ثنائية التجربة أم البديهيات .. زاوية واحدة فقط لا تكفي
إذا كنت أمام شخصين، يقول أحدهما أن المفاهيم الرياضية والعلوم الفيزيائية في أصلها الأول هي ناتج من العقل والفطرة، ويقول الآخر أنها ناتجة من التجربة العلمية والأبحاث.
رأي أصحاب نظرية العقل
وهنا تختلف وجهات النظر؛ حيث يرى أصحاب نظرية العقل والفطرة أن العقل هو أصل المفاهيم الرياضية، وتعود إلى المبادئ الفطرية التي ولد الإنسان بها وهي لا تحتاج إلى التجربة لأن العقل بطبيعته يحتوي على مبادئ فطرية؛ حيث إنه من البديهي -وحتى لدى الأطفال- معرفة أن شخصين هو عدد أكبر من شخص واحد،
فهناك بعض المفاهيم التي تتميز بالوضوح والثبات؛ فهي مفاهيم ناتجة من العقل وموجودة فيه منذ المولد، وهكذا يتم التطبيق على الرياضيات وغيرها من القيم الفطرية مثل حب الأطفال للخير الفطري، ولكن سوف نواجه مشكلة هنا ألا وهي، أنه لا يمكننا أن نتقبل أن جميع المفاهيم هي مفاهيم عقلية لأن الكثير من المفاهيم الرياضية لا يتم تطبيقها أو الأخذ بها إلا عن طريق التجربة المادية.
الرياضيات والتجربة
وتاريخ العلم يدل على أن الرياضيات وقبل أن تصبح علما عقليا فإنها مرت بالعديد من المراحل التي تم فيها التجريب؛ فالهندسة سبقت الحساب والجبر لأنها أقرب للتجربة، وعلى الجانب الآخر يرى الذين يميلون إلى التجربة أن المفاهيم والمبادئ الرياضية والعلمية سواء النظريات أو غيرها هي بالأساس تعود إلى التجريب المادي لإثبات الفكر أو الأفكار الحسية؛
ففكرة الدائرة جاءت من رؤية الإنسان للشمس، وفكرة القرص جاءت نتيجة مشاهدة الإنسان للقمر، وكذلك علم الإحصاء بفروعه المختلفة فهو أتى من مبدأ الاحتمالات و التجربة من أجل الوصول إلى نتيجة.
لا تعارض بين العقل والتجربة
ولكن يمكننا القول بأن التعارض بين القولين لا يؤدي إلى إلغاء أحد القولين وذلك لأنه ليس بينهما تناقض؛ حيث إن اجتماع النقيضين باطل،
ويبطل به الاستدلال وذلك لأن كلا منهما صحيح في ذاته وفي موضعه؛ حيث إن كلاًّ منهما هو بناء للآخر، ويبقى أصل المفاهيم الرياضية والقوانين الفيزيائية البسيطة التي نطبقها بدون أن نشعر في حياتنا اليومية هو التكامل بين العقل و التجربة.
خطورة الثنائية غير المنطقية
بناءً على ما سبق يتضح لنا خطورة الثنائية على كافة الأصعدة سواءً العلمية منها أو الفكرية والتي ترى وجها واحداً فقط لكل شيء، فإما التجربة أو التعقل، كذلك تعرضنا على مدار التاريخ لثنائيات أخرى ما بين العلم أو الدين، أو الفلسفة أو الدين…
كل تلك الثنائيات غير المنطقية أدت بنا في الكثير من القضايا إلى التأخر وعدم إصابة عين الحقيقة؛ لذلك يجب علينا التدقيق جيدا ما بين الثنائية المنطقية والثنائية غير المنطقية؛ ذلك لأن خطر الأخيرة يكمن في أنها أي الثنائية غير المنطقية تعد أولى خطوات التطرف؛ حيث يتمسك كل طرف بوجهة نظره في قضايا تحمل أكثر من احتمال أو في قضايا مركبة من أدوات عدة، لكن من يتبنى الثنائية لا يرى الحقيقة إلا من زاوية واحدة.
كل ذلك الخلط والتشتت يمكن بقليل من التفكر والتأمل أن يحصل ونخطو أولى خطواتنا ضد الثنائية غير المنطقية المدمرة.
اقرأ أيضاً:
. بعد نجاح عملية زراعة الرأس، هل يمكننا إعادة الحياة للجسد ؟
هل كل ما نقرؤه في المجلات العلمية صحيح؟
مبحث القيم في الفلسفة وإشكالاته – كيف ينظر المنهج التجريبي المادي للأخلاق ؟