مقالات

“نفسي ومن بعدي الطوفان” أم “نحن جميعا في قارب واحدة”؟

نشاهد كل فترة سواء في وسائل الإعلام المكتوبة أو المرئية أو حتى في قراءتنا لكثير من الكتب لثنائية الفرد أم المجتمع ونلاحظ أن لكل فريق أسبابه والتي يقوي بها وجهة نظره، فأصحاب النظرية التى تقول {نفسي ومن بعدي الطوفان} يقدم من الأسباب والمبررات لاتخاذه وجهة نظره تلك، وعلى الطرف الآخر نجد أيضا أصحاب الرأي القائل {إذا كان رب البيت بالدف ضاربًا فشيمة أهله الرقص} في إشارة منه بأن المجتمع بقوانينه هي التي تحدد علاقات وسلوكيات أفراده.

وهم الصراع

لمناقشة هذه الثنائية التي لا يخلوا نقاش علمي أو فكري من التطرق لها سواء من بعيد أو قريب، لا بد في البداية أن نعرف المجتمع، وقد أجمع الكثير من المفكرين على تعريف المجتمع بأنه {مجموعة من الأفراد تربط بينهم علاقات ويتبادلون العواطف والاهتمامات ويتشابهون فى الميول والأهداف المشتركة}، وعليه فإن أساس كل مجتمع وعماد تكوينه هو الفرد أو مجموعة الأفراد الذين يكونون هذا المجتمع، وانطلاقا من هذا التعريف يظهر لنا سؤال مهم، وهو هل الفرد بحاجة للمجتمع؟ وبدون أدنى شك لقد أجمع علماء الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس وكثير من العلوم التي تهتم بدارسة الإنسان وعلاقة الفرد  بالمجتمع حاجة الإنسان الملحة لوجوده في مجتمع؛ حيث عرف البعض بأن الإنسان يميل للاجتماع لسد احتياجاته سواء المادية أو المعنوية فوجود الإنسان في مجتمع يضمن له إحساسه بالأمان ويساعده على تلبية احتياجاته بطريقة أسهل وأسرع كما أنه يحتاج للمجتمع في تكامله على المستوي المعنوي ففي معاملاته تظهر آفاته النفسية والأخلاقية التي لم تكن تظهر بوضوح لو لم يتعامل مع غيره من الأفراد كذلك يحتاج الإنسان إلى تكوين أسرة لتلبية احتياجاته الشهوية، ويمكن رصد الكثير من جوانب احتياج الإنسان لوجوده داخل مجتمع.

وبناءً عليه نجد أن ثنائية الفرد أو المجتمع ثنائية ليست في محلها وذلك لأن صلاح المجتمع متوقف على صلاح أفراده، ولكن تظهر هنا إشكالية في غاية الصعوبة وهي كيف يمكن إصلاح أفراد المجتمع لكي يصلح المجتمع؟

فمن الصعب بل من المستحيل أن نستطيع إصلاح كل أفراد المجتمع لأسباب كثيرة جدا ومتداخلة..

إذن ما هو الحل؟

يقول أحد علماء النفس ويوافقه كثير من علماء الاجتماع بأن الأخلاق معدية  سواء كانت حسنة أو سيئة. وهذا قد يكون صحيحًا إلى حد كبير ذلك بالنظر إلى النخب الموجودة في كل مجتمع والتي تتوسط التقسيم الهرمي بين السلطة والشعب والتي ترى فيها الشعوب الموجهة لها في أغلب أنماط حياتهم سواءً على المستوى الشخصي أو المجتمعي، وعليه لصلاح المجتمعات والتي كما أشرنا أن مكونها الأساسي هم الأفراد، يجب أن تتحلى فيها هذه النخب بالقدر الكافي من المميزات والملكات الأخلاقية الواجب توافرها فيمن يتصدى لإرشاد الناس كما يجب، بل من الواجب أن يتمتعوا ويتقنوا سبل التفكير المنطقي السليم، الذي يكون المحرك لهم لتهذيب أنفسهم وتخليصها من الآفات الظاهرة مثل الغش والكذب والنفاق الذي يجعلهم يقلبون الحقائق ويزيفون الوعي من أجل مكاسبهم الشخصية، والتي هي في الأساس نابعة من أمراضهم الباطنية التى علي سبيل المثال لا الحصر مثل العجب بأنفسهم والتمحور حولها والنظر لما تفعله على أنه الخير المطلق، كما يأتي الغضب في مقدمة تلك الأمراض الباطنية أيضا وقد أشار علماء الفلسفة والأخلاق وبعض من علماء النفس أن الغضب ينبع في الغالب من الحماقة والجبن، كذلك يأتي الحسد من ضمن أهم الأمراض الباطنية التي قد تجعل صاحبها بسبب حسده ينكر الفضل ويقلل الإنجاز ويبحث عن النواقص والسلبيات لا عن الإيجابيات، والكثير والكثير من الآفات التي يجب أن تتخلص منها نخب المجتمع التي أشرنا إلى أهميتها في إصلاح المجتمعات باعتبارها قاطرة الإصلاح الحقيقية التي تجعل من صلاح الأفراد مقدمة لصلاح المجتمعات، وبذلك لا يكون لثنائية الفرد أو المجتمع وجود طالما نظرنا للموضوع نظرة موضوعية قائمة على أساس منطقي سليم.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

 

:-مقالات متعلقة

الكوميديا ودورها الهام والمؤثر في الغزو الثقافي والفكري في المجتمعات
      سلسلة شرح الفلسفة السياسية ( الجزء الخامس ).. نشأة المجتمع الفاضل

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.