مقالات

تجديد الخطاب الفكري – الجزء الأول

عند الحديث عن التجديد بوجه عام نجد أن لدينا إشكالية في تحديد هذا المفهوم، حيث وصل الأمر إن جاز التعبير إلى حالة من الفوضى.

فذهب البعض إلى أن التجديد هو التخلي عن كل ما هو قديم واستحضار التجارب الحديثة في النهوض والتقدم دون توضيح ما المقصود بالقديم وما هو الجديد الذي يجب الأخذ به والعمل وفقه.

وذهب البعض الاخر بأن التجديد هو التوفيق بين القديم والجديد مشيرا إلى العمل على تنقية القديم من الشوائب التي لا تواكب العصر وأخذ ما يناسب مستجدات العصر والدمج بينها وبين الرؤى الحديثة في العصر الحالي.

عن الخطاب الديني

وكثر الحديث على أن التجديد يجب أن يكون تجدد الخطاب الديني سواء بالنظرة الأولى التي تدعوا بالتخلي عن كل ما هو قديم وتحويل المضمون الديني لمضمون فكري أو ادبي بحيث نستطيع نقده أدبيا، وذهب البعض الأخر للرؤية الثانية بأخذ ما يناسب العصر وترك ما لا يناسب عصرنا الراهن.

وحول تجديد الخطاب الديني بالخصوص ظهرت نقاشات كثيرة ومتعددة حول ماهية التجديد وهدفه وغايته، وظهرت مقولات عده للكثير من الكتاب والباحثين فقال البعض بأن مواصلة واستمرار انتشار أفكار ظلامية عبر جماعات متطرفة تحمل مخاطر فكرية واجتماعية وعلمية، جميعها تهدف إلى خنق الإبداع والفكر وتشويه صورة الإسلام لذلك وجبت عملية التجديد

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وقال البعض الاخر تجديد الخطاب الديني هو لغة من تجديد خطاب العصر، وجزء أصيل من تجديد الخطاب الثقافي؛ لأنه مرتبط بسلوك الناس وطريقة حياتهم وأسلوب تفكيرهم.

وقال بعض علماء الدين “لا نفهم من تجديد الخطاب الديني إلا بمعنى واحدا هو العودة المباشرة للمصادر الأصلية التي ينطلق منها الخطاب  “هذا يعني أن ينقى الخطاب الديني مما لحقه في الحقب المتأخرة من التأثر بالعادات والتقاليد والتأثيرات السلبية للحضارة الغربية المادية في جانبها الفكري السائل يعني فيما يعنيه تنقيته من التأثر بالثقافات المخالفة.

الخطاب الصحيح هو الخطاب الذي يُقَوِّمُ الواقع ويضبطه ويصححه على أساسٍ من هذا الدين الذي يرتكز أول ما يرتكز على مقومات الفضيلة والأخلاق واحترام القيم، وليس المقصود من تجديد الخطاب الديني هو مسايرة هذا الخطاب للواقع وتبريره حتى وإن كان هذا الواقع منحرفًا وشاذا

الإشكالية الكبرى

وبعد كل هذا العرض السابق والكثير من الأفكار الأخرى التي لم يتسع المجال لذكرها نجد الإشكالية الكبرى التي لم يتطرق لها أحد ممن تحدث حول هذا الموضوع إلا وهي ” ما المقصود تحديد بالتجديد وما هي الموضوعات التي يجب التجديد فيها؟ وما هي المنهجية الصحيحة التي يجب اتباعها في تلك العملية التجديدية؟

سؤالين نحاول الإجابة عليهم لعنا نصل لطرح واقعي يحدد لنا الغايات والوسائل معاً

وظهرت العديد من الحركات التي تعتبر إصلاحية، فالحركة الإصلاحية في العصر الحديث في الهند ومصر كانت واحدة من العديد من الحركات التي ظهرت في منتصف القرن التاسع عشر مثل العلمانية والسلفية في ردة فعل للتغيرات السريعة في ذلك الوقت كقيام الحضارة الغربية والاستعمار في العالم الإسلامي

تميزت تلك المرحلة تحمل بمحور رئيسي يقوم على التأكيد على التخلف عن الحضارة والتقنية الغربية وكانت هناك حركة متزايدة من قبل بعض علماء الدين المسلمين إلى أن واقع المسلمين المتخلف يعود إلى حالة الجمود والركود في الحياة الاجتماعية والدينية. وفي حين اختار البعض التوجه نحو تبني نظريات الغرب العلمانية

فظهور مفهوم التجديد هو غالبا مرتبط بالإحساس بالتأخر والتخلف والغياب عن ركب الحضارة والتقدم عن باقي الأمم

التجديد أمر لابد منه

لذلك يجب أن ننطلق من مقدمه مفادها أن الكثير من الدعوات للتجديد سواء باسم الدين أو باسم التقدم ، والتي جعلت من مفهوم التجديد أمر لابد منه لا يمكن إغفال دور الحرب الناعمة والدور الاستعماري حول خلق وتثبيت حالة التطرف من جهة والمساهمة في زيادة التخلف والرجعية بسلب ثروات المجتمعات سواء المادية أو العلمية والدعم الدائم والمستمر والمتجدد لترسيخ تلك الحالة في الكثير من المجتمعات

والتي تعيد الاستفادة منها لاحقا بنشر الدعوات من خلال وسائلها المتعددة لنقد ورفض الحالة التي ساهمت تلك الدول الاستعمارية نفسها في إيجادها لخلق المزيد من الفوضى والتغريب الفكري والنفسي مما يرسخ أكثر تواجد العدو الاستعماري سواء بالتواجد المباشر أو باستحضار النمط الفكري والثقافي للمستعمر نفسه بحيث تتحول تلك المجتمعات لصدا صوت فكري وقيمي وسلوكي للمجتمعات والثقافات الغربية المادية.

وإن أردنا الاستدلال على صحة تلك المقدمة السابقة يمكن الرجوع للكثير من المراجع حول الحرب الناعمة والغزو الثقافي والتي تجدونها في الكثير من مقالات أكاديمية بالعقل نبدأ تحديد وكثير من كتب المفكرين سواء العرب أو الأجانب.

إن التأكيد على هذه المقدمة يفتح لنا الافاق حول دور العدو الخارجي المدروس لمجتمعاتنا وفهمه الجيد للعناصر التي تشكل هويتها الثقافية والفكرية والتي يكون كلا من الدين والهوية والتراث محاور هامة شكلت لنا طابع حضاري مميز بخصوصية حضارية تختلف كثير عن خصوصيات باقي الحضارات من جهة وتجتمع مع باقي حضارات العالم في مشتركات عامة وليست خاصة

فالدين على سبيل المثال بما يمثله من نظرة الإنسان لخالق هذا الكون ونظرته لنفسه وكذلك نظرته للطبيعة يمثل خصوصية حضارية تختلف تماما عن نظرة الإنسان لعلوم الطب والهندسة وغيرها مما يعد مشتركات إنسانية للعالم كله.

والملاحظ أن الدعوة للتجديد والتي افتقدت حتى إلى معنى محدد لماهية هذا التجديد والمنهجية التي يقوم عليها ، تركزت هذه الدعوة للتجديد حول ما يعد خصوصيات حضارية وليس مشتركات إنسانية، فنجد الدعوة لتجديد الخطاب الديني ونقد التراث وتهميش الهوية.

تلك الدعوات هي ما جعلت الاخذ في الحسبان دور الغزو الثقافي والحرب الناعمة أمر ضروري في تناول مفهوم التجديد، كذلك عدم التطرق لتجديد النمط الفكري السائد والذي تأثر بشكل واضح بالنمط المادي الغربي في النظرة الأحادية للواقع باعتبار الوجود الحقيقي هو الوجود المادي فقط،

حيث ركزت أغلب الدعوات للتجديد حول ما هو  نافع وليس ما هو حقيقي وهذا لمن درس التفكير الغربي المادي يعرف أن معيار النفع هو من يحدد سلامة الفعل وليس معيار الحق، كذلك اعتمدت الكثير من المشروعات التي تدعي التجديد على تغير الحقائق وعدم ثباتها وهو ما كان دافع لها للدعوة للتجديد مؤكدين على نسبية الحقائق وعدم ثباتها وهذا أيضا من مخرجات الثقافة الغربية المادية.

كل هذا جعل دراسة التأثير الغربي المادي حول عملية التجديد أمر في غاية الأهمية وسوف يتضح ذلك بصورة أكبر عند تناولنا لمفهوم التجديد عموما وتجديد الخطاب الفكري خصوصا وذلك في المقال القادم.

اقرأ أيضاً:

مفهوم السعادة في الفكر الفلسفي اليوناني

دليل أكسفورد في الدين والعلم

تجديد الخطاب التربوي العربي