مقالات

ثقافة الحوار والحوار الثقافي

بداية لا بد أن نقدم تعريفا للمصطلحين، فما المقصود بثقافة الحوار؟

المقصود بها من وجهة نظري فهم واستبصار وإدراك الموضوع محل المناقشة، ثم إدارة الحوار بموضوعية مع طرح الذاتية وعرض رأيك مع فتح قناة تواصل مع الآخر والإنصات إليه باهتمام والدخول معه في حوار بناء من خلال عرضه لرأيه. أما الحوار الثقافي فهو عبارة عن اختيار نقطة حوارية في موضوع ما سواء كان هذا الموضوع سياسيا – اجتماعيا – اقتصاديا – سيكولوجيا مع دعوة أهل التخصص وذلك لتبادل الآراء والأفكار من خلال تنظيم مؤتمر أو ندوة أو أي مسمى آخر، أمسية مثلا، ويدير الحوار إداري بارع يمسك بزمام الحلقة النقاشية حتي لا يطغى واحد على الآخر.

والغرض من المصطلحين الخروج بحوار بناء من الممكن أن نستفيد بما يقدمه من آراء وأفكار وأطروحات ومعالجات ونتائج إلى إيجاد حلول لكثير من مشكلاتنا التي تمس واقعنا المعيش، كمشكلة القطيعة المعرفية، أو التفكير الأحادي الجانب، أو العزلة الفكرية، أو مشكلة التبعية الممقوتة، أو النزعات التشددية عند أصحاب بعض الديانات السماوية،

أو الوصاية الفكرية المتمثلة سلبيا إفعل ولا تفعل، أنا الذي أفكر لك، أنا الذي أكتب لك، أنا الذي أخطط لك، من دوني لا تستطيع أن تحيا، أو محاولة الآخر بسط هيمنته عليك، كالذي يحاول الغرب المتطرف أن يفعله مع أبناء العالم الثالث، أو كما يدعي بعض المستشرقين من مقولة (الغرب المتمدن، والشرق المتخلف).

إنسان اليوم ليس هو إنسان الأمس

وكثيرة هي مشكلاتنا المعاصرة، إذا أردنا الكتابة عنها لا تكفينا مقالات كثيرة، فواقعنا متجدد سيال متدفق وقضايانا لا تنتهي طالما أن هناك كائن حي إسمه إنسان، فإنسان اليوم ليس هو إنسان الأمس وإنسان الحاضر دأبه وديدنه السعي الدءوب لأن يكون إنسانا ينطلق إلى آفاق جديدة، وتحضرني مقولة للفيلسوف الأبيقوري أبيقور مؤسس المدرسة الأبيقورية في العصر الهيلينستي الذي غلبت عليه روح حضارات الشرق بنسكه وزهده، يقول أبيقور: “التحرر من المستقبل عبودية للحاضر”.

فلا تقوقع ولا تمركز ولا لف كفرجار مثبت المركز يلف في دوائر متحدة المركز، وإنما يطالبنا أبيقور بالانطلاق خارج الدائرة والتفكير خارج الصندوق من أجل الوصول إلى المستقبل بآماله وطموحاته.

هل حقا ونحن أبناء القرن الحادي والعشرين نفتقد هذين المصطلحين، ثقافة الحوار والحوار الثقافي؟!

على المنصة

أقول تعالوا معي إلى ما يحدث في الندوات العلمية المصغرة أو حتى المؤتمرات المحلية والدولية على حد سواء، المنصة منعقدة وأوراق بحثية من هنا وهناك، قاعة حافلة بجمهور من شتى صنوف المعارف.

نبدأ بالباحث ونجابهه بسؤال: “لماذا أتيت إلى هذا المؤتمر هل حقا لأنك تريد أن تحاور الآخر وتستفيد منه وتفيده فكريا؟ أم أنك أتيت إلى هنا لتحصل على جواز مرور لترقيتك؟

إن كان صريحا مع ذاته ومعك سيقول لك الحقيقة، نترك الباحث قليلا ونتجه صوب رئيس المنصة أول شيء يبدأ  كلمته بهالات من الترحيب والترحاب وأشكر وأشكر وأشكر ويضيع نصف الساعة في الشكر ثم يقدم الباحث قائلا: “إعرض يا فلان لورقتك البحثية فيما لا يزيد عن ربع الساعة”، يا سيدنا قدمت نفسك وشكرت العالم في أكثر من نصف ساعة وتطلب من الباحث أن يقدم بحثه فيما لا يزيد عن ربع ساعة!

وهكذا دواليك مع كل من على المنصة، السؤال ما الذي استفاده الحضور؟ أي استفادة وأي ثقافة وأي حوار؟ لا ثقافة حوار ولا حوار ثقافي، تجد الباحثين يتسابقون مع الزمن حتى لا تمر الربع ساعة، أي فكرة يريد أن يوصلها للحضور؟ فشل يعقبه فشل يتبعه فشل!

باب الحوار

نأتي إلى فتح باب الحوار، الحوار الثقافي وثقافة الحوار، الحاضرون يريدون أن يسألوا، يرد رئيس المنصة(رئيس الجلسة) سنأخذ عددا محدودا من الأسئلة، لماذا عدد محدود؟

لأننا مرتبطون بموعد الراحة والغداء (الأوبن بوفيه) ومواعيد سفر الأساتذة، يا أستاذنا لم نقطع كل هذه المسافات لنأكل ونشرب وإنما أتينا للاستفادة لمحاولة الوصول لحلول للقضايا التي تلمس واقعنا لمسا حقيقيا.

جلسة الختام والحوار البناء

ثم نأتي إلى جلسة الختام والتوصيات تجد لا نتائج ولا توصيات وإنما تحصيل حاصل، أو بأسلوب راق مهذب تلخيص وإجمال لوقائع الجلسات، طبعا لا أعمم أحكامي فهناك مؤتمرات مثمرة جدا تخرج بنتائج مفيدة وبناءة ليس الغرض منها التعارف بين الحضور والتقاط الصور التذكارية،

وإنما هدفها بناء حوار ثقافي حضاري يخرج بنا من دائرة القطب الأوحد إلى الانصهار والذوبان في أقطاب كثيرة، من أجل إثراء الحوار الثقافي وإثراء ثقافة الحوار، قل رأيك وأنا اسمعك نفكر سويا بصوت مرتفع، اسمعني وأسمعك أعرني انتباهك وأعيرك انتباهي،

فهكذا تبنى الأمم بناء فكريا يودي بنا في نهاية المطاف إلى أن نقول نحن والآخرون والآخرون ونحن، جميعنا يعيش على كوكب واحد الكل يفكر، الكل يعمل عقله خذ عني وآخذ عنك، فالفكر يا سادة ليس له دين ولا وطن، يوجد الفكر متى وجد الإنسان.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اقرأ أيضاً:

الحوار – ما فائدته ؟ ولماذا نتحاور؟ 

كيف نصل إلى حوار أرقى؟

كيف يبدأ الوعي

أ. د. عادل خلف عبد العزيز

أستاذ الفلسفة الإسلامية ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان