مقالات

تعلم العيش معا

(تجربة واقعية)

تعلم العيش معا، هو برنامج للتواصل بين الثقافات المختلفة لتعليم الأخلاق، صمم للإسهام في تحقيق حق الطفل الكامل في الصحة الجسدية، والعقلية، والروحية، والمعنوية، والاجتماعية، والحق في التعلم على النحو المبني في اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، والمادة 126 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي الإعلان العالمي حول التعليم للجميع في أهداف الألفية التنموية إنه مصدر للمربين وقادة الشباب.

أهداف برنامج “تعلم العيش معا” هي:

  • تعزيز قدرات الأطفال واليافعين في اتخاذ قرارات أخلاقية، مبنية على أسس راسخة من القيم التي تعزز احترام الثقافات، والمعتقدات الأخرى.
  • تمكين الأطفال واليافعين من المشاركة في الحوار والاستماع والحديث كوسيلة لتطوير حساسية أكبر تجاه الفروق والاختلافات وفهم الآخرين.
  • رعاية قدرة الأطفال واليافعين على الاستجابة لاحتياجات مجتمعاتهم، مع توجه للمصالحة واحترام التنوع، والمساهمة _بهذه الطريقة_ في ثقافة السلام.
  • إتاحة المجال للأطفال واليافعين، لتقدير وتعزيز القيم الروحانية الخاصة بهم.
  • تأكيد الكرامة الإنسانية كما وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقية حقوق الطفل، وفي تعاليم كافة المذاهب الدينية.
  • تأكيد إمكانية العيش معا، واحترام كل منا للآخر في عالم مختلف الأديان، والأخلاق والتقاليد الثقافية.
  • تزويد المربين بأدوات للعمل في مجال التعلم بين الأديان والثقافات في المناطق والظروف المختلفة.
  • تطوير وتعزيز ممارسات ناجحة للعيش معا، مع أناس من ثقافات وأخلاقيات ومعتقدات وديانات مختلفة.

كيف تم تطوير “تعلم العيش معا”:

يعمل مجلس التواصل لتعليم الأخلاق للأطفال على تعزيز تعليم الأخلاق عبر تعلم الثقافات المختلفة، لمساعدة الجامعات والمجتمعات على العيش معا بسلام، مع احترام الآخر، وحفظ كرامة البشر جميعا، بهذه الروح تطور برنامج “تعلم العيش معا”، وحرصا منه على تعزيز التعاون الحقيقي بين الشعوب من أديان مختلفة استقطب مجلس التواصل لتعليم الأخلاق للأطفال مجموعة من الباحثين، والمدرسين، والمربين من مذاهب ومجتمعات مختلفة للعمل معا بهدف تطوير هذا المصدر المرجعي،

وقد عملت هذه المجموعة بوحي من إدراك التباين، بوصفه إثراء يتيح لنا أن نتعلم أكثر، لا عن الآخرين فقط بل عن أنفسنا أيضا، ويتحرك “تعلم العيش معا” ضمن تعهد شامل بصيانة الكرامة الإنسانية، وأهدافه هي: تقوية التزام الأطفال بالعدالة، واحترام حقوق الإنسان، وبناء علاقات متناغمة بين الأفراد أنفسهم وداخل مجتمعاتهم.

و”تعلم العيش معا” يزود قادة الشباب والمربين في أنحاء العالم كافة بأدوات لبرنامج متعدد الثقافات والأديان، يمكن للأطفال واليافعين بواسطته تطوير حس أقوى بالأخلاق، ولقد صمم لمساعدة الصغار على فهم واحترام الناس والشعوب من ثقافات وأديان مختلفة، ولتعزيز إحساسهم بالمجتمع العالمي، وقد تم تطوير هذا المصدر المرجعي بتعاون وثيق مع منظمتي اليونيسف واليونسكو.

الأطفال كالتزام أخلاقي جماعي:

في أي وقت من الأوقات ثمة ملياري طفل تقريبا يعيشون في شتى أنحاء العالم، ملياري جسد وعقل فتي يضم قدرات إنسانية ضخمة، نعتبر أن علينا مسؤولية جماعية لرعايتهم.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إننا نعيش وسط الجمال وعجائب الخلق، ومعجزات الحياة، وإمكانيات البشر الضخمة لإثراء الحياة لجعلها نعمة للجميع، ولكننا أيضا في عالم موبوء بالعنف، والحرب، والفقر، والظلم، فنمو وتطور الطفل يشملان الأبعاد الجسدية، والعقلية، والثقافية، والروحية، والدينية، والبيئية، وللأسف ما زال الفقر وعدم إمكانية الوصول إلى المرافق الأساسية، ونقص التعليم، والمرض، وسوء التغذية، يفتك بالعديد من الأطفال حول العالم، وتؤكد اتفاقية حقوق الطفل على حق الأطفال في الكلام، وفي أن نستمع إليهم في القضايا التي تهمهم، المادة 12 وتؤكد ما يلي:

يجب أن يعد الطفل إعدادا كاملا ليحيا حياة فردية في المجتمع، وأن تتم تنشئته بروح المثل العليا المعلنة في ميثاق الأمم، وبصفة خاصة بروح السلم، والكرامة، والمصالحة، والحرية، والمساواة، والتضامن.

الأطفال هبة ومسؤولية:

أولادنا “ينتسبون” لنا، لقد جئنا بهم إلى هذا العالم، وهم في رعايتنا، لكننا رغم ذلك لا نمتلكهم، إنهم أفراد لهم حقوقهم الخاصة، وهم مستعدون للتطور لما سيصبحون عليه، كما عبر عن ذلك الشاعر جبران خليل جبران في كتابه “النبي” حيث دنت منه امرأة تحمل طفلها على ذراعيها وقالت له: “هات حدثنا عن الأولاد”، فقال:

  • أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها.
  • بكم يأتون إلى العالم، ولكن ليس منكم.
  • ومع أنهم يعيشون معكم فهم ليسوا ملكا لكم.
  • أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم، ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم، لأن لهم أفكارا خاصة بهم.
  • وفي طاقتكم أن تصنعوا المساكن لأجسادهم ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم، فهي تقطن في مسكن الغد، الذي لا تستطيعون أن تزوروه ولا حتى في أحلامكم.
  • وإن لكم أن تجاهدوا لكي تصيروا مثلهم، ولكنكم عبثا تحاولون أن تجعلوهم مثلكم، لأن الحياة لا ترجع إلى الوراء، ولا تلذ لها الإقامة في منزل الأمس.

لا شك في أن كل أب وكل راشد قد واجه هذا المأزق، فمن جهة نحن منحنا نعمة الأولاد، وهم في رعايتنا، ولدينا المسؤولية والفرصة لإرشادهم وهم يكبرون، وفي الوقت ذاته نحن لا نريد أن نفرض عليهم وجهات نظرنا، لأنها يمكن أن تحد من حريتهم في المشاركة في الحياة كما يرونها ويتعلمون منها قيمهم الخاصة، ونحن مدينون لهم وللعالم بذلك، مدينون بأن نربي ونعلم الأولاد بحس المساءلة، والبصرية، والتواضع.

الأطفال يتعلمون ما يعيشونه:

إن عملية تعليم الطفل تبدأ من اللحظة التي يولد فيها، فالبيئة التي يعيش فيها، والخبرات التي يكتسبها، ونماذج التصرفات التي نقدمها له، كلها تساهم في فهم الأطفال لأنفسهم، وفهمهم للعالم. والقصيدة التالية “الأطفال يتعلمون ما يعيشونه” تعبر عن هذه الحقيقة:

  • إذا عاش الأطفال مع الانتقاد  /  (سوف يتعلمون الإدانة).
  • إذا عاش الأطفال مع العداء  /   (سوف يتعلمون القتال).
  • إذا عاش الأطفال مع السخرية /   (سوف يتعلمون الخجل).
  • إذا عاش الأطفال مع العار / (سوف يتعلمون الإحساس بالذنب).
  • (لكن) إذا عاش الأطفال مع التسامح / (سوف يتعلمون الصبر).
  • إذا عاش الأطفال مع التشجيع   /  (سوف يتعلمون الثقة).
  • إذا عاش الأطفال مع الثناء /   (سوف يتعلمون التقدير).
  • إذا عاش الأطفال مع العدل  /  (سوف يتعلمون الاستقامة).
  • إذا عاش الأطفال بأمان  /   (سوف يتعلمون الإيمان).
  • إذا عاش الأطفال مع الاستحسان / (سوف يتعلمون أن يحبوا أنفسهم).
  • إذا عاش الأطفال مع القبول والصداقة /  (سوف يتعلمون كيف يجدون الحب في العالم).

إن التفكير السليم هو جوهر التعلم، وهو أعظم معلم، هذه الحقيقة لا يمكن المبالغة فيها، الأطفال لم يولدوا لعالم مثالي، وعملية تعلمهم تتضمن تعلم أسس التفكير المنطقي والملاحظة، والاختبار، والتقييم، والاندماج، والاستجابة لكثير من القوى التي لا يملكون هم وآباؤهم سوى القليل من السيطرة عليها، فالحقائق المعقدة، والقيم المتضاربة في مواجهة الحقيقة، والخيارات المشوشة تتنازع ولاءهم، ففي خضم هذا الواقع ثمة حاجة ملحة لرعاية وتقوية الأطفال بالقيم التي سوف تساعدهم في التوصل إلى الخيارات الصحيحة.

تعليم الأخلاق وحقوق الإنسان:

إن رؤية ومهمة مجلس التواصل لتعليم الأخلاق للأطفال، يجدان صدى بالتحديد في بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص على:

الحق في حرية التفكير والمعتقد، وحرية التعبير عن الرأي، وفي التعليم والراحة، والتمتع بوقت الفراغ، وبالحق في مستوى مناسب من الحياة والرعاية الطبية، والمشاركة في الحياة الثقافية للمجتمع، ويلتزم مجلس التواصل التزاما تاما باتفاقية حقوق الطفل، كما أن “تعلم العيش معا” يستجيب تحديدا للبند 29 من الاتفاقية، والذي ينص على أن تعليم الطفل يجب أن يكون موجها نحو:

  • تنمية شخصية الطفل ومواهبه وقدراته العقلية والبدنية إلى أقصى حد ممكن.
  • تنمية احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية والمبادئ المكرسة في ميثاق الأمم المتحدة.
  • تنمية احترام ذوي الطفل وهويته الثقافية ولغته وقيمته الخاصة، والقيم الوطنية للبلد الذي يعيش فيه الطفل والبلد الذي نشأ فيه في الأصل والحضارات المختلفة عن حضارته.
  • إعداد الطفل لحياة تستشعر المسؤولية في مجتمع حر، بروح من التفاهم والسلم والمصالحة والمساواة بين الجنسين والصداقة بين جميع الشعوب والجامعات العرقية والوطنية والدينية والأشخاص الذين ينتمون إلى السكان الأصليين.
  • تنمية احترام البيئة الطبيعية، وتزودنا اتفاقية حقوق الطفل بأداة لاتباع نهج مسؤول تجاه الأطفال.

ولقد تم وضع برنامج “تعلم العيش معا” كإسهام في تحقيق حق الطفل في التعليم، وفي النمو الشامل على صعيد الصحة البدنية، والعقلية، والروحية، والأخلاقية، والاجتماعية، كما ورد في اتفاقية حقوق الطفل.

لمزيد من المعلومات:

  • جبران خليل جبران، النبي، فصل بعنوان: الأولاد، أرو بوكس ليمتد، نيويورك، 1991.
  • اليونسكو، إرشادات لتعليم التواصل بين الثقافات، صفحة 14.

اقرأ أيضاً:

استراتيجيات التدريس الفعال وأهميتها

سلسلة المهارات الحياتية الواجب تعليمها للطلاب

الخدمة الاجتماعية وعلاج مشكلة إساءة معاملة الأطفال

أ. اسماء الشاعر

معلم أول لغة عربية بالأزهر الشريف