مقالات

إذا كنت تعاني من كثرة الشجار, إذا فعليك تعلم ثقافة الحوار

هل تذكر الحوار الأخير الذي قمت بإجرائه مع أحدهم ممن تختلف معه في الرأي سواء في الاتجاه العلمي أو السياسي أو الاجتماعي أو الدينى؟
هل تستطيع أن تجزم متى استطعت توصيل أفكارك بشكل واضح ومرتب لمن يحاورك بحيث يمكن القول أنه قد فهم ما قصدته بدقة ؟
هل نجحت في إقناع أحدهم يومًا ما بوجهة نظرك باستعمال الأدلة والحجج؟
هل حدث يومًا أن راجعت بعض أفكارك بعد مشاركتك في نقاش ما فاعترفت بخطئها وعدلت عنها؟

للأسف فغالبية هذه الأسئلة قد تكون إجاباتها سلبية، فالحالة التي أصبحنا نعيشها كل يوم ونجدها متأصلة في نقاشاتنا وحواراتنا اليومية بين أفراد الأسرة أو الأصدقاء أو نراها في الشوارع أو على شاشات الاعلام من مستوى نقاشات السياسيين والنخب والقادة نادرًا ما ترقى لهذا المستوى، فيغلب عليها #التعصب والاندفاع والغضب وغالبا ما تنتهي بخصومة أو فرقة أو خلاف أو بتر للنقاش لعدم جدواه بدون التوصل لأي نتيجة، إذا لم تتعد كل ذلك إلى المشاحنة وتبادل السباب والاتهامات والعنف اللفظي والبدني.

سلبيات الحوار ..

والحقيقة أن كل هذه المظاهر المؤسفة والسلبية تعود في سببها الأول إلى غياب مبادئ الحوار أو ما يعرف بثقافة الحوار. هذه الثقافة التي تعترف ضمنًا بوجود الاختلاف بين طرق ومناهج التفكير بين الأفراد مما لا بدّ أن ينشأ عنها اختلاف في الاتجاهات والاعتقادات والانتماءات، فإذا ما سلمنا بأن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه وأنه يحتاج إلى المجتمع ليقوم على حاجاته، وأنه بذلك لا بد أن يؤثر فيه ويتأثر به، ثم أدركنا أن قيام الحضارات لا يتم على يد قلة من الأفراد بل على يد مجتمعات تجمعها ثوابت وأصول ومشتركات، كان لا بد لنا أن نعي أهمية ثقافة #الحوار وضرورة أن يسعى أبناء كل مجتمع إلى الاجتماع حول تلك المشتركات والتي لن يمكن الوصول اليها والتوافق حولها إلا من خلال آلية الحوار البناء.

قديمًا علمونا أن إحدى السنن الاجتماعية التي تقوم عليها الصراعات هي منطق (فرّق تسد) وأن (الاجتماع قوة والانقسام ضعف)، فالمجتمعات التي تفشل في تحقيق ذلك القدر من التوافق والوحدة هي المجتمعات الأكثر عرضة للانهيار والانقسام والتمزق والشتات، ونتيجة ذلك الضعف الذي أصاب بنائها الداخلي أصبحت هي التي تسمح بل وتقدم لأعدائها فرص اختراقها وغزوها واحتلالها والسيطرة عليها بأقل قدر ممكن من الجهد، ذلك أن غاية ما يتمناه العدو ليتسيد ويسيطر إن لم تتوفر له عوامل القوة الذاتية هي أن يسعى لإضعاف من حوله وسلب نقاط قوتهم والمرتكزات التي يمكن أن يقوم عليها أي بناء في مواجهته، هذا المنطق الذي بالرغم من وضوحه نجد أنفسنا قد فشلنا كثيرا في استيعابه وتطبيقه ، هذا الفشل الذي تعددت أسبابه يحتاج منا لتقصي تلك الأسباب والتي منها نستطيع أن نؤسس لقواعد صحيحة وسليمة للحوار، فإذا ما حللنا تلك الأسباب وجدناها تنقسم إلى ما يتعلق بأسلوب الحوار أو توجهه أو أسسه أو أخلاقياته، وبداية فإن السؤال هو: كيف يمكن أن تحكم على صحة أو خطأ فكرة ما؟ وما هي المرجعية التي ينبغي أن نحتكم اليها في ذلك؟وهل ثمة وجود لتلك المرجعية بالأساس أم أن الأفكار والنظريات لا سبيل لتقييمها والحكم عليها؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

قواعد وشروط التفكير الإنساني ..

والحقيقة أن قضية أو ظاهرة التفكير الإنساني مثلها مثل أي ظاهرة تخضع لقواعد وشروط يمكن من خلالها تقييم نتائج #التفكير، تلك القواعد والتى يوفرها علم المنطق يحتاج إلى معرفتها كل إنسان بالضرورة، ليس فقط للحكم على أفكار غيره بل لتكون هي وسيلته الأولى في تقييم وإثبات ما وصل اليه هو أولًا من قناعات واعتقادات فيكون مستدلًا عليها من خلال الحجج والبراهين اليقينية والمطابقة للصحة وذلك قبل أن يشرع في الدخول إلى أي حوار. والحقيقة إن افتقادنا لمثل تلك المرجعية الصحيحة في تكوين الرؤى والافكار أو في الحكم على ما يصل الينا من معرفة هي السبب الأساس في لجوئنا للحيل البديلة في مواجهة خصومنا فلا يتبقى لدينا من حجج ندافع بها عما نعتقده سوى التسفيه أو التحقير من الرأي الآخر أو اتهام دوافعه وليس مناقشة أفكاره بشكل حيادي وموضوعي بعيدًا عن الأهواء والتعصبات الشخصية.

الأمر الآخر المتعلق بأسلوب الحوار هو القاعدة الأساسية التي مفاداها الفصل بين الفكرة وقائلها، والحذر من الوقوع في فح الثنائية ما بين القبول التام أو الرفض التام، فاختلافي في أحد الآراء مع غيرى لا يعنى بالضرورة نفيه أو إقصائه ورفض كل ما يصدر عنه من أقوال أو أفعال، وهي نفس القاعدة التي تسمح بالاتفاق مع أفكار أخرى حتى وإن صدرت عن أعدائي، فليست الثقة مبررا لقبول كل ما يصدر عن الصديق ولا الخلاف مبرر لرفض كل ما يصدر عن العدو أو مع من نختلف معه في الرأي، بل تصبح السيادة لمدى صحة أو خطا الفكرة في ذاتها وطبقًا لمدى مطابقتها للواقع بغض النظر عمّن يحملها.

أسباب فشل الحوار ..

كما إن من أشد أسباب خلق الكراهية والنفور الشخصي هو #التعصب للأفكار واعتبار الإنسان نفسه صاحب الحق المطلق وأن غيره هو من يمثل الباطل المطلق، هذا التعصب الذي ينافي حالة التواضع أمام الحق التي يجب أن يتحلى بها كل إنسان وهى بدورها من ستسمح له بمراجعة أفكاره اذا ثبت خطؤها ومن ستجذب الآخر لحالة الحوار وتخفف من حساسسيات الاختلاف الثقافي أو السياسي أو العقدي، فنحن دائمًا ما نواجه الآخرين بالرفض، ولأننا كذلك فنحن نتوقع نفس الأمر من الآخر مما يحفزنا للتسلح بآليات الدفاع عن أفكارنا حتى قبل أن نشرع في الحوار، ونضيق بشدة عندما يواجهنا الآخرون بما يخالف اعتقاداتنا ، إن هذا لا يعنى أن نشكك في كل ما نعتقده ولا ألّا ننحاز للأفكار التي أثبتنا صحتها يقينا من خلال الدليل، ولا المساومة والتنازل عن الحق، ولا يعنى احترام الرأى الآخر الإقرار بالأفكار المنحرفة التي تتعارض مع الحقائق وعدم مناقشتها، بل يؤمن لنا فقط أن نطرح أفكارنا في صيغة قضايا قابلة للنقاش والأخذ والعطاء أو كما قال الفيلسوف العظيم أرسطو واضع علم المنطق أن “علامة العقل المتعلم هو قدرته على تداول الفكرة دون أن يقبلها”.

هذا التصور في الإيمان بأحقية الغير في المعرفة وعدم احتكار الحقيقة هو الذي سيدفع المتحاور إلى استخدام أفضل أسلوب يناسب المتلقى أو المحاور لإيصال فكرته، والحكمة تحدثنا عن “خاطبوا الناس على قدر عقولهم”، تلك المقولة لم تعن أبدًا التسفيه أو الإقلال من شأن من نحاورهم ولكنها تخاطب حكمة المحاور بناء على فقه الواقع من اختلاف بين أفهام البشر، فهناك من يناسبه الخطاب المنطقي العقلاني المبنى على الدليل الصريح، وهناك من يقنع من خلال المسلمات والقضايا المشتهرة بين الناس، وبعضهم يقبل بالحقائق إذا صدرت عمن يثق فيهم، وآخرون يناسبهم لين الخطاب الذي يحرك عواطفهم ويثير نفوسهم.

مبادئ ثقافة الحوار ..

“اعرف الحق تعرف أهله” حكمة أخرى تؤسس لأهم مبادئ ثقافة الحوار ألا وهي أن يكون هدف #الحوار هو (البحث عن الحقيقة) وليس الانتصار للذات في معارك الأفكار، ومن جهة أخرى فهي تؤكد على علو شأن الحق وثباته بحيث يصبح هو المشترك والبوصلة التي يمكن للمتحاورين والشركاء أن يجتمعوا حولها، إن الحقائق لا يمكن أن تفرض على الآخرين فرضًا، ولا ينبغي أن تحرفنا القضايا الاستهلاكية على حساب الحقائق، ولا يجب أن نقضي أعمارنا في الخلاف حول القضايا الصغيرة وننسى العناوين الكبيرة التي بوسعها أن تجمعنا. هذا التجرد للحق هو الذي سيؤدى بشكل تلقائي إلى التخلي عن الموروثات والأحكام المسبقة والخروج من ضغوط الأجواء الاجتماعية والسياسية والإعلامية التي تؤثر في الإنسان ومواقفه فتحرفه بعيدًا الحقيقة، تلك الظروف التي تجعل الإنسان أسيرًا لها فيفقد عقله الخاص ليلقى به إلى قيد العقل الجمعي لتأتي تلك الحكمة لتنزه التفكير من ضغوط الجماعة ومن الأهواء الشخصية والعصبيات حين يسعى الإنسان لمعرفة الحقيقة قبل معرفة من يمثلها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أيضًا فمن أهم قواعد الحوار البناء هو تحضير الأرضية الفكرية المشتركة المؤهلة للتوافق، فعند الاختلاف حول قضايا عملية أو اجرائية ينبغى العودة لتأسيس الرؤية أو الاعتقاد الذي يمثل مبدأ العمل، وإذا كان الاختلاف حول مسائل نظرية ينبغي العودة لتأسيس منهج المعرفة الذي نشأت من خلاله الرؤية والنظرية، ففي كل الأحوال ينبغى البحث عن نقطة البداية والمشتركات ثم الانطلاق منها لإثبات ما بعدها وإلا تحول كل حوار إلى جدل عقيم لا فائدة منه، وتظل القيم الإنسانية والوطنية من الحق والعدل والخير هي دائمًا المظلة الشاملة والأرض المشتركة التي يمكن أن تجمع تحت ظلها جميع الانتماءات والأيدولوجيات المختلفة

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

.

#بالعقل_نبدأ

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أقرأ ايضاً …  الاخلاق وتأثيرها على الفرد والمجتمع
أقرأ ايضاً …  النظرة المادية للأخلاق
أقرأ ايضاً …  لم أجد السعادة الا فى عيون البسطاء

دينا خطاب

باحثة في علوم التفكير والمعرفة

فريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالقاهرة

مقالات ذات صلة