مقالات

تجديد الخطاب الفكري – الجزء الثاني

نتناول في هذا المقال المقصود ” بالتجديد” للوصول من خلال المفهوم للموضوع الأساسي وهو تجديد الخطاب الفكري .

التجديد في اللغة العربية من أصل الفعل “تجدد” أي صار جديدًا، جدده أي صيّره جديدًا وكذلك أجدّه واستجده، كذلك إتيان بما ليس مألوفًا أو شائعًا كابتكار موضوعاتِ أو أساليبَ تخرج عن النَّمط المعروف والمتَّفق عليه جماعيًّا، أو إعادة النَّظر في الموضوعات الرَّائجة، وإدخال تعديل عليها بحيث تبدو مُبْتَكَرةً لدى المتلقِّي

أما التجديد بمنظور الفكر الغربي فهو يرى هذا المفهوم بمعنى التكيف المعتمد كما ذكرنا في المقال الأول على مبدأ “نسبية الحقائق” في غياب العلاقة الواضحة بين الثابت والمتغير حيث يؤكد هذا الفكر على أن كل قيمة قابلة للتبدل والتحول،

حيث يشير مفهوم التجديد بالمعنى الغربي التجاوز المستمر سواء للماضي أو حتى الواقع الغير مادي لما يحمله هذا الفكر من نظرة أحادية للعالم بشقة المادي فقط، حيث تبدو فكرة التجاوز مرتبطة بالفكر الغربي الذي يقوم على نفي وجود مصدر معرفي مستقل عن المصدر المعرفي   المبني على الواقع المشاهَد أو المحسوس المادي فقط.

التجديد الحقيقي

بينما نجد أن معنى التجديد الحقيقي ينشأ نتيجةً آليّات التفكير والتوجّه العقلي ليعبر عن المنهجية الأساسيّة لكلِّ نظامٍ معرفي ومنظومةٍ فكريّة، والتي من شأنها التعبير عن نظريّةٍ أو موقف أو أحد جوانب الفكر، وتكمن أهميّة هذا المفهوم في أهميّة البناء  المعرفي نفسه والذي يشكل رؤية الإنسان لنفسه والواقع وحقائق هذا الوجود بشكلٍ عام،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

حيث إنّ المعرفة هي الغاية القصوى للمساعي البشريّة والمسار الطبيعي لوجودها، فعندما نتحدث عن قضية ما بطريقة عقلية يجب علينا أولا أن يكون تعريف العقل محدد لدينا سابقا ويكون هذا التعريف نابعا من قدرة وحدود العقل وتقديم الدليل على ذلك والقضية التي نتحدث عنها تقع تحت حدود تلك القدرة العقلية التي تستطيع أن تكشف لنا حقيقة تلك القضية كشف واقعي مطابق للواقع،

كذلك الحال عندما نتناول قضية علمية مرتبطة بالواقع المادي تقع تحت حدود الحواس والمنهج التجريبي السليم، وينطبق الحال على القضايا الغيبية يجب تحديد دور النص الديني وقدراته على التعامل مع تلك القضية من خلال قدراته وإمكانياته التي تكشف لنا حقيقة تلك القضية كشف حقيقي وواقعي، هذا هو التجديد على المستوى الفكري تجديد نابع من معرفة سليمة بالأدوات المعرفية وحدود ومنطلقات كل أداة والتي سنوضحها لاحقاً.

الحاجة إلى المنهج المعرفى

كل إنسان طبيعي عندما يقرر الإقدام على فعل معين أو ترك هذا الفعل، فإنه في الحقيقة يتصرف بناءً على ما يعتقده ويؤمن به، فعندما يعتقد أن المال مفيد وأنه أفضل شيء في الحياة، فإن أي عمل يجعله يجني المزيد من المال، يعتقد أنه جيد ويفعله، وأي عمل يقلل من ماله ويجعله يخسر المال، يعتقد أنه عمل قبيح ولا يفعله،

وهذا المعتقد الذي يعتقده الإنسان إنما ينشأ من طريقة نظرته لهذا العالم، فالإنسان عندما ينظر للعالم ويؤمن أنه لايوجد سوى هذا العالم المادي، فإنه سيعتقد أن كل ما يؤدي إلى الاستمتاع بهذا العالم المادي هو شيء حسن وجيد وله قيمه،

على العكس عندما يرى العالم المادي له نهاية، وتوجد حياة أخرى بعده وبالتالى فهناك شيئ ما وراء المادة له قيمة أعلى وأكبر، فما يعتقد أنه حسن وما يعتقد أنه قبيح قطعا سيتغير، وأفعاله حتما ستتبدل، وهكذا كل حياته.

وعلى ضوء ذلك يتفق الجميع على أن الاعتقاد الأساسي أو نظرة الإنسان للكون تتوقف عليها كل حياته، تشخيصه لمعايير لذته وبهجته وتعاسته، أفعاله وتصرفاته، وبالتالى يتحدد على ضوئها مصيره..

ولذلك فمن منطلق أهمية الرؤية الكونية للإنسان – كما أسلفنا – تأتى ضرورة تعيين المنهج الذي على أساسه يتم تكوين المعرفة

ومن هنا نجد أنه من الضروري بل من الواجب قبل الحديث عن أي التجديد أن نحدد المنهج المعرفي وهذا ما نقصده بتجديد الخطاب الفكري، وهو ما سنحاول تبيان ملامحة في السطور القادمة

أدوات المعرفة ودورها في تحديد منهج معرفي واقعي

يمتلك الإنسان أدوات متنوعة للمعرفة ، مشتركة بين جميع البشر وتتمثل في العقل، والنص والاخبار كذلك الحس، والقلب بما يمثله من مشاعر وأحاسيس.

كل تلك الأدوات استخدمها البشر للحصول على المعرفة  فمنهم من أدرك قيمة كل هذه الأدوات وتوصل للمنظومة المعرفية الجامعة لها محددا في نفس الوقت الأداة الحاكمة على تلك الأدوات من منطلق حدود وامكانيات كل أداة معرفية ودورها الحقيقي والواقعي في تكون رؤية سليمة  كاشفة للواقع ومدركة للحقائق.

وكثير من الناس لم تدرك العلاقة الحقيقية بين تلك الأدوات مما جعلهم يخلطون بينها سواء بعدم تحديد دور كل أداة ونوعية المعارف التي تستطيع الوصول إليها  أو بعدم معرفة الأداة الحاكمة  على باقي الأدوات أو حتى في رفض بعض تلك الأدوات رفضا مطلقا ظنا منهم بعدم جدوها في تكوين معارف سليمة وأعلاء أداة واحده لتكون هي الحاكمة  في غير موضعها الصحيح .

لذلك نشأت العديد من المدارس المعرفية المختلفة التي انطلقت لتكون رؤيتها عن الوجود من خلال تبنيها للأداة معرفية واحدة لكشف الواقع ومنظرة لسلامة رؤيتها وقدرة أداتها الواحدة على أن تكون هي الحاكمة على باقي الأدوات سواء بالرفض أو التهميش .

وهو ما جعل من دراسة هذا الأمر باعتباره هو الأساس في تحديد المنهج المعرفي السليم والبداية الحقيقية لتجديد النمط الفكري وتحديد الأولويات ورصد مواطن الخلل في الخطاب الفكري السائد منطلقين لتكوين خطاب فكري واقعي يكون المقدمة المنطقية والحقيقية

لرصد المشكلات سواء الاجتماعية منها أو الثقافية للوصول لمنهج معرفي واقعي يكون هو الكاشف الحقيقي لمواطن الضعف ومنطلقا من قدرته الذاتية على الرصد والتحليل نتيجة معرفته بحدود وامكانيات أدوات المعرفة الإنسانية

وهذا ما سنحاول توضيحه في المقال القادم.

اقرأ أيضاً:

الجزء الأول من المقال

كيف تعرف الواجبات المفروضة عليك كما تعرف حقوقك؟

ظاهرة التأثير والتأثر في الفكر الإنساني

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا