ما معنى مثل لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع؟
عندما تدخل مع صديق متجر للملابس فيقوم باختيار قميص أصفر لا يعجبك لونه، فتقول له أن لون القميص غير جميل، عندها يمكن أن يرد عليك قائلا ” لولا اختلاف الاذواق لبارت السلع “، ومعنى هذا المثل العربي المشهور أن السلع والمنتجات في الأسواق مختلفة الأنواع والأشكال والألوان، فلو كان لكل الناس ذوق وميل واحد لاشتروا سلعا معينة وبارت بقية السلع (أي ركدت ولم يشتريها أحد)، ولكن بما إن الناس مختلفون في الميول والأذواق فنراهم يشترون السلع المختلفة مهما تنوعت ألوانها وأشكالها وطبيعتها، أي أن لكل سلعة الشاري الذي سيعجب بها.
متى نقول لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع؟
وهذا المثل يدل على حرية الاختيار، فمثلا عندما نريد اقناع شخص ما بحرية الاختيار في الأمور الذوقية نستخدم هذا المثل، مثل الألوان والأشكال والتصاميم والطعام وقبول الأشخاص إلخ، فهذه الأمور جميعها أمور نسبية (أي أنها صحيحة نسبة إلى رأي الإنسان)، فالبعض يحب “الشاورما” مثلا والبعض الآخر يفضل الأكل المطبوخ، ومن الناس من يعتبر الأخضر لونه المفضل والآخرين لا يحبون هذا اللون، وكل ذلك صحيح لأنه في مجال النسبيات، فلا يوجد قانون علمي يمكن أن نثبت به أن أكلة ما هي ألذ من أخرى أو أن لون ما هو أجمل من لون آخر.
أما في مساحة الصواب والخطأ والحق والباطل فلا يمكن استعمال هذا المثل أو اللجوء للنسبية، فحتما ال 2 أكبر من ال 1، والكون المخلوق لا بد له من خالق، وهذه الحقائق المطلقة يمكن اثباتها بقواعد التفكير المنطقي الصحيح اثباتا لا يمكن الجدال بشأنه، أو يمكن اثبات الحقائق العلمية بالتجربة العلمية الصحيحة، ويمكن أيضا اثبات الأمور العملية بقواعد الدين الصحيحة.
كيف يمكن أن يتناغم البشر؟
ما أبدع الكون وما أوسعه وأجمله! منتهى الدقة والنظام وغاية الروعة والإحكام. صرح عظيم خلقه الله سبحانه وتعالى دار اختبار للإنسان الذي خلقه وكرّمه وجعله ذرية يخلف بعضها بعضًا. خلقهم الله من مادة واحدة وهي التراب متشابه ينفي بناء الجسد وتكوينه وأعضائه لكنهم مختلفون في الميول والأفكار واللّغة واللّون والثقافة، وقد أدّى اختلاف البشر إلى اختلاف احتياجاتهم ومن ثم اختلاف مساعيهم لتلبية هذه الاحتياجات، وهذا هو سبب التقدم والازدهار في مختلف مجالات الحياة، ففي عالم الاقتصاد هناك قاعدة ثابتة تقول “لولا اختلاف الاذواق لبارت السلع” وهذه حقيقة تشير لأنه لولا اختلاف ميول البشر وأذواقهم واحتياجاتهم لما استطاعت أيّ تجارة أو أيّ سلعة الانتشار أو النجاح، وفي مجال العلوم لو أنّ كل البشر عقولهم متشابهة لما وجدنا أي إنتاج بشري في العلوم المختلفة أو استطعنا يوما أن نصل لما نحن عليه الآن من تقدّم في كافة مناحي الحياة .
الإنسان وثقافة الاختلاف
غير إنه لم يكن من السهل أن يتفهّم الإنسان هذا الاختلاف دائما، فعلى مر التاريخ نجد أنّ الإنسان عندما استطاع استيعاب حقيقة هذا الاختلاف استطاع أن يقبل الآخر ويفهمه ويتبادل معه المعارف والأفكار فحدث التكامل وازدهرت معالم الحياة، لكنه وفي أوقات أخرى عديدة لم يستطع أن يقبل الاخر فأغلق عقله وانغلق على نفسه ومن ثم كان الخلاف والصراع والصدام هو الحاكم في هذا الوقت.
المرونة في مواجهة الجمود
والسبب وراء عدم قبول الأخر وعدم القدرة على تقبل أفكاره هو الفهم المغلوط للذات الإنسانية، فأحيانا يظن الإنسان أنّ الانغلاق ورفض كل ما يأتي من خارجه من أفكار هو الأفضل، فلديه من الثقافة والعلم والتدين ما يكفيه أن يحيا في اتزان وهدوء، وفي أحيان أخرى يكون رفض الاخر هو خوفا من اختلال الأفكار واهتزاز أو فقد الهوية، وهذا كله فهم مغلوط، فليس معني قبول الاخر هو التخلي عن الهوية والقيم والمنهج الذي يؤمن به الإنسان أو المجتمع وإنما يعني الاستماع للأفكار واكتشاف المساحات المشتركة والتي تعد نقاط مضيئة يمكن من خلالها الإضافة والتقدم مع الاحتفاظ بالمبادئ والهوية والمنهج دون تغيير أو تفريط.
المعنى الحقيقي للاختلاف
وهنا يجدر بنا أن نوضح نقطة هامة ألا وهي أنه هناك فرق بين اختلاف البشر في الشكل واللغة والثقافة والميول –الاختلاف التكويني– وبين اختلافهم في طرق التفكير وفهم الامور وإدراكها ومن ثم الحكم عليها ثم السلوك تبعا لهذا الفهم والحكم، فاختلافهم في التكوين لا علاقة له باختلافهم في طريقة التفكير والذي يرجع إلى اختلاف الأدوات المعرفية التي يستخدمونها لفهم الواقع وإدراكه، وهنا يجب الإشارة إلى هذه الأدوات المعرفية المستخدمة في التفكير، فهناك أربع أدوات رئيسية يستخدمها كل البشر في التفكير، كل منها له طريقة لفهم وتحليل الواقع، وهذه الأدوات هي:
أدوات المعرفة
الحواس: فمن البشر مَن يعتمد فقط على الحواس والتجربة في الفهم والإدراك وينكر كل شيء خارج حدود هذه الحواس حتى العقل يراه ليس إلا أداة مادية يستخدمها لفهم ما أثبتته التجربة العملية.
النص: و من البشر من يعتمد على ظاهر النص-الديانات المختلفة- في الفهم والإدراك وينكر دور العقل ويراه تابعًا للنص لا يمكنه التفكير أو الاجتهاد في الفهم.
القلب: وهناك من يرى أنّ العلوم والمعارف موجودة بداخل الإنسان ولكنه غافل عنها ولا يكون استخراج هذه العلوم إلا بالرياضة والمجاهدات النفسية والتعمق في العبادات.
العقل: ومن البشر من يعتمد على العقل كأداة للفهم والادراك والعقل هنا هو القوى المدركة للكليات والتي تميز الحق من الباطل وهو الأساس الذي يميز الإنسان عن غيره من المخلوقات والعقل لا يؤمن بالاعتقاد إلا عن طريق البرهان اليقيني، كما أن العقل كأداة معرفية تستعين بباقي الأدوات المعرفية كل في نطاقه ولكنه يظل المهيمن والحاكم عليها.
آثار الابتعاد عن العقل
ولو أنّ كافة البشر احتكموا إلى العقل والمنهج العقلي واستخدموه في التفكير والإدراك لتوحدّت النتائج واختفت العبثية والجدل والسفسطة، ولكن لاختلاف البشر في تبنيهم واستخدامهم لهذه الأدوات المعرفية اختلفت الآراء وتعددت الأحكام والرؤى وظهرت العديد من آفات التفكير في هذا العالم، ومن أخطر هذه الآفات هي سيطرة ثنائية التفكير عندما يظن الإنسان أنه وحده الصواب وغيره الخطأ ويتبنى منطق:”إما .. أو”، ويظن أنّ الأمور دائما تنحصر بين طرفين لا ثالث لهما، ولا يمكن الخروج من هذا المأزق إلا بتحرير العقل من هذه الثنائية المغلوطة والرجوع به إلى الحق والمنطق الذي يقضي بضرورة احترام الأفكار -وإن كانت من وجهة نظرنا خاطئة- والوصول إلى نقاط التواصل والتكامل بين البشر وتوطين أنفسنا على قبول الاخر وقبول اختلافه عنا واحترام ذلك وتربية أبنائنا عليه وبذلك يصبح لدينا مفهوم واضح ومقبول على مستوى الفرد والمجتمع وهو “ثقافة الاختلاف”.
من أين نبدأ؟
وتعد أولى خطوات التلاقي بين البشر سواءً على المستوى الفردي أو على مستوى الحضارات هي الحوار، والحوار له مبادئ وقواعد لابدّ من توافرها حتى يكون ناجحًا مثمرًا وبنًاءً،أولها هو تحديد الهدف من الحوار والذي لابدّأن يكون تحرّي الحق والرغبة الصادقة في تقريب وجهات النظر وليس مجرد الجدل أو الرغبة في فرض الرأي، وثانيها هو معرفة الأدوات المعرفية أوالمنهج المعرفي الذي يتبعه من يحاورنا في التفكير حتى نستطيع أن نفهم ما يعرضه من أفكار فيكون الحوار واضح ومفيد ، وسواءً انتهى الحوار باقتناع أحد الأطراف بوجهة نظر الاخر أم لا فلابدّ في النهاية أن نعمل بالقاعدة التي تقول “رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب“، والتي لو طبقناها في حياتنا ما رأينا ما يحدث كل يوم من سفسطة وتخبط ومعارك الحوار على مستوى الفرد أو الجماعات في الحياة اليومية أوفي وسائل الاعلام أيا كان نوعها.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: إذا كنا نمتلك المنهج ولدينا من القيم والثوابت والهوية ما نستطيع به أن نمضي دون خوف لماذا إذًن لا نتحرر من كل القيود والمخاوف التي تسيطر على عقولنا وتحد من قدراتنا على الفهم والتفاعل والعمل والإنتاج؟ دعونا نبدأ إذن ولتكن الدعوة لكل إنسان بالحياة أن يتخطى حدود ذاته ويحرر عقله ويثق به ويحترمه ويستخدمه بتجرد ويقين لفهم كل ما حوله ويفتح له الطريق للمعرفة التي لن تحدث إلا بالتحرر من قيود الأنا والتعصب والتمركز حول الذات ولنفتح لعقولنا وأنفسنا المجال علّنا نستطيع أن نرى الطريق ونترك عليه بصمة لها قيمة ومعنى.
اقرأ أيضا … فلسفة المدينة الفاضلة
اقرأ أيضا … كوكب اليابان الشقيق