تحايل لكي تعيش
“نابليون بونابرت” قال في مذكراته التي أملاها على أحد المقربين منه في “سانت هيلانا” في منفاه الأخير؛ على الإنسان أن يكون دجالا حتى يستطيع العيش في هذه الحياة.”نابليون” قال هذا فيما يبدو ليرد على الفظائع التي ارتكبها هو وجيشه في حق الشعوب المستعمرة تحت سلطان إمبراطوريته معتبرًا أن ما فعله كان ضروريًا لتحقيق النجاح.
لكن شتان بين دجل “نابليون” والتحايل من أجل العيش، فدجل “نابليون” هو الدجل الميكيافيلي؛ الغاية تبرر الوسيلة من أجل أن أصل للهدف فكل شئ مباح إذا كان الله غير موجود. فكل شئ مباح هذه هي النظرة المادية للحياة. إذا أردت أن تحيا؛ فلتطأ بقدمك على كل شئ لكي تعيش الأمر الذي يزيد الحياة صعوبة وتعقيدا ومرارا .
التحايل ليس كالدجل
التحايل لا يكون إلا على النفس من أجل احتمال الظروف الصعبة والأوضاع الحياتية غير المريحة خاصة بعد تزايد الأمراض النفسية تحت ضغوط الحياة غير المتناهية، وعلى الإنسان المعاصر أن يصنع عالم موازي يضع له القوانين الحياتية التي تلائمه وتتفق مع طبيعته وطاقاته وقدراته، ولا يترك للآخرين أن يصنعوا له العالم الموازي الذي لا يكون في مصلحته، وإنما في مصلحة المنتفعين من هذا العالم الوهمي،
ومن هذه العوالم الموازية الوهمية عالم الاستهلاك والذي رُبِّي عليه الإنسان المعاصر والذي أُشرب في عقله من الآلة الإعلامية العالمية الجبارة والموجهة؛ أن الإنسان كائن استهلاكي وجوده و سعادته مرهونان بالاستهلاك، وأصبح هم الإنسان العمل ليل نهار دون اعتبار لإنسانيته من أجل تحقيق أحلامه المتضخمة والمتجددة، والتي لا تتوافق مع طاقاته؛ مما يُصيب الإنسان إما في بداية الطريق أو في نصف الطريق أو في نهايته بالانهيار التام لعدم تحقيق كل أحلامه والتي هي في واقع الأمر تفوق طاقاته بكثير .
التنمية البشرية
التنمية البشرية من العوالم الموازية الوهمية التي يسوق لها للإنسان المعاصر أنها تعلم الإنسان باستخدام مهاراته وقدراته للتحايل على الآخر؛ لكي يصل لهدفه. ولكنها لا تعرف الإنسان بالتحايل على نفسه بالوقوف الحقيقي عند حدود قدراته وطاقاته والتي لو عرفها الإنسان حق معرفة؛ لجنَّب نفسه الصدمات والضغوط النفسية الشديدة الناتجة عن الإخفاقات والفشل.
محاضرات التنمية البشرية تَحُسك دائما على أن تجرب بلا انقطاع حتى ولو فشلت مرات عدة حتى تصل لهدفك وتقص عليك قصص لا متناهية عمن جربوا ونجحوا في نهاية الأمر، وبعد سماعك لهذه المحاضرات تشعر أنك تستطيع أن تخرق الأرض وتبلغ الجبال طولا. ولكن أين المهرب من نفسك يا مسكين ؟ فليس هناك من هو أقرب من نفسك وأعلم بحدود طاقاتك وقدراتك، وعندئذ تُصاب بالإحباط واليأس؛ فالأحلام التي نسجتها محاضرات التنمية البشرية فوق طاقاتك وقدراتك .
لن تحتاج للتنمية البشرية إذا فهمت نفسك وعرفت حدود طاقاتك وقدراتك، وإذا قُدر لك الإخفاق سيكون بمقدورك المحاولة مرات ومرات ولكن في حدود طاقاتك وقدراتك التي وقفت عليها وعلمتها، ومن هنا تكون للمحاولات طعم طالما في حدود الطاقة والقدرة التي تمتلكها .
ابتعد عن المقارنات
لا تقارن نفسك بالغير ولا تقارن حالك بأحوال غيرك، لقد نظرت في أحوال القلقين فوجدت أن الغالب فيهم مقارنة بأحوال غيرهم، فإذا وجد غيره متفوقًا عليه في أحواله المادية والنفسية؛ أصابه الغم والهم العظيمان ودخل في حالة القلق والاكتئاب، والابتعاد عن المقارنات لهي من الرياضيات النفسية العظيمة اللازمة والواجبة للتحايل على النفس لفهمها ومعرفتها للوقوف على حدود قدراتها وطاقاتها من أجل العيش الكريم والحياة الهانئة الهادئة، وقديما قالها أبو العتاهية “كوز ماء باردة تشربه من صافية وغرفة خالية نفسك فيها راضية وكتاب تدرسه مستندًا لسارية خير من السكنى بظلات القصور العالية من بعد هذا تصلى بنار حامية” ولعلها نار النفس غير الراضية .
الرزق ليس مالا فقط
من القواعد المهمة التي يجب على الإنسان أن يؤكدها لنفسه من أجل أن يعيش حياة هادئة بعيدا عن صراعات الحياة المادية والتي تورث الهم والغم والضغوط النفسية أن الرزق ليس محصورا في المال فقط؛ بل قد يكون شعور الإنسان بالرضا وراحة البال رزق، والرضا بالقليل المتاح رزق، وحب الناس واحترامهم وتقديرهم له رزق، وفهمي لنفسي ومعرفة قدراتها رزق، والبعد عن صراعات الحياة الجالبة للأمراض رزق، وهذا ما يفسر لنا قول السيد المسيح ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.
الحياة ليست دائما تسر
الحياة فيها أياما سهلة وأخرى صعبة، و من الناس من وطَّنوا نفوسهم على أن الحياة سهلة على طول الخط، فلا صعاب ولا عقبات تحول دون استمتاعهم بها، وهؤلاء يصابون عند أقل عقبة بالصدمات النفسية الشديدة، وذلك بعكس من فهم أن الحياة فيها الجيد وفيها السئ بالنسبة له وبالتالي أصبح مستعد للتعامل مع كلا الحالين براحة بال واطمئنان، وهذا من التحايل على النفس التي تتطمئن للحياة وتظن أنها سهلة دائما .
التحايل على النفس ليس بالأمر السهل خاصة في أيامنا هذه حيث كثرة مغريات الحياة وبهرجها وفتنها والتي تترك آثارها في النفوس. الأمر الذي ليس من السهل على هذه النفوس التملص منها، مما يفرض على أصحاب النفوس الضعيفة الدخول فى معترك الحياة لتلبية تطلعاتها، أما من فهم حقيقة هذه الحياة وعرف نفسه جيدًا واجتهد في ذلك؛ فإنه يعيش فيها مع فهمه لحقيقتها فلا يدخل في معاركها مهدرا فيها طاقاته، ولن يحصل على أكثر مما قُدِّر له .