الأولويات التي تحول دون سقوط الفرد والمجتمع .. الجزء الرابع
نحاول في هذا المقال أن نضيف بعض المعاني الأخرى والمرتبطة ببحثنا حول الأولويات التي تحول دون سقوط الفرد والمجتمع ، وهو ” أن الإنسان مضطر بدرجة ما إلى الالتزام بحقائق الأمور”، وأن يخالف هواه ورغباته طوعا،
حتى لا يفرض عليه الواقع ذلك قسرًا، فمن أراد العيش الكريم عليه طوعا أن ينبذ الكسل والاستهتار وإلا سوف يفرض عليه الواقع مشقة من نوع آخر تتمثل في ذل العيش وضيق الحال والسقوط درجة بعد أخرى .
الأوهام تعمي الإنسان عن الحقيقة
إن عدم توضيح ذلك لأنفسنا يُعد من قبيل الخيانة التي تؤدي بصاحبها للخسارة الكبرى في هذه الحياة، فالقبول بالأوهام يُعد من أهم أسباب شقاء الإنسان، فالكثير يظن أنه عند تحقيق هدف معين فإنه بذلك سيكون قد وصل لقمة السعادة،
وهذا في الحقيقة من الأوهام التي يجب التوقف عنها، فالإنسان يطالب بالكثير ثم الكثير ولا يقنع بالقليل، ويمكن ملاحظة ذلك في الإنسان قبل الزواج مثلا؛
فإنه يرسم حياة جميلة شبه مثالية ويظن أنها ستكون نهاية المطاف لطموحه غير أن الواقع يحدثنا بخلاف ذلك، فبعدها ينشغل بطموح الأسرة الفاضل والأبناء الأسوياء …..إلخ.
فعندما ينكشف زيف التصور الخاطئ عن أن مجرد الزواج هو نهاية المطاف وأن هناك أسرة لها متطلبات مادية وتربوية ونفسية دون فهم لتلك المسؤوليات؛ تتحول الحياة الزوجية في أغلب الأحيان لحياة غير مرغوب فيها وقد يصل الأمر إلى الطلاق.
التبرير سلاح العاجز
إن الإنسان في أغلب الأمور يجيد تبرير الأفعال والاختيارات التي يقوم بها، دون النظر أو السؤال عن ما وراء هذا السلوك وهذا الدافع، فالكثير قد يمارسون أفعال قبيحة بغرض حسن من وجهة نظره هو،
فمثلا من يتعاطى المخدرات يفعل ذلك ظنا منه أن في ذلك سعادة دون النظر للفعل نفسه أو لوازمه ونتائجه وآثاره، إن عدم التفكر فيما نقوم به هو من أهم أسباب سقوط الإنسان وتعاسته،
إن الحكمة ومعرفة نتائج سلوكنا هي ما يجب أن يصل إليها الإنسان فبدونها سنظل نبرر ونصنع الأعذار دون فهم أو وعي وبلا مصداقية مع أنفسنا أو مع الغير.
أهمية الحكمة في تحديد أولويات الفرد والمجتمع
وهنا وبعد هذا السرد السابق ووصولنا إلى أن الحكمة هدف لابد أن يصل إليه الإنسان وأن غيابها يُعد من أهم أسباب سقوط الإنسان والمجتمع، نرى أنه من الواجب أن تكون تلك الحكمة هي بوصلة التعرف على الأولويات التي تحول دون هذا السقوط.
وبوضوح أكثر ما هي أولويات الزمن الحالي التي يجب على الفرد البدء بها دون غيرها حتى يضمن سيره على خارطة سليمة تعالج الخلل وترسم طريق الصعود وتجنبنا الهبوط، وهذا لا يعني بالتأكيد أن باقي القيم والفضائل غير ضرورية،
بل نؤكد على أن كل القيم الحسنة هي ضرورية لسعادة الإنسان والمجتمع، لكن إذا كانت الحكمة هي وضع الشيء في موضعه الصحيح، فإن من الضروري التعامل مع ما يمر به إنسان اليوم من مشكلات نفسية واجتماعية وثقافة بمنظور موضوعي يرصد أسس تلك المشكلات ويفككها ويضع لها الحلول الواحدة تلو الأخرى وفق الأولويات.
تحديد العدو كمثال
ولتوضيح الفكرة وحتى لا يختلط الأمر عليك -عزيزي القارئ- نضرب ذلك المثل المرتبط بتلك الأولويات، فلا شك أن تحديد العدو الذي يهدد أي مجتمع هو أمر في غاية الأهمية، فبدون هذا التحديد قد نحارب عدو وهمي أو نظن في صديق أنه عدو،
وبالرغم من أهمية تحديد العدو، إلا أن علاقة أفراد المجتمع فيما بينهم ونشر روح الترابط والتجانس والاتفاق بينهم يعد أولوية سابقة على تحديد العدو،
ذلك أن المجتمع المنقسم يسهل تفريق كلمته ويكون عدم اتفاق أفراده مدخل لنشر الجهل والخرافات وتمرير المخططات التي قد تجعل من الصديق عدوًا وتجعل من العدو صديقًا،
فلا يجدي نفعا أن تكون الأولوية في تلك الظروف المنقسمة هي تحديد العدو، بل يجب أن يكون توحيد المجتمع ولم شمله وبث روح الفهم والوعي والترابط بين أبنائه هو الأولوية ومن بعد ذلك يسهل تحديد العدو من الصديق.
تحديد الأولوية على المستوى النظري
بناء على ما سبق؛ يمكن أن نحدد أولوية وقتنا الراهن بالتأكيد على خطر الفكر المادي الغربي وذلك على المستوى النظري، والبدء في مواجهة هذا الفكر بالحجة والبرهان والنماذج الواقعية، في تبيان خطر هذا الفكر وضرره البالغ على الفرد والمجتمع ، وتوضيح التغييرات السلبية التي ساهم في إحداثها داخل بنية المجتمع وفي عقل ونفس الفرد.
تحديد الأولوية على المستوى العملي
أما على المستوي العملي يجب التأكيد على ضرورة تبني الأخلاق فيما بيننا سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، فما يتعرض له الفرد والمجتمع حاليا من الترغيب في العدمية وغياب الهدف وتسلط الجهلاء وعديمي الضمير
قد أصاب الفرد بدرجة كبيرة من اليأس بأهمية الالتزام بمكارم الأخلاق المتمثل في يقظة الضمير والتمسك ببناء أسرة قوية والتغلب على مشكلات الحياة بالصبر الإيجابي القائم على معرفة الأسباب الحقيقية للمشكلات ومواجهتها قدر الطاقة ووفق الإمكانيات المتاحة.
ضرورة البدء بجانب إصلاح الأخلاق
فالشباب اليوم غالبا لا يعطي للمعرفة الأخلاقية أي وزن، وهذا ليس من فراغ؛ بل نتيجة غياب تلك الأخلاق في أغلب نواحي الحياة من أعمال فنية وممارسات عملية وداخل المدراس والجامعات وميادين العمل،
كما أن الرغبة في عدم الزواج أصبحت ثمة غالبة ليس رغبة في عدم الزواج بل في غياب ثقافة الزواج وفلسفته الحقيقية والتي حل محلها تكاليف الزواج ومكان الإقامة ووظيفة الزوج ومدى جمال الزوجة.
كل ذلك وأكثر هو نتيجة غياب الأخلاق فيما بيننا نتيجة تفشي تلك النظرة المادية للإنسان والحياة؛ فجعلت قيمة الإنسان بقدر ما يملك من أموال دون النظر لأخلاقه وقيمه، وهي نفسها الفلسفة المادية التي جعلت من الشهرة غاية في حد ذاتها؛ فوجدنا من الأفكار والأخبار والسلوكيات الشاذة سيل لا يتوقف يكاد أن يغرقنا.
إن الحديث عن نواتج غياب الأخلاق كبير جدا، كما أن التأكيد على البدء بها كأولوية تحول دون السقوط الكبير للفرد والمجتمع لهو أمر واقع نعيشه كل يوم.
اقرأ أيضاً:
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا