مقالات

تجربة الكون 25 .. التجربة السلوكية الأكثر رعبًا في التاريخ!

عمرك فكرت شكل الحياة ممكن يكون عامل إزاي من دون مشاكل أو أمراض أو خوف أو جوع أو فقر؟!

أهو دا بالظبط السؤال اللي كان بيدور في دماغ “جون كالهون”، لما كان واقف بيتفرج على مكان كبير قدامه، كان يومًا ما عايش جواه أفواج من الكائنات الحية اللي بتتحرك وبتلعب في كل حتة وبتمارس حياتها الطبيعية من البداية للنهاية، في جنة صناعية أو يوتوبيا، مفيهاش تعب ولا مرض ولا خوف من أي شيء.

لكنه في اللحظة اللي كان بيتفرج فيها على المكان ده، الكائنات الحية اللي كانت باقية جواه كانت بالفعل بتموت، وعددهم اللي يومًا ما كان يقدر بالآلاف، أصبح دلوقتي يتعد على الصوابع، وكل دقيقة بتعدي كانت بتقربهم من النهاية الحتمية لجنسهم وسلالتهم بالكامل!

لو انت في خيالك دلوقتي كنت فاكر إن “جون كالهون” دا شخص ناجي من كارثة أو حاجة شبه كدا، فانت هتكون غلطان، لإن الراجل دا في الواقع كان عالم سلوكيات مشهور، ومكانش ناجي من كارثة، بل كان المتسبب في الكارثة دي، لما صمم تجربة سلوكية جديدة وفريدة من نوعها، هدفها دراسة ناتج الزيادة السكانية على سلوك الكائنات الحية عمليًا!

التجربة بتاعته دي كانت بتتعمل على مجموعة من الفئران، اللي بيحطهم في جنة صناعية صغيرة ومقفولة، ويسيبهم يتكاثروا ويتزاوجوا، عشان يشوف إيه اللي هيحصلهم لما يوصلوا لمرحلة ضخمة من الزيادة السكانية، بس الحقيقة إنه حتى هو نفسه مكانش متخيل النتيجة المرعبة للتجربة دي، وإزاي ممكن تتسبب في تغيير المجتمع البشري كله للأبد!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كوباية شايك الحلوة والنعناع في إيدك، وتعالى معايا النهاردا أحكيلك عن واحدة من أغرب التجارب العلمية اللي هتسمع عنها في حياتك، وأكثرها رعبًا، وحضر نفسك لحقائق مخيفة هنكتشفها مع بعض، وهتغير لك تفكيرك في مستقبل المجتمع البشري تمامًا.

اقرأ أيضاً: كائنات مُفرطة (Hyperobjects)!

يالا بينا!

في شهر 7 من سنة 1968، عالم السلوكيات الأمريكي “جون كالهون” قرر إنه يبدأ واحدة من أشهر التجارب في تاريخ علوم السلوكيات، اسمها (Universe 25) أو “الكون 25”.

التجربة دي في الأساس كانت مصممة عشان يقدر يدرس بيها سلوك مجتمع من الفئران لما يحطهم في جنة صناعية مجهزة بالكامل لخدمتهم، وفيها كل الأكل والشرب اللي ممكن يحتاجوه، وبعيد عن أي أخطار ممكن تواجههم في بيئتهم الطبيعية، والغاية اللي كان عايز يوصلها من كل دا، إنه يشوف الفئران دي سلوكها هيتغير إزاي لما أعدادهم تزيد والمستعمرة اللي عايشين فيها تزدحم على آخرها.

كالهون بدأ التجربة بإنه جاب 8 فئران، 4 منهم ذكور و4 إناث، وحطهم جوه قفص أو حظيرة كبيرة، حجمها تقريبًا 2 متر مكعب، وساب الـ8 فئران دول فترة عشان يتعودوا على بيئتهم الجديدة، ويبدأوا يمارسوا حياتهم ويتكاثروا طبيعيًا.

الحظيرة دي في الواقع كانت متجهزة بكل حاجة ممكن يحتاجها أي فار في حياته كلها، فيها أكل وشرب ومساحة يقدروا يجروا ويلعبوا فيها، وجو مكيف ومظبوط على درجة حرارة مثالية ليهم، وكمان أكتر من 256 شقة صغيرة مبنية خارج حدود الحظيرة نفسها، بيكون دخولها من شبكة أنابيب مداخلها في جدران الحظيرة.

دا غير إن كالهون كان منقي الفئران اللي جابهم دول كويس جدًا، وعملهم تحليلات طويلة عشان يتأكد إن مفيهمش أي مشاكل بيولوجية أو أمراض، وإن سلالتهم هتبقى نقية تمامًا، وبكدا، المفروض إن الفئران الجديدة اللي هتتولد جوه الحظيرة دي هتقدر تعيش لفترة طويلة لحد ما تعجز وتموت موتة طبيعية، من دون ما يخافوا من أي حاجة بيضطروا للتعامل معاها في العالم الخارجي.

بس اللي انت متعرفوش إن دي مكانتش المرة الأولى اللي كالهون يعمل فيها التجربة دي، بل كان في 24 مرة قبلها! ودي كانت المرة الـ25، ومن هنا جت تسمية “الكون 25″، والحقيقة إنه من خبرته اللي خدها من الـ24 مرة اللي كرر فيهم التجربة قبلها، كان عارف كويس أوي إن بداية التجربة دي هتبقى جنة للفئران على الأرض، لكنها بعد كدا هتتحول إلى جحيم حقيقي هيزور كوابيس كل عالم اجتماع وسلوكيات إلى الأبد.

تعالى أحكيلك إيه اللي حصل في التجربة بالظبط، وركز معايا كويس في اللي جاي.

شوف يا سيدي، في بداية التجربة، الفئران زي ما قلنا كانت لسه بتتعود على بيئتها الصناعية الجديدة، والتكاثر في البداية كان بطيء لإن الحيوان طبعًا لازم ياخد وقت على ما يقدر يتكيف على المحيط الجديد اللي هو محطوط فيه، بس أول ما اتكيفوا، ابتدوا يتكاثروا سريعًا، وكل دا كان مجتمعهم بيزيد وبيكبر بسرعة وباستقرار، ومكانش في أي مشاكل، لدرجة إن عدد الفئران في أقل من سنة وصل لـ600 فار تقريبًا.

بس في اليوم الـ315، بدأ كالهون يلاحظ تغيرات غريبة في سلوك الفئران.

الفئران بدأت تبقى عنيفة مع بعضها عنف غير مفهوم، وعشان تفهم دا كويس، خليني أقولك إن الفئران الذكور في طبيعتهم إنهم بيحاربوا بعضهم على النفوذ والسلطة، وعشان يفرضوا سيطرتهم على باقي القطيع وعلى الإناث، بمعنى إن لازم بعضهم يكون (Alpha Male) زي ما بيسموهم، وبعضهم بيبقوا مهزومين، فالمفروض في الطبيعي إنهم بيهربوا ويروحوا لمكان تاني بعيد عشان يبدأوا من جديد.

بس في حظيرة تجربة الكون 25، للأسف الفئران دي مكانش عندها أي مكان تاني يروحوله، وعشان كدا فضلت الفئران المنتصرة تضربهم أكتر وتجمعهم في منتصف الحظيرة، وكل الضرب والعنف والعض دا كان دون أي سبب! ما هما انتصروا بالفعل!

اقرأ أيضاً: نظرية خيالية أم واقعية؟

دا مكانش أغرب ما في الموضوع، الأغرب إن الفئران المنتصرة كانت بتسيطر على عدد من الإناث، وبياخدوهم جوه الشقق الصغيرة اللي بيدخلوها من الفتحات اللي في جدار الحظيرة اللي اتكلمنا عنها، لحد هنا ودا وضع طبيعي، بس اللي مش طبيعي إن الـ(Alpha Males) لقوا نفسهم مضطرين يدافعوا عن نفوذهم ضد الفئران الجديدة الشابة اللي بتتولد كل شوية، ومكانش في وقت أبدًا للراحة، ودا بدوره أدى لإن السلوك العام ليهم يبقى عنيف أكتر، ويتطور تطور مخيف.

بسبب كدا، انشغلوا عن الإناث والتكاثر، وبدأت الزيادة السكانية الضخمة اللي كانت بتحصل تقل واحدة واحدة، لحد ما عدد الفئران الجديدة اللي بتتولد أصبح قليل جدًا، ولما الفئران الـ(Alpha Males) تعبوا من الدفاع عن الإناث بتوعهم، بطلوا يدافعوا عنهم خالص وسابوهم ومشيوا! ودا أدى لإن الفئران تبدأ تغتصب الإناث باستمرار، ودا بوظ نفسيتهم وخلاهم مع عدم قدرتهم على الدفاع عن نفسهم دفاع فعال، يبدأوا يخرجوا العنف والعدوانية دي على الصغار!

الموضوع موقفش عند العدوانية بس، دا بعض الإناث وصل بيهم الأمر لإنهم قتلوا صغارهم بالفعل، أو طردوهم من الشقق أو الجحور اللي قاعدين فيها بدري، وهما عارفين كويس إنهم لسه مكبروش بما يكفي لإنهم يقدروا يعيشوا في وسط العالم الخارجي اللي في الحظيرة!

المرعب أكتر من كل دا، إن رغم كثرة وتوفر الأكل اللي كان بيتحطلهم كل يوم في الحظيرة، بعض الفئران كانت وصلت لمرحلة من التوحش والعدوانية خلتهم يبدأوا بأكل لحم بعضهم حرفيًا! يعني وصلوا لمرحلة الكانيباليزم (Cannibalism) المخيفة، اللي بتطلق على عملية أكل لحم نفس النوع!

فوق كل دا، بدأ يتشكل سلم اجتماعي واضح، بالظبط زي الموجود في المجتمع البشري، الفئران الضعيفة أصبحت منبوذة وبيتم الاعتداء عليها وسرقة حقها باستمرار، ودول سماهم كالهون بطبقة الفئران الضعفاء أو “البؤساء”، وطبقة الإناث بدأت تتغير فسيولوجيًا تغير كبير، وبدأت تنعزل عن الذكور ومبقاش عندها رغبة في التزاوج من الأساس.

دا طبعًا قلل معدلات الإنجاب والولادة أكتر لحد ما وصلت للحضيض، وضيف على دا إن الفئران الصغيرة حديثة الولادة كانت بتموت باستمرار بسبب عدم الاهتمام بيها والعنف ضدها، وهتلاقي إن العدد وصل لسقف معين ومبقاش يزيد تاني، والسقف دا في أعلى مستوياته كان واصل لعدد 2200 فار تقريبًا، وبعد كدا بدأ الانهيار، وبأكتر شكل مخيف ممكن تتخيله!

ظهرت فئة جديدة من الفئران، سماها كالهون باسم الفئران الجميلة أو “الجميلون”، ودول كانوا عبارة عن ذكور بعدوا تمامًا عن الصراع مع الذكور التانيين على النفوذ أو السعي وراء التزاوج مع الإناث، وبدأوا يهتموا فقط بالأكل والشرب، وبشكلهم ومظهرهم، وتنضيف نفسهم وجسمهم اهتمام أقرب للهوس.

بعد فترة، حصل الشيء المخيف، بدأت الفئران الذكور الجميلة دي تمارس الشذوذ الجنسي مع بعضها، دون أدنى اهتمام بالإناث، وبتغير تام عن فطرتهم الأصلية السليمة الموجودة في الطبيعة!

اقرأ أيضاً: بوريدان ومُعضلة الاختيار

انت فاهم ومركز وواخد بالك إيه اللي بيحصل؟! مجتمع الفئران اللي جوه الحظيرة دا، بدأ يمر بمرحلة انهيار أخلاقي وسقوط اجتماعي أقرب للي بيمر بيها المجتمع البشري دلوقتي وانت بتقرأ السطور دي!

إجمالًا، بدأ مجتمع الفئران كله يتحول للكسل وعدم السعي وراء النفوذ أو الأكل أو الشرب، لحد ما في اليوم الـ516، أصبح المجتمع الموجود داخل الحظيرة مختلف تمامًا عن اللي بدأ!

مجتمع تعداده السكاني بينهار باستمرار، وبيمارس فيه الفئران الذكور الشذوذ الجنسي مع بعضهم وبتنتشر ما بينهم الأمراض رغم كونهم بعيدين تمامًا عن أي تلوث خارجي، دا غير كون الفئران الإناث بتقتل صغارها وغير مهتمة بالتكاثر مع الذكور، والذكور بيقتلوا بعض وياكلوا لحم بعض رغم توافر الأكل والشرب!

من هنا، بدأت الأعداد نفسها تقل! المجتمع اللي عدده كان وصل لأكتر من 2200 فار، بدأ تعداده يقل تدريجيًا سريعًا، لحد ما في اليوم الـ920، جه آخر مولود في المستعمرة كلها! ومبقاش في أي مواليد جدد!

بعد مرور أربع سنين وعشر شهور على بدء التجربة، وتحديدًا يوم 23 مايو سنة 1973، مات آخر فار في المستعمرة، وانتهت تجربة الكون 25 تمامًا!

في نتايج البحث اللي نشره كالهون بعدها، قال إن دمار مجتمع الفئران دا حصل على مرحلتين، المرحلة الأولى سماها “الموت الأول”، ودي بتحصل لما بتنهار أخلاقياتهم وفطرتهم وبيفقدوا هدفهم في الحياة وهدفهم في المجتمع، والمرحلة التانية أو “الموت الثاني” الموت الحقيقي الفيزيائي، اللي بتموت فيه أجسامهم.

طبعًا زي ما انت أكيد متخيل، بعد ما انتهت التجربة، المجتمع العلمي كله اتقلب على نتايجها المخيفة، وبدأ يطبقها ويسقطها على اللي بيحصل في المجتمع البشري كله، وبقى بيستعملها سبب ونتيجة مباشرة للزيادة السكانية اللي هتؤدي لانهيار اجتماعي تام!

رغم إن في تجارب بعد كدا اتعملت على البشر في نطاق محدود، ونتايجها كانت عادية ومش مخيفة زي تجارب كالهون، إلا أن الفكرة كانت اتزرعت بالفعل، وبدأ قادة وزعماء في دول مختلفة يهاجموا الزيادة السكانية ويوصفوها بإنها ورا كل الكوارث اللي بتعاني منها البشرية، وبدأ صناع القرار العالمي يرسموا وينفذوا خطة اسمها “المليار الذهبي”، بتهدف لتقليل عدد سكان العالم من 8 مليارات نسمة لـمليار واحد بس من البشر المهمين اللي ليهم فايدة وقيمة اجتماعية حقيقية! وكنا اتكلمنا عن خطة المليار الذهبي دي في فيديو قبل كده!

المخيف، إن الطريقة اللي بيطبقوا بيها مخططات المليار الذهبي دي، هي نفسها الطريقة اللي انهار بيها مجتمع الفئران في تجارب كالهون، مع اختلاف طريقة تنفيذها!

زيادة الضغوط الاقتصادية على الدول النامية والفقيرة، وتدمير نظم التعليم والصحة عندهم، وإغراقهم في الديون لحد ما يوصلوا لمرحلة من الضغط بينتج معاها ذكور ضعفاء خبرتهم ضعيفة أو معدومة، وذكور تانيين بيمارسوا العنف تجاه غيرهم، وإناث متحررين وعدوانيين تجاه الذكور ومالهمش غرائز أمومة طبيعية، وبيمارسوا العنف ضد أولادهم والأجيال الجديدة!

دا غير فئة الشواذ جنسيًا الخارجين عن الفطرة الطبيعية، اللي مع الوقت بيساهموا بدورهم في تقليل الزيادة السكانية بسبب عدم قدرتهم على الإنجاب، وكمان بيلعبوا دور في تدمير القيم الأخلاقية والدينية للمجتمع، لحد ما بيسقط المجتمع بالكامل وينهار تحت ضغط الحروب الأهلية والأمراض والأوبئة، ويموت منهم مئات الآلاف، ويمكن الملايين!

الحقيقة يا صديقي إن تجربة الكون 25 واحدة من أكتر التجارب الاجتماعية رعبًا في التاريخ، ودا مش بس عشان ورتنا تجربة عملية على اللي ممكن يحصل في المجتمع البشري بسبب الزيادة السكانية الشديدة مع قلة وندرة الموارد، بل كمان عشان كانت البداية اللي إدت الضوء الأخضر لصناع القرار المجهولين اللي بيديروا الساحة العالمية كلها، لبدء تطبيق واحدة من أكبر المؤامرات اللي بتُمارس على المجتمعات في تاريخ البشر كله!

يمكن مفيش حاجة توضحلك نتايج التجربة دي بصورة مباشرة، أكتر من الآية 27 في سورة الشورى، اللي بيقول فيها الله تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَاده لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَاده خَبِيرٌ بَصِيرٌ}.

تخيل انت، ربنا بنفسه بيقولك إنه كان ممكن جدًا يجعلنا كلنا أغنياء ويدينا كل الرزق اللي بنتمناه، لكن هو اختار ميعملش دا لحكمة، والحكمة دي إن حياة البشر في مدينة فاضلة أو يوتوبيا على الأرض، هيتسبب في إفسادهم في الأرض وتدميرهم لمجتمعهم، وانقراضهم بالكامل، زي ما حصل مع حضارات كتير على مر التاريخ.

هو دا اللي حصل واللي بيحصل، واللي دايمًا هيفضل يحصل لحد نهاية الزمان، عشان احنا عايشين في الدنيا، مش الجنة.

مصادر:

https://www.the-scientist.com/foundations/universe-25-1968-1973-69941

https://sciencehistory.org/stories/magazine/mouse-heaven-or-mouse-hell/

https://sproutsschools.com/behavioral-sink-the-mouse-utopia-experiments/

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. محمود علام

كاتب روائي وباحث، وسيناريست