي أنه يجعل الحقيقة والحق معه سواء أكان معلومته خاطئة أو لا، لا بالأدلة بل بأهوائه وتبريراته وحججه والتي ما إن سطعت أمامها الحجج الحقة أبهتته.

وتتنوع أسباب ذلك النوع من الجهل؛ ولكنها تندرج كلها تحت قاعدة كلية تسمي بموانع التفكير أي أن كل ما يمنع العقل على إجراء عملية التفكير المنطقي هو سبب لذلك النوع ونذكر منها ” النفعية، الانتماء الأعمى، العقل الجمعي ، العصبية القبلية، الشهوة، الغضب ،العُجب، الكبر، الحسد، الكره، وغيرهم؛ فالشرط هنا أن يكون السبب معطل لعملية التفكير المنطقي فيحجب صاحبه عن الحقيقة التي تكشف له خطأ معلومته أو رأيه أو معرفته التي كان يعتقد كونها صائبة.

الاعتراف بالجهل أو خطوة المعرفة:

من يعرض عليه سؤال عن موضوع معين وهو لا يعلم شيء عنه، يتحرك ذهنه إلي أمور قد يذهب في بعضها إلى ما سيكون شكلي إن قلت لا أعلم!

أو يقول سيكون ذلك تقليلاً لي أن قلت لا أعلم!

أو يقول أنا أعلم كذا وكذا!

أو يقول أنا أعلم كذا وكذا لكن ما دليلي على ذلك؟!

وكل حالة من تلك النماذج من التفكير تكون لها نوع رد مختلف عن الأخرى ولكن لتنوع الشخصيات يختلف الرد.

ومع ذلك فإن اعتراف الإنسان بجهله لا يقلل قيمته كما قيل كلما علمت كلما زادني علمي علمًا بجهلي.

وهو المطلوب؛ فإن معرفة مواطن الجهل هما أو خطوة نحو إزالته.

وفي ذلك يقول أحمد بن عطاء الله السكندري “لأنْ تصحب جاهلًا لا يرضى عن نفسه، خيرٌ لكَ من أنْ تصحب عالمًا يرضى عن نفسه.

اقرأ أيضاً:

بطون تكاد تنفجر من الجهل!

الجهل المركب وثقافة الموت

الجهل أصل كل مشكلة … ولكن ما الحل!؟

محمد سيد

عضو بفريق بالعقل نبدأ أسيوط