تجربتي مع التيك توك
مواقع التواصل الاجتماعي تنقسم إلى أنواع عدة، كل نوع يركز على طريقة معينة في التواصل بين الناس:
- موقع يركز على الكلام المكتوب ويسمح بكتابة مقال كامل مع صور أو من دونها؛ الفيس بوك.
- موقع يركز على كلام قصير مختصر جدًا جدًا لدرجة احتمال عدم الفهم؛ تويتر (X).
- موقع يركز على الصورة أكثر من الكلام المكتوب؛ انستاجرام.
- موقع يركز على الفيديو والصورة المتحركة والأفلام القصيرة؛ التيك توك.
منذ ثلاث سنوات كانت معلوماتي عن التيك توك أنه موقع تافه عليه قلة أدب وتفاهة، وفي أثناء مؤتمر جمعية جراحة العظام الأمريكية حضرت بالصدفة محاضرة عن توعية الأطباء في التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي، ونصح المحاضر بالتواجد على التيك توك لسببين:
- نشر المعلومات الصحيحة بدلًا من ترك المكان للمعلومات الخطأ والتفاهة.
- أن جيل الشباب يتابع التيك توك أكثر بكثير من المواقع الأخرى.
يومها قررت أن أنشئ حسابًا على التيك توك، وكل بضعة أسابيع أو شهور أسجل فيديو عن جراحة العظام، دون أي مجهود ولا مؤثرات ولا تضييع وقت، يستغرق مني عمل الفيديو من خمس إلى عشر دقائق.
كانت النية، ولا تزال، قول كلمة الحق، ونشر العلم، وأخذ الثواب من الله. طوال السنوات الماضية نشرت فيديوهات أغلبها توعية في مجال جراحة العظام.
حين أنشأت الحساب، وتابعت بعض الفيديوهات على التيك توك وجدت أن التيك توك يعرض عليك الفيديوهات الرائجة في البلد التي تفتحه منه. وجدت التيك توك في الولايات المتحدة يعرض عليك فيديوهات تختلف في النوعية والمحتوى عن التي يعرضها عليك لو كنت في الصين أو دول جنوب شرق آسيا، وتختلف تمامًا عن ما ستراه وأنت في بلاد الخليج العربي، ومختلفة جدًا عن ما ستراه لو كنت في مصر!
لا أعلم هذه الخوارزميات تكون بسبب اهتمامات الشعوب والمتابعين في البلد، أم أنه قرار من إدارة التيك توك وضبط معين للخوارزميات!
مثلًا في الصين وجنوب شرق آسيا، فيديوهات علمية وعن التاريخ والعلوم والفلسفات. في الولايات المتحدة، فيديوهات كوميدية وسخرية أو سياسية عن السياسة الأمريكية. في مصر، فيديوهات عن الرقص والطبيخ والتفاهة، بل وربما الوقاحة!
لكنني وجدت طريقة للتحايل على هذه الخوارزميات، أو بمعنى أدق أن أجعلها تفهم ما الأشياء التي أهتم بها، لتعرضها لي!
حرصت على البحث ومتابعة الفيديوهات التي تناسب اهتماماتي، من علوم مادية مثل الفيزياء والأحياء، أو تاريخ أو فلسفات وأديان، أو شعر وفنون راقية أو اقتصاد وجغرافيا، إلخ، وأعمل متابعة. في أول أيام تستمر الفيديوهات التي لا تهمني في الظهور، لكن بعد بضعة أيام تتعلم الخوارزميات ما يهتم به خالد عمارة، ومن ثم اليوم لا تظهر لي إلا الفيديوهات المفيدة والمحترمة التي تتناسب مع اهتماماتي.
منذ بداية حرب غزة، اتضحت أهمية التيك توك، لأنه وسيلة التواصل الاجتماعي الوحيدة التي لا تسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية، مما يسمح بمساحة أكبر بكثير من الحرية في التعبير بعيدًا عن سيطرة اللوبي الصهيوني. كذلك التيليجرام، لذلك قبضت فرنسا على مؤسس شركة تليجرام منذ بضعة أسابيع، سعيًا لفرض السيطرة على برنامج مراسلات التليجرام، وتمكين الحكومات الغربية من مراقبته.
منذ نحو شهرين اقترح عليَّ أحد أعضاء الفريق أن أقدم فيديوهات في الثقافة العامة وليس فقط في الطب وجراحة العظام.
فعلًا، بدأت عمل فيديو كل أسبوع أو عشرة أيام، وأيضًا دون أي مجهود أو مؤثرات صوتية ولا ضوئية ولا مونتاج، يخاطب العقول، وأحكي فيه باختصار قدر المستطاع عن موضوع ثقافي، وطبعًا هذا النوع لن يجتذب غير من يهتم بالثقافة والمعرفة والعلوم والتفكير العميق. الباحث عن الفكر والحكمة، وليس الباحث عن هز البطن والتفاهة.
طبعًا هذا أيضًا بنية تغيير الواقع وإصلاحه في المجتمع بالقول الصالح ونشر الأفكار. طبعًا، مثل صفحتي على أي موقع تواصل اجتماعي، النية ليست البحث عن متابعين ولا تصفيق، ولا استرزاقًا أو مكسبًا ماديًا!
النية الأخذ بالأسباب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يهمني لو تابعني واحد أو مليون، المهم أن أعمل واجبًا، سوف يسألني عليه الله سبحانه وتعالى يوم القيامة.
العجيب أن فريق العمل معي أبلغني أمس أن عدد المتابعين لصفحتي تزايد في بضعة أسابيع بسرعة كبيرة وغير متوقعة!
الدرس:
مواقع التواصل الاجتماعي مثل أي شيء في الكون، يمكن أن تستعمله في الخير أو في الشر وفق نيتك واهتماماتك، ومثل كل شيء، له حدود وقدرات مسموح بها.
أنت بصفتك مسلمًا، عليك الاختيار واستعمال عقلك، لاستخدام الوسائل المتوفرة في حدود القدرات لتخدم النية التي لديك وتحقق ما أمرك الله به، من الأخذ بالأسباب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتغيير العالم للأفضل، نصرة الحق والعدل والحرية، ومقاومة الظلم والفساد والاستعمار.
مقالات ذات صلة:
قد يكون هذا الكلام مفزعًا بالنسبة لك
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا
