ثقافة الموت
قيل أنه بالأضداد تُعرف الأشياء. لقد قامت الحياة على متناقضات لا أول لها من آخر ولكي يتسنى لك معرفة الشىء اعرف نقيضه. فما عرفنا الشباب إلا بعد معرفة الشيخوخة والكهولة وما عرفنا الصحة إلا بعد معرفة المرض، وغير ذلك من المتناقضات التي لا تعد ولا تحصى، والحياة نقيضها الموت وبعد دخول الإنسان عصر التنوير والحداثة توقف البحث في مسألة الموت وأصبح البحث فيها ضرب من ضروب الغيبيات وبالتالي غاب ما يعرف بفلسفة الحياة .
ثقافة الموت عند اللامبالين
أسميتهم باللامبالين؛ لأنهم حقا لا يبالون بالموت لقد أخضعوا كل ظاهرة في الحياة للدرس والفحص والبحث إلا الموت وما بعده؛ فقد دخل عندهم في دائرة اللامبالاة إما لإيديولوجية لا تؤمن بحياة بعد الموت، أو لمنهج علمي يرفض بحث ما يخرج عن التصور العقلي .
الرئيس الفرنسي الأسبق “فرنسوا ميتران” الذي شغل منصب رئاسة الجمهورية الفرنسية من عامي 1981إلى 1995 والذي ينتمي للحزب الاشتراكي الفرنسي بدى على ملامح وجهه التأثر الشديد أثناء تشييع جثمان زوجته، فما كان من رفاق الحزب الاشتراكي إلا الاندهاش والعتاب من تأثر الرئيس. ليس ذلك له، حتى مع زوجته لقد انتهت بالموت وأصبحت أثرا من بعد عين فلا حياة بعد الموت. والموت عندهم فناء لمادة الإنسان وليس معبرا لحياة أخرى .
ثقافة الموت عند القدماء
من يتابع ثقافة الموت في ثقافة الشعوب القديمة يجد شبة اتفاق بالحياة بعد الموت وأن الموت هو العبور الوحيد لهذه الحياة لذا اكتسب الموت الاهتمام المتزايد بطقوس جنائزية بالغة في الاحترام، وأقرب هذه الحضارات المهتمة بالموت الحضارة المصرية القديمة التي آمنت بالحياة بعد الموت
وبالغت في الطقوس الجنائزية للموتى من دفن حاجات الموتى معهم في قبورهم بعد تحنيط أجسادهم لاستخدامها بعد الموت، وبناء السفن الخشبية لتعبر بها الروح للعالم السفلي ويوجد واحدة منها معروضة بجانب سفح الهرم الأكبر إلى آخر هذه الطقوس الجنائزية التي تُعبر عن اهتمام المصريين القدماء بالموت .
عملة “خارون المعدنية” هي تورية للعملة المعدنية التي توضع في فم الميت قبل الدفن، هذه العملة تكون أجرا أو رشوة لخارون عامل ما بعد الموت كي ينقل روح المتوفي عبر النهر الذي هو الحد ما بين عالم الموتى وعالم الأحياء، هذه العادة مرتبطة بالإغريق والرومان القدماء .
الشعوب الهندية القديمة وإلى وقتنا هذا. يحرقون جثث موتاهم على ضفاف نهر الجانج في طقوس جنائزية، ثم يرمون رماد الجثث المحترقة في نهر الجانج مع إيمانهم أن لأرواح هذه الجثث رحلتها الزمنية التي لا تنتهي بعد الموت عبر أجساد الأحياء فيما يعرف “بتناسخ الأرواح” .
وغير ذلك من حضارات بلاد الرافدين والأزتك والهنود الحمر والصين القديمة والأنكا والفايكنج والماويين كلا منهم له ثقافته وطقوسه فيما يتعلق بالموت كشكل من أشكال الاهتمام بالموت وما بعده .
ما بعد الحداثة
في بعد ما بعد الحداثة؛ تهتم وكالة ناسا بالبحث عن وجود حياة خارج كوكب الأرض في الفضاء الفسيح للكون بنصب أجهزة استشعار ضخمة لالتقاط أى إشارة قد تكون لكائنات أخرى تعيش خارج كوكبنا، أما ظاهرة الموت وما بعد الموت التي كانت تهتم بها الحضارات الأخرى كجزء من ثقافتها؛ انتهى الاهتمام بها منذ بدء الحداثة ثم ما بعد الحداثة بدعوى أنها أمور غيبية يبرأ العقل من البحث فيها والاهتمام بها.
والسؤال هل البحث عن الكائنات الفضائية من الأمور الغيبية أم من الأمور قطعية الثبوت والدلالة؟