مقالاتعلم نفس وأخلاق - مقالاتمنطق ومعرفة - مقالات

ثنائيات مهلكة – أفكار تؤدي إلى الهلاك!

أفكار أم دمار!

قطار قادم بسرعة عاتية بلا ربان يقوده، اصطدم بحاجز خرساني متحجر، فتحطم القطار وتهدم الحاجز، وأصاب الهلاك كل من كان على مقربة منه، وابتلعت النار كل شي!

تماماً كالخلاف الطائفي، تجمع بشري يتصرف باللا وعي، من الصعب إقناعه بالحقائق والمنطق، بساطة تفكيره تمنعه من النظر والتعلم من التاريخ ، لا يتراجع إلا بعد أن يعاني ويستنزف موارده المادية والبشرية، جمهور ذو مشاعر بسيطة سريعة التقلب،

مشاعر مضخمة مضاعفة بقدر عددهم، من الممكن أن تؤثر فيهم إشاعة تقبلت بلا وعي أكثر من مائة مقالة تحليلية موضوعية، تسوقهم لفعل أكثر الأشياء نبلاً أو أكثرها بشاعةً وجنوناً، تحت تأثير الاغترار بالعدد والقدرة علي فعل أي شيء.

تجربة ستانلي ملغرام

أقام عالم الاجتماع ستانلي ملغرام تجربة جمع فيها متطوعين، وأخبرهم أنهم سيساعدون في تجربة لتحسين قدرة الإنسان على التذكر، بأن يقوم المتطوع بقول كلمات ويطلب من الشخص في الغرفة المجاروة أن يردد ما قاله، عندها يتظاهر الشخص في الغرفة المجاورة بعدم قدرته على التذكر فيكرر الكلمات خطأ، فيصعقه المتطوع عن طريق الضغط على الزر،

يتظاهر الشخص في الغرفة بالألم فيستغيث ويصرخ “لا أستطيع أن أتحمل أكثر” فيطلب ستانلي من المتطوع أن يستمر في التجربة، وفي كل مرة يزيد الصعقة الكهربية وفي كل مرة يتزايد صراخ واستنجاد الشخص في الغرفة المجاورة، وفي بعض المرات يتوقف عن إظهار أي رد فعل، المثير في الأمر أن ثلثي المتطوعين في التجربة تعدوا حدود الصعقات القاتلة، وزادت قوة تلك الصعقات كثيراً في حال إيهامهم بوجود حيوانات في الغرفة المجاورة!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ويمكن أن تعطي لنا تلك التجربة بعض المؤشرات…

أفكار بلا وعي .. ثنائية مهلكة

فهكذا تفعل الأغلبية عندما تستحوذ عليهم أفكار زرعت في عقلهم اللا واعي فيقومون بتصرفات جنونية، ولا يمكنهم التفكير بموضوعية فيما يفعلونه، ويكونون مقتنعين أن ذلك هو الصواب، فيذهب البعض ليقتل أهله وزملاءه وجيرانه وأبناء بلدته وبني دينه؛ لمجرد إيمانهم بأفكار تقبّلها بلا وعي ناقد،

أفكار قسمتهم إلى فريقين، وتبدأ هذه الثنائية نحن وأنتم تتكرر كثيراً، إسلامي وعلماني، أهلي وزمالك، مسلم ومسيحي، سنة وشيعة، أرثوذكس وكاثوليك، صعايدة ومصراوية.

فتتحول كل حشد لكتلة ذهنية واحدة، لها صفات تختلف عن باقي الأفراد، كتلة ذهنية تفكر باللا وعي، بسيطة في تفكيرها، مشاعرها متغيرة متقلبة مضخمة، تنساق بسهولة واندفاع وراء تأثير حدث معين أو انقياد لنخبة وقائد، تزداد الفرقة والانقسام، كل من لا يزايد ويعلو بسقف الصراع والجنون يكون متهماً، كل من سيطالب بالتوقف والتفكير بعقلانية يكون خائناً يجب القضاء عليه.

يتحول الواقع لأبيض وأسود، معي أو ضدي، تضع كل فئة الآخر في عالم أسود، وكل أفعاله تكون فاسدة حتى من غير تفنيد، وينصب كل منهم نفسه قاضياً على الآخر، ويضع معارضه موضع اتهام حتى ولو بدون دليل، فيحكم عليه بالسحق والفناء فيستحل دمه وماله وعرضه، ويشارك في القضاء عليه أو يصفق ويبارك لمن يساهم في ذلك، بغض النظر عن ماهيته أو مصلحته.

هل الخسارة هي الحل؟!

في النهاية يشعر كل طرف بخسارة الآخر، فيحاولان أن يتوصلا لحل عقلاني يوقف العداء و الهلاك ويسمح بالتشارك فيما بينهما، هذا الجمهور الذي أصبح مثل طفل لا يخاف التحذير من النار إلا بعد أن تحرقه، ولنا في حروب القرن المنصرم عظة؛ فلم يكن يتخيل الطرفان أن الأمور ستؤدي لهذا الجنون، لم يتخيل أحد هذا القدر من الدمار والفتك و الهلاك ، الذي سيصيبهما ومن حولهما،

وفي النهاية يعود البعض منهم ممن تعلم وأدرك لحل عقلاني بعد أن أنهكتهم الطائفية، هذا الجمهور لا ينظر للتاريخ ويتعلم، علينا أن نتعظ من العشرية السوداء في الجزائر التي أزهقت مئات الآلاف، و الفتنة بين الهوتو والتوتسي في رواندا التي ذهبت ولكن معها أكثر من مليون نفس.

ما على النخبة وما على الفرد

والواقع يؤكد أن إنهاء الأزمة لا بد أن تكون بيد القيادة العاقلة، والنخبة وصناع القرار المنطقيين؛ ومن ثم علينا أن نختار رموزنا بعناية، وأن نبني نخباً عاقلة واعية منضبطة، لها بعد نظر، مدركة لمهازل التاريخ، علينا فردياً إيقاف دعم أي فئة تسلك طريق الفرقة، علينا الوقوف مع أنفسنا والتدرب على التفكير بموضوعية مع كل تغير أو حدث،

علينا أن نقبل أفكار الغير ونناقشها بحكمة وأن نخلق حلولاً وسطية، أن نحاول تغيير الناس المحيطة بنا والمقربة منا وتوعيتهم بما يحدث، وما ستؤول إليه المقترحات المعلنة، علينا أن نلتمس الأعذار لغيرنا والبعد عن الإهانات والاتهامات الجزافية والميل لعرض وشرح الحقائق بطريقة مبسطة؛ فمن حق الكل أن يعرف.

في النهاية التاريخ لا يعيد نفسه ولا يملك القرار في هذا، ولكن نحن من نتوقف ونفكر أو ننساق من غير دليل.

 

اقرأ أيضا:

محمد صلاح والبحث عن الذات .. السعي والتركيز على الهدف وتحديد الطريق

 خلود جلجامش في عصر العولمة .. ولنا من روايات السابقين عبرة

المعاناة والألم … هل من سبيل للخلاص من المعاناة ؟ ولماذا نعاني من الأساس ؟

علاء حسين

عضو بفريق بالعقل نبدأ أسيوط