تناقص اللغة تناقص في الإنسانية
تخيل أبا أو أما يتواصل مع أولاده من خلال فتحة ضيقة أو من وراء لوح زجاجي، ويكون هذا هو أسلوب التواصل طوال حياتهم الأسرية من ساعة ولادة الأطفال إلى أن يتركوا أهلهم! لاحظت الكثير من الأسر العربية تتواصل مع أولادها باللغة الإنجليزية! سواء في بلادنا أو في بلاد المهجر، سواء كنوع من الاستعراض للقدرة على تعلم اللغة الإنجليزية أو الفرنسية، أو بسبب إهمال تعلم اللغة العربية، سواء في البلاد المسلمة أو البلاد الأجنبية.
التواصل بين البشر يحتاج إلى الكلمات، وكلما زاد عمق التواصل كلما تزايد عدد الكلمات المطلوبة للتعبير، وكلما تزايد عدد الكلمات في اللغة كلما تزايدت قدرة هذه اللغة على التعبير الأعمق والتواصل الأقوى.
وتتفاوت الإحصائيات عن عدد الكلمات في اللغات المختلفة، مثلا الإنجليزية 300 إلى 600 ألف كلمة، بينما الصينية 500 ألف إلى مليون كلمة، بينما اللغة العربية يتراوح بين 90 مليون إلى 100 مليون كلمة، لذلك تعتبر العربية من أقوى اللغات وأكثرها غنى وقدرة.
أضرار تزايد استعمال اللعة العامية
من ناحية أخرى يقول الكاتب روبرت مك كروم في الكتاب الشهيرGlobish: How English Became the World’s Language أن أبناء البلاد غير المتحدثة باللغة الإنجليزية يستعملون 3000 كلمة إنجليزية فقط للتواصل فيما بينهم وبين الآخرين حين يستعملون الإنجليزية في حياتهم! يعني كل المشاعر والنصائح والحكم والأفكار بين الأب وأولاده أو بين الأم وأولادها في هذه الأسر -التي تعيش حياة شاذة- تنحصر في 3000 كلمة! أكلت؟ شربت؟ غلط!
صح! لا! نعم! وهذا يصنع سطحية في التواصل بين الآباء وبين أولادهم. فضلا عن أننا لو نظرنا إلى نظرية برنشتاين في اللغات: Basil Bernstein on Restricted and Elaborated Codes سنجد أنه كلما تزايد استعمال اللغة العامية وتناقص استعمال اللغة الفصحى كلما تزايدت السطحية في التفكير وتناقص مستوى الذكاء!
في الأسرة الطبيعية المحترمة يتحدث الأب والأم مع أولادهم ويتواصلون معهم بلغتهم الأم العربية، ويحكون لهم عن أبيات شعر وحكمة ومواعظ وأفكار ويمسكون بكتاب يقرؤونه معا، فتتكون الرابطة والصلة وبناء الشخصية، بينما في الأسر السطحية في بلادنا وبلاد المهجر مثل أمريكا وأوروبا تنحصر العلاقة بين أفراد الأسرة في الأكل والشرب وبعض الإشارات والتواصل السطحي التافه، فيتكون أشخاص أغراب يعيشون تحت سقف واحد، تعتمد تربيتهم على الشارع والتليفزيون والزملاء، بينما يظل الأب والأم أغراب، وظيفتهم النفقة وتلبية الاحتياجات البدائية!
الإنسان حيوان ناطق، وكلما تناقصت لغة الإنسان وقدرته على التعبير والتواصل كلما تناقصت إنسانيته!
